أناملها تتحرك بخفة علي مفاتيح الأورج, تعزف بشغف, وتغني بسعادة, وابتسامتها لا تفارقها, وكأنها تعيش أجمل لحظات حياتها علي الإطلاق وبرغم عملها كمدرسة لغة عربية, فإنها اتخذت من الموسيقي هواية تتنفسها. إنها نهي علاء الدين, ولدت بالإسكندرية بمرض المياه الزرقاء علي عينيها, وكان نظرها ضعيفا, حتي فقدت بصرها نهائيا في سن الثانية عشرة. سردت نهي قصتها ل صفحة صناع التحدي قائلة: ليس لدي أخ أو أخت فأنا وحيدة والدي, أول حضانة انضممت إليها رفضتني بسبب ظروفي الصحية, ولكن والدتي صممت وهددتهم أن تشكوهم إلي الجهات المختصة ونظرا لمعرفتهم بعملها في الشئون الاجتماعية فتم قبولي. وقالت بسعادة: ولأنني لم أفقد بصري نهائيا إلا في سن الثانية عشرة, عشت طفولتي بمرح وسعادة طبيعية جدا. وتضيف: عندما ذهبت إلي المدرسة, اكتشف أستاذ الموسيقي بابا صلاح موهبتي, وخضت اختبار القدرات في معهد الكونسرفتوار في سن الخامسة ونجحت, ثم بدأت أدرس الموسيقي في المعهد جنبا إلي جنب مع الدراسة لآخر سنة, وكنت اكتب النوتة بطريقة برايل. دعمني والدي بشدة لأنه كان موسيقيا بجانب عمله كأستاذ دكتور بجامعة حلوان, وقد كان والدي كفيفا فتعلمت والدتي كتابة النوتة ليمليها والدي عليها. وامتحنت في القاهرة امتحان المعهد ولكنني لم أكمل الدراسة فيه بعد المرحلة الثانوية لأن الدراسة كانت تستوجب وجودي في القاهرة, فتوقفت لدخولي الجامعة بالإسكندرية وأكملت دراستي بكلية الآداب, قسم لغة عربية. وفي أثناء المذاكرة اعتمدت علي طريقة برايل ووالدتي أيضا كانت تسجل الكتب الخارجية وغير ذلك لعدم توافرهم بطريقة برايل. وتكمل: استمر نشاطي في المجال الموسيقي ودعمني عمار الشريعي, فقد كان صديقا لوالدي, وعملت معه في موسيقي مسلسل حليم والفيلم أيضا وكانت مهمتي هي التوزيع والعزف علي الأورج, والمفاتيح تحتاج لقلب يراها وليس لعيون, ولم يكن الأمر صعبا بالنسبة للتوزيع, فقد كان هناك برنامج ناطق علي الكمبيوتر يكتب النوتة التي أعزفها. وإلي الآن أعزف مع فرق في قصور الثقافة والأوبرا, كما أنني أدرب فريق بنات النور. وقد دعمتني والدتي معنويا وشجعتني علي مواجهة الجمهور في المسرح. الموسيقي تمثل الحياة بالنسبة لي وعندما أسمع جملة الموسيقي حرام أحزن, واتجهت للاستفسار عن هذه الجملة في دار الإفتاء ووجدت أنها ليست صحيحة. أما عن حياتها العملية قالت: أعمل كمعلمة منذ تخرجي, فقد كان المجال المتاح, ولو عاد الزمان لم أكن لاختار هذا المجال, ربما كنت اخترت مجال الكمبيوتر. عندما ذهبت للتوجيه بعد تعييني اخترت مدرسة عادية ليست للمكفوفين, وعندما بدأت كانوا يريدونني أن أدرس تربية دينية فقط, لكني رفضت وصممت علي اقتحام المجال واعتمدت طريقة للتدريس, فكنت اختار أحد الطلبة ذا خط يسهل قراءته للكتابة علي السبورة. واستمريت هكذا حتي انتقلت لمدرسة النور للبنات ولكن التحرك للمدرسة كان صعب ومرهق فانتقلت لمدرسة النور للبنين بعد ثماني سنوات, في البداية كنت قلقة من تدريس البنين لكنني وجدت أن التدريس لهم أسهل, واستمريت معهم إلي الآن ومازلت أشترك في حفلات المدرسة الموسيقية. وفي النهاية اختتمت حديثها قائلة: أريد أن تتغير نظرة المجتمع لنا, فنحن أشخاص طبيعيون نتصرف مثل كل الناس, الفارق الوحيد أننا ربما لا نمشي بسهولة لكننا قادرون علي فعل كل شيء, فقد علمتني والدتي كل شيء في المنزل وبالفعل أفعل كل شيء من خياطة وكي ملابس حتي اختيار الملابس وألوانها, وضعت مع والدتي أشكالا لخياطة الخرز في الورقة بداخل الملابس لمعرفة لونها, كل شيء سهل. كما أنني أهوي القراءة بنفسي دون أن يقرأ لي أحد. وبالنسبة للدولة بشكل عام فأري أن الطرق غير ممهدة لتسهل السير عليها. كما يجب أن تتوافر فرص عمل حقيقية لأنه غير مقبول أن يعين ذوي الإعاقة براتب لكن دون عمل فعلي.