عفوا!! أعلن في البداية أنني اقتبس عنوان هذا المقال, وتحديدا الاستثمار الاجنبي لبناء الديمقراطية في مصر عن تصريحات أدلي بها رئيس إحدي المؤسسات الغربية في مصر. والتي تمت( مداهمتها) وفقا للمصطلح المستخدم إعلاميا بشكل واسع من جانب السلطات المصرية.. وفي الحقيقة, بالرغم أني أعمل بشكل كثيف في مجال البحث العلمي في العلوم السياسية, وتحديدا في مجال المجتمع المدني والحقول الديمقراطية والتنمية البشرية, ومن ثم ارتبط بشكل أكاديمي وفعلي بهذا الموضوع,وجميع أبعاده, إلا أنها كانت المرة الاولي التي أتعرف فيها علي مصطلح( الاستثمار) في بناء الديمقراطية سواء في مصر أو في المنطقة العربية. وهنا نجد أنه من المهم قبل الدخول في مناقشة أسعي إلي أن تكون موضوعية لابعاد التمويل الاجنبي للمنظمات الحقوقية خاصة, ومنظمات المجتمع المدني علي وجه العموم, من المهم الوقوف أمام أطروحة( الاستثمار الاجنبي في المستقبل الديمقراطي في مصر)..ان توظيف مفهوم الاستثمار هنا, خاصة إذا كان أجنبيا, يعني توقع( العائد)( أو الارباح أو الفائدة من الاستثمار), ومن ثم يصبح السؤال هو عن الفوائد أو المنافع المتوقعة من جانب الاطراف الاجنبية المانحة و(الشركاء) في مصر؟. الامر الآخر ان تدفق التمويل الاجنبي الاستثمار دائما يقوم علي احترام القواعد القانونية للبلد الذي يتشرف بتلقي هذا الاستثمار, ويصبح السؤال إلي أي حد احترم الطرف المانح المستثمر وكذلك الطرف المتلقي للمال, القواعد القانونية؟ افهم واتفهم تماما ان القوانين قد تكون معوقة للاستثمار الاجنبي في عملية بناء الديمقراطية, التي يسعي اليها الجميع, ولكن في الوقت نفسه فان احترام القواعد القانونية كما هي مع السعي لتغييرها هو بعد لايمكن لدولة أن تتنازل عنه بهذه البساطة. الامر الآخر في اطروحة الاستثمار الاجنبي في المستقبل الديمقراطي لمصر, هو ان أي استثمار وأي تدفق تمويلي من الخارج إلي الداخل, يخضع( لمراقبة) من جانب جهة محددة ينص عليها القانون, والاهم في اعتقادي الشخصي وضميري المهني أن يخضع لمراقبة من جانب الرأي العام في مصر. لقد تعلمنا من الخطاب الغربي, واقتبسنا منه فعلا, مفاهيم الحكم الرشيد والشفافية والمحاسبة والمساءلة.. ما الذي يضير كمانح أو متلق, أن أعلن مصادر تمويلي, وأن أعلن امام الرأي العام أوجه انفاقها, وأن أبرز وأوضح لكل الاطراف أن التدفق التمويلي الاجنبي أو العربي أو التبرعات من الداخل قد توجهت إلي مشروعات محددة, واستفاد بها المجتمع المصري, أو الفئات المستهدفة.. علي الاقل كان يمكن لحظات تفجر الازمة و(المداهمات) عقد مؤتمر صحفي يتوجه إلي الرأي العام المصري( وليس الأجنبي) نقول ونعلن هذه هي أموالنا ومصادر تمويلنا, وأوجه الانفاق, ونطرح بدقة وببساطة أوجه القصور في القوانين المصرية,خاصة ازاء أنشطة المنظمات الحقوقية.. ان التوجه للرأي العام المصري, في هذه اللحظة تحديدا, كان سيحقق قيمة مضافة لهذه المنظمات, وللمجتمع المدني ككل, وكان سيسهم في إيجاد قوي مساندة من المصريين تشكل معا جبهة لحماية منظمات حقوق الانسان ولعل فكرة الاستقواء بالخارج كان سيحل محلها فكرة( الاستقواء بالداخل). لقد لعبت المنظمات الحقوقية دورا مهما للغاية, علي مدي العقديين الماضيين, سواء في التوعية أو الحماية, وقد اعترضتها اشكاليات أساسية علي مدي تطورها من منظمة واحدة عام3891 إلي671 منظمة حقوقية مطلع عام2102 وتنوعت مبادراتها من الحقوق السياسية والمدنية إلي الحقوق الثقافية والاقتصادية والاجتماعية, ومن حقوق الانسان إلي حقوق الطفل, وحقوق المرأة وحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة, وحقوق المواطنة, وحقوق التنمية, وحقوق أصحاب المعاشات وحقوق المرضي.. وغيرها, وهو تطور نعتز به ونفخر به بلا شك. إلا أن المنظمات الحقوقية لم يحالفها التوفيق إزاء عدة اشكاليات أهمها: الاعتماد تماما علي مصادر تمويل أجنبية,وقدراتها المحدودة في إيجاد مساندة شعبية من داخل مصر وتقوية( العطاء) لها من الداخل. الاشكالية الاخري تمثلت في استمرار نشاطها طوال عقدين( بعدد محدود) من الافراد, وفي غياب قاعدة من الاعضاء المؤيدين( جمعيات عمومية) تراقب نشاطها وانفاقها, بما يحقق لها الشرعية أمام الرأي العام, ويوسع من دائرة المساندين والمدافعين عنها..وكلنا أمل أن تشهد المرحلة المقبلة تعامل المنظمات الحقوقية مع الاشكاليات المذكورة, وغيرها حتي تكتسب ثقة المجتمع. ان عدنا مرة أخري لأطروحة الاستثمار الاجنبي في المستقبل الديمقراطي لمصر, نؤكد أنه لا مانع من وجهة نظرنا للتمويل الاجنبي, علي أن يتم احترام القانون من الطرف الاجنبي ومن الشريك المصري, وأن تعلن المشروعات ومصادر انفاقها, والفئات التي استفادت بها( حتي وان كانت التوعية والتثقيف كيف تحققت؟ وما أدواتها؟ ما الفئات المستفيدة؟ هل توقفنا كمنظمات مجتمع مدني لتقييم النتائج). قضية التمويل الاجنبي اذن تحيط بها أبعاد كثيرة, متداخلة ومعقدة, وجماعة النشطاء بالتعاون مع جماعة الاكاديميين عليهم أن يناقشوا معا, ويتوافقوا حول عدة أمور وقضايا, تمهد للضغط في اتجاه تغيير القانون, بما يحقق مصلحة المجتمع المصري, ويسهم في الديمقراطية.. وفي هذا السياق هناك مبادئ رئيسية بعضها جزء من ميثاق الشرف الاخلاقي, وهناك معلومات أيضا لابد أن يعرفها الجميع, يمكن الاشارة إليها بايجاز علي النحو التالي: ان قبول التمويل الأجنبي, أو طلبه من مصدر مانح عربي أو أجنبي, لدعم المشروعات التنموية أو تعزيز أنشطة حقوق الانسان, هو في حد ذاته, أمر لايدعو للقلق أو التشكيك, وذلك من حيث المبدأ. المزيد من مقالات د. أماني قنديل