بعد طول خصام وجفاء, عرف الإسلاميون طريقهم للاستمتاع بلذة التمرد, وما أحلي التلذذ بثمار شجرة طيبة غير محرمة. فنفر من كوادر الجماعة الإسلامية قرروا التمرد بكل قوتهم علي الجمود, ومبدأ السمع والطاعة العمياء, وتديين السياسة, ورفع السلاح في وجه المخالفين والمنتقدين, واستبدال قادتهم الذين تحالفوا مع الإخوان وناصبوا أبناء وطنهم العداء والكراهية, واحلوا لأنفسهم إصدار فتاوي ما انزل الله بها من سلطان بتكفير هذا وإلباس ذاك ثوب الإيمان والتقوي. وربما استقر في وجدان من تمردوا استنساخ نموذج حركة تمرد التي استخف بها الرئيس السابق محمد مرسي وقومه إلي أن انزلوهم من عليائهم, ولحين اتضاح الرؤية الكاملة لتوجهات ومآلات تمرد الجماعة الإسلامية, فإنه يستحسن النظر إليها علي أنها بادرة أمل في إحياء فريضة المراجعة الغائبة لدي القطاعات العريضة من المنتمين للجماعات الإسلامية التي ظنت عقب ثورة25 يناير أن مصر قد دانت لهم ويحق لهم فعل ما يشاءون فيها ترويجا لمشروعهم الاسلامي. فتجربة الإخوان البائسة الضالة في حكم مصر كانت كاشفة لثقوب وعورات اجتهد المنتسبون للتيار الإسلامي في إخفائها وصرف الأنظار عنها طويلا, وفشلت الجماعات الدينية, وفي الصدارة جماعة الإخوان, في استغلال الفرصة المتاحة لإجراء مراجعة شاملة غرضها ومبتغاها مكاشفة النفس بعيوبها القاتلة التي أوردتنا وأوردت الوطن للتهلكة. فمنذ سقوط الإخوان لم نلمس جهدا صادقا علي مستوي التيار الإسلامي يؤصل لمراجعة حقيقية, وربما يستثني من ذلك بعض الأطراف في حزب النور ومشايخ السلفية الذين امتلكوا الجرأة والشجاعة للإقرار بأخطاء الإسلاميين في حق الدين والوطن, وفقدانهم ثقة الناس, لكنها تظل محاولات فردية ولا تعبر عن اتجاه سائد. لهذا فإن الظهور المفاجئ لتمرد الجماعة الإسلامية قد يشكل دفعة قوية للمراجعة المرغوبة, لكن هذه المراجعة لها شروطها واستحقاقاتها الواجبة, وأولها أنه لا مكان للأحزاب الدينية تحت أي مسمي, والتوقف عن اطلاق دعاوي أن المجتمع يخاصم الدين, وأن من يعارضهم يكيد للإسلام ويكرهه, وأن مصر ستكون المدينة الفاضلة إذا وصلوا لحكمها. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي