وزير الأوقاف يعقد اجتماعًا بمديري المديريات لمتابعة الأنشطة الدعوية    لقاء علمي بمسجد السلطان أحمد شاه بماليزيا احتفاءً برئيس جامعة الأزهر    التموين: مواقع إستلام القمح تفتح أبوابها أمام المزارعين خلال إجازة شم النسيم    غدًا.. قطع المياه 4 ساعات عن مدينة شبين الكوم وضواحيها لتطهير الخزانات    المصريون يحتفلون بأعياد الربيع.. وحدائق الري بالقناطر الخيرية والمركز الثقافي الأفريقي بأسوان والنصب التذكاري بالسد العالي يستعدون لاستقبال الزوار    محافظ المنيا يوجه بتنظيم حملات لتطهير الترع والمجارى المائية بالمراكز    ألمانيا تحذر إسرائيل بشأن احتمالية اجتياح رفح جنوب غزة    «بوتين» يكشف عن نمو استثنائي للاقتصاد الروسي خلال 2023    نونيز يثير الجدل بعد حذف صوره بقميص ليفربول    بعد محاولة مانشستر والهلال.. بايرن ميونخ يتفق مع نجم ميلان    تشكيل مودرن فيوتشر أمام بيراميدز بالدوري    محافظ مطروح يشهد النسخة السادسة من برنامج شباب المحافظات الحدودية    التحفظ على مطرب المهرجانات عصام صاصا لإجراء تحليل مخدرات    وزير النقل يتابع إجراءات الأمن والسلامة للمراكب النيلية خلال احتفالات شم النسيم    فيلم السرب يحقق إيرادات بلغت 4 ملايين و303 آلاف جنيه ليلة أمس الأحد    المخرج فراس نعنع عضوًا بلجنة تحكيم مهرجان بردية لسينما الومضة    «الأزهر للفتوى» يوضح كيفية قضاء الصلوات الفائتة    بخطوات بسيطة.. طريقة تحضير طاجن دجاج بالكاري بالفرن    ختام فعاليات المؤتمر الرابع لجراحة العظام بطب قنا    الصحة: إجراء 4095 عملية رمد متنوعة مجانا ضمن مبادرة الرئيس لإنهاء قوائم الانتظار    ننشر الخريطة الزمنية وجدول امتحانات مدارس القاهرة (صور)    التعليم العالي: تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    نزوح أكثر من ألف أسرة بسبب الفيضانات في أفغانستان    «رحلة العمل الدرامي من الفكرة إلى الشاشة».. ورشة لمريم نعوم بأكاديمية الفنون 16 مايو    أبرزهم «السندريلا» وفريد الأطرش .. كيف احتفل نجوم الزمن الجميل بعيد الربيع؟ (تقرير)    ‫ إزالة الإعلانات المخالفة في حملات بمدينتي دمياط الجديدة والعاشر من رمضان    «الكحول حلال في هذه الحالة».. أمين عام رابطة العالم الإسلامي يثير الجدل (فيديو)    حدائق ومتنزهات أسوان والجزر النيلية تستقبل المواطنين في أعياد الربيع    15 يومًا للموظفين.. جدول إجازات شهر يونيو 2024 في مصر    إصابه زوج وزوجته بطعنات وكدمات خلال مشاجرتهما أمام بنك في أسيوط    في خطوتين فقط.. حضري سلطة بطارخ الرنجة (المقادير وطريقة التجهيز)    بعد إصابته بالسرطان.. نانسي عجرم توجه رسالة ل محمد عبده    المستشار حامد شعبان سليم يكتب :الرسالة رقم [16]بنى 000 إن كنت تريدها فاطلبها 00!    مصرع شخصين وإصابة 3 في حادث سيارة ملاكي ودراجة نارية بالوادي الجديد    باحث فلسطيني: صواريخ حماس على كرم أبو سالم عجّلت بعملية رفح الفلسطينية    مفوضية الاتحاد الأوروبي تقدم شهادة بتعافي حكم القانون في بولندا    الدفاع الروسية: إسقاط مقاتلة سو-27 وتدمير 5 زوارق مسيرة تابعة للقوات الأوكرانية    مصر تحقق الميدالية الذهبية فى بطولة الجائزة الكبرى للسيف بكوريا    غدا.. إطلاق المنظومة الإلكترونية لطلبات التصالح في مخالفات البناء    سعر السكر والزيت والسلع الأساسية بالأسواق الإثنين 6 مايو 2024    جامعة أسيوط تنظيم أول مسابقة للتحكيم الصوري باللغة الإنجليزية على مستوى جامعات الصعيد (AUMT) 2024    على مائدة إفطار.. البابا تواضروس يلتقي أحبار الكنيسة في دير السريان (صور)    إيرادات علي ربيع تتراجع في دور العرض.. تعرف على إيرادات فيلم ع الماشي    "كبير عائلة ياسين مع السلامة".. رانيا محمود ياسين تنعى شقيق والدها    وسيم السيسي: قصة انشقاق البحر الأحمر المنسوبة لسيدنا موسى غير صحيحة    هل أنت مدمن سكريات؟- 7 مشروبات تساعدك على التعافي    ضبط 156 كيلو لحوم وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بالمنيا    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس للألعاب الجماعية    الشرطة الأمريكية تقتل مريضًا نفسيًا بالرصاص    إزالة 9 حالات تعد على الأراضي الزراعية بمركز سمسطا في بني سويف    مفاجأة عاجلة.. الأهلي يتفق مع النجم التونسي على الرحيل بنهاية الموسم الجاري    فشل في حمايتنا.. متظاهر يطالب باستقالة نتنياهو خلال مراسم إكليل المحرقة| فيديو    إصابة أب ونجله في مشاجرة بالشرقية    ولو بكلمة أو نظرة.. الإفتاء: السخرية من الغير والإيذاء محرّم شرعًا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    وزير فلسطيني: مكافحة الفساد مهمة تشاركية لمختلف قطاعات المجتمع    طارق السيد: لا أتوقع انتقال فتوح وزيزو للأهلي    تعليق ناري ل عمرو الدردير بشأن هزيمة الزمالك من سموحة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بصدق
المثلث القذر..!

كنت أدرك, تماما, مع كتابة مقال الأسبوع الماضي مثلث الرعب, الذي يجمع بين المال الغامض, والإعلام الفاسد, والطابور الخامس, أنني أقتحم عش دبابير من الوزن الثقيل
, حيث سيتكالب المرتزقة, بالردح, وكيل الاتهامات, وليس ذلك فقط, بل وصل الأمر إلي تسيير مظاهرات من بعض الصبية, مستغلين حاجتهم إلي أجور زهيدة, ومستعينين في ذلك أيضا بأعوانهم من الطابور الخامس في مؤسساتنا, التي كانت طوال تاريخها مثالا للوطنية, والانتماء, وتقديس العمل, وليس الغوغاء, والبلطجة, والانفلات.
إلا أن ردود الفعل, هذه, قد دللت علي أننا لسنا أمام ثالوث مرعب, بقدر ما هو قذر, إلي الحد, الذي أصبحت الدولة الرسمية تخشي مواجهته, وهو ما بدا واضحا في التناول الإعلامي لأحداث الثلاثاء الماضي من جهة, والممارسات علي أرض الواقع من جهة أخري, حيث محاولات إحراق مقر جامعة الدول العربية, والصدامات مع قوات الأمن, والهتافات المعادية للقوات المسلحة, بل وصل الأمر إلي إحراق علم مصر!
ولأن هؤلاء, وأولئك, يدركون أن استمرار الأوضاع في مصر, بهذا الشكل المنفلت, سوف يحول دون فتح ملفات ذلك المال المشبوه, أو ذلك الفساد المستشري, فهم يسعون إلي إشعال المزيد من الفتن, ونشر الفوضي, إلا أن ما يجب أن يدركه الجميع هو أن أي تطور, أو تقدم, أو استقرار, لن يحدث إلا مع فتح هذه الملفات, التي أصبحت بمثابة السرطان في الجسد, وبالتالي يتحتم بتره.
إذن.. نحن نعي أننا نتعامل مع أورام خبيثة, وندرك خطورة الاقتراب منها, ونعلم, في الوقت نفسه, أن الدولة غير مستعدة لإجراء هذه الجراحة الآن, إلا أننا في كل الأحوال يجب ألا نقف مكتوفي الأيدي أمام شرذمة تربحت من أموال الشعب, وفي الوقت نفسه تآمرت عليه, والأدهي من هذا وذاك أنها ترفع طوال الوقت شعارات الثورية, ولواء الوطنية, دون خجل.
والأسئلة, التي تطرح نفسها بشدة الآن هي: ما الذي يمنع الدولة من التنقيب في حقيقة المال الغامض, الذي دخل البلاد علي مدي عشرة أعوام مضت؟, وما الذي يمنع الدولة, الآن, وعلي وجه السرعة, من البحث في حقيقة تمويل الإعلام الفاسد, ومراقبة ذلك التمويل؟, وما الذي يمنع الدولة من التعامل بحسم مع ذلك الفساد في الأداء الإعلامي في حد ذاته؟.. والإجابة, بكل وضوح, هو ذلك الطابور الخامس, الذي يحكم البلاد الآن, ويستشري في مفاصلها!
نحن, أيها السادة, أمام كارثة, وهو أقل وأبسط تعبير يمكن أن نصف به الحالة الراهنة, فقد تم إحراق علم مصر علي أرض مصرية, علي مرأي ومسمع من الجميع, ومن وكالات الأنباء, والفضائيات, لأول مرة في تاريخ الدولة المصرية, بل نستطيع القول إن علم مصر ربما لم ينكل به بهذا الشكل في أي دولة أخري, كما أن أي دولة أخري لم تشهد حرقا لأعلامها بأيدي أبنائها, مهما تكن الخلافات, وأيا كانت الرؤي, لكن لأننا أمام أوضاع خطأ, فكل الممارسات أصبحت ممكنة, وكل المقدسات أصبحت مستباحة, ومادمنا قد سمحنا بإهانة القوات المسلحة في الهتافات المأجورة, والكتابة علي الحوائط بأيد عميلة, وأيضا من خلال التناول الإعلامي الفاسد, فكان من الطبيعي أن يصل الأمر إلي هذا الحد, ولكن لأننا نعي خطورة ما في جعبة هذا الطابور, وما يضمره للوطن من شرور, فإننا ندرك أن حرق علم مصر لن يكون نهاية المطاف, فقد كان مجرد إشارة إلي أن نيران الغدر قادمة, ولم يعد هناك خط أحمر, ولكن.. ماذا نحن فاعلون؟!
أعتقد..
أن الرؤية, الآن, أصبحت واضحة تماما, فقد تم ضبط12 قنبلة يدوية في ميدان التحرير يوم الثلاثاء الماضي, خلال ما سمي ذكري أحداث محمد محمود, وتم ضبط أسلحة خرطوش, وبذلت قوات الأمن جهودا مضنية لتحول دون إحراق مقر جامعة الدول العربية, وترددت هتافات معادية للجيش بألفاظ خرجت عن كل ما هو مألوف, وكل ما يمكن أن يتجاوزه الضمير الوطني, كما صدرت تصريحات ممن يطلقون علي أنفسهم نشطاء سياسيين ترقي إلي درجة العمالة والتآمر, ووجدت هذه التصريحات غطاء إعلاميا وسياسيا بلا حدود, أما حجم الإنفاق علي ذلك التخريب, وهؤلاء المخربين, فأجهزة الدولة بالتأكيد قد قامت برصده, وفي اليوم نفسه تم قطع الكهرباء, والاتصالات الهاتفية عن قناة الفراعين بدعوي الاستدانة, حتي لا تقوم بتغطية الأحداث, وبالفعل لم تستطع القناة أداء دورها, لا في ذلك اليوم, ولا في تلك الليلة, بفعل الطابور الخامس المتغلغل في مدينة الإنتاج الإعلامي, وذلك علي الرغم من أن معظم القنوات الفضائية مستدانة بما هو أكثر من الفراعين.
وفي اليوم التالي أعلنت وزارة الداخلية عن ضبط127 قطعة سلاح ناري, خلال24 ساعة, واستهدفت قنبلة يدوية تجمعا شرطيا في الزاوية الحمراء, بقلب القاهرة, كما كانت العملية الإرهابية بسيناء, التي راح ضحيتها أحد عشر جنديا, وأصابت العشرات, وأكرر السؤال: ماذا ننتظر إذن؟, فالمال الغامض مستمر في الضخ من الخارج, والإعلام الفاسد مستمر في أداء دوره المشبوه, والطابور الخامس يرتع شمالا, وجنوبا, وإذا قلنا إنها مسئولية الحكومة, فأين هي الحكومة؟, وماذا فعلت ؟, وإذا قلنا إنها مسئولية الشعب, الذي يجب أن يواجه هؤلاء, وأولئك, فنحن نتحدث عن حرب أهلية, وإذا قلنا إنها مسئولية القوات المسلحة, فسوف يهرع المشبوهون إلي الشوارع, ويتباري المتحذلقون بالخطب الرنانة, وتفتح الفضائيات أبوابها لصبية, تدربوا في صربيا وجنوب إفريقيا, وتلقوا أموالا من الولايات المتحدة وقطر, وها هم الآن يجدون دعما لوجيستيا من تركيا وألمانيا, وبلغ الأمر حد استعداء المنظمات الدولية علي وطنهم, واستخدام وسائل إعلام أجنبية في بث سمومهم.
الأمر جد خطير..
وهو ما يجعلنا لا نتخاذل في مواجهة القوات المسلحة بما يردده المواطن الآن بالعامية المصرية اللي حضر العفريت يصرفه, وذلك لأن قادة هذه القوات يدركون تماما, أنه لا حل للخروج من هذا المأزق إلا بدخولهم الساحة من أوسع الأبواب, سياسيا, وأمنيا, واجتماعيا, دون اعتبار لأي ردود أفعال, فما بالنا إذا كانت ردود هذه الأفعال من مشبوهين, وعملاء, وطابور خامس, ومتدربين في الخارج, وممولين؟!.. وإذا كانت الصورة غير واضحة أمام هؤلاء القادة, فنحن نضعها كاملة بين أيديهم, أملا في اتخاذ القرار المناسب بما يتوافق مع وطن ينهار, بفعل قلة قليلة, الشعب منها براء, فلا خريطة مستقبل يمكن أن تحتوي هذه الأوضاع, ولا دستورا يتم تفصيله بنظرية سيب وانا أسيب يمكن أن يرضي طموح المواطن, ولا مسكنات مغشوشة يمكن أن تتناسب مع واقع الحال.
ومن هنا..
أري أن الخروج من المأزق الراهن يتطلب اتخاذ قرارات مصيرية بخريطة جديدة علي مستوي المرحلة تتمثل فيما يلي:
* تنازل المستشار عدلي منصور, رئيس الجمهورية, عن منصب الرئاسة إلي الفريق أول عبدالفتاح السيسي, وزير الدفاع, نظرا للظروف, التي تمر بها البلاد, والتي لم تعد تحتمل أنصاف الحلول, وإجراء انتخابات رئاسية بعد عامين من الآن.
* العودة إلي العمل بدستور1971, نظرا لحالة الارتباك والفوضي, التي سادت أوساط لجنة الخمسين, الآن, ونظرا للطريقة العشوائية, التي تشكلت بها هذه اللجنة, وبالتالي لم تجد أي قبول أو توافق شعبي.
* تشكيل حكومة جديدة من أكاديميين, لا تقوم علي المحاصصة, ولا تستند إلي الفئوية, أو الطائفية, ولا تعتمد الحظر, أو الإقصاء, وإنما تراعي فقط عوامل الكفاءة, والنزاهة, والوطنية.
* إعلان حالة الطوارئ, علي مدي العامين المقبلين, وحظر المظاهرات, والاحتجاجات, والتجمعات, أيا كان مبررها, وتشكيل مجلس أعلي للنظر في القضايا والأزمات الفئوية, وتلقي شكاوي وتظلمات المواطنين.
* حل جميع الائتلافات, والحركات, والكيانات الموازية للأحزاب السياسية, التي أصبحت بمثابة بوابة خلفية للعبث بأمن البلاد, والنيل من استقرارها.
* الدعوة بعد عام من الآن إلي انتخابات برلمانية, بعد ترشيد عدد الأحزاب القائمة علي الساحة, وبعد تنقية جداول الانتخابات, وبعد استقرار المجتمع, بما يتيح إجراء هذه الانتخابات في أجواء مناسبة, أمنيا وسياسيا, واقتصاديا.
* إحالة قضايا البلطجة, والترويع, وقطع الطرق, والتجمعات غير القانونية, وحيازة السلاح, وإهانة عناصر الشرطة, والجيش, إلي محاكم عسكرية, تعمل علي مدي الساعة, حتي تصدر أحكامها بأسرع وقت ممكن.
* فتح ملفات الفساد, والتربح غير المشروع, والتمويل الأجنبي, والعلاقات الخارجية المشبوهة, والإعلام الفاسد, وهي القضايا المسكوت عنها, فيما بعد الثلاثين من يونيو, لأسباب تتعلق بالمهادنة, وأنصاف الحلول.
وما أود تأكيده..
هو أننا إذا أعرنا انتباها لردود أفعال خارجية, أو حتي داخلية, حول أمور تتعلق بمستقبل البلاد, فلن نفعل شيئا, وسوف نظل محلك سر, ناهيك عن أن سياسة المواءمات هذه, لن تغير من الأوضاع شيئا, لا عند هؤلاء, ولا أولئك, مادام الهدف هو إسقاط مصر, وهو هدف أصبح معلنا, شفاهة, وعلي أرض الواقع, وتشير التقارير الواردة من أحد المؤتمرات الخارجية, بمشاركة مصرية, للأسف, إلي أنه تم رصد مبالغ طائلة لتحقيق هذا الهدف من عاصمتين, إحداهما عربية, برعاية أجهزة مخابراتية أجنبية, وها قد بدأت موجة الاغتيالات, التي راح ضحيتها ضابط الأمن الوطني, الإثنين الماضي, بالتزامن مع موجة جديدة من أعمال العنف, وإذا علمنا أن سيارة مفخخة كالتي استهدفت وزير الداخلية من قبل, أو التي استهدفت جنود سيناء أمس الأول, يتكلف إعدادها نحو مائة ألف دولار, لأدركنا حجم المأساة, التي تواجهنا الآن.
وربما..
تكون مصر في السابق, كما غيرها من البلدان, قد مرت بمثل هذه المأساة, إلا أن الخطير في الأمر هو أن يجد الإرهاب دعما ماديا واضحا, أو غطاء سياسيا فاعلا, كما هي الحال الآن, فقد وجدنا في أجهزة الدولة الرسمية من يرفض وجود قانون ينظم التظاهر, ومن يعارض الطوارئ, ومن يتصدي لإحالة الإرهابيين إلي محاكم عسكرية, ومن يردد الانتقادات للجيش, والشرطة, علي الرغم من تردي الأوضاع إلي هذا الحد, كما وجدنا من ينفق علي المظاهرات والمتظاهرين, ومن يدعم التعاطي الإعلامي المناوئ للدولة, ومن يدلي بتصريحات تحض علي التمرد, وتعمل علي إشاعة الفوضي, وفي الوقت نفسه وجدنا هناك من سعي إلي استغلال الموقف, لتحقيق أهداف شخصية, أو أيديولوجية, كما أصبحت هناك جماعات ضغط اعتادت الابتزاز, وسعت من خلال مواقعها إلي فرض رؤيتها بما يتوافق مع مصالحها, سواء فيما يتعلق بقانون الانتخابات, أو ما يطلق عليها الكوتة لهؤلاء, أو أولئك, أو فرض مصالح فئوية, نقابية كانت, أو تنظيمية, كما وجدنا مزايدات واضحة, علي ما أطلق عليه حق الشهداء, والنصب التذكاري, والإقصاء, والعزل, والمصالحة, كل ذلك وكأن الدولة الرسمية في غيبوبة, فهي ليست طرفا فيما يحدث, إلا إذا حدث تفجير إرهابي, أو استهداف لشخصية أمنية, فقد نسمع تصريحات هي في الحقيقة منفعلة, لا تعقبها ممارسات علي أرض الواقع, وقد تكون بكائية, لا ترقي إلي مستوي الحدث, وهو ما جعل الآخرين يتمادون في غيهم.
إنه المثلث القذر..
الذي لن يتواني عن فعل أي شيء, حتي تتحقق أهدافه, إلا أنه علي الرغم من ذلك, فإننا نثق في حفظ الله سبحانه وتعالي ورعايته هذا الوطن, ونثق في قدرة جيش بلادنا علي العبور من هذه المرحلة, ونثق في أن شعبنا العظيم سوف يكشف هذه المؤامرات ويتصدي لها, وأود أن أشير هنا إلي عدة ملاحظات مهمة, يمكن ألا ندركها مع الزخم الحاصل الآن, وهي أن الدول الشقيقة في الخليج العربي حينما وقفت إلي جانبنا هذه الوقفة التاريخية, من دعم مادي, وعملي في المحافل والعواصم, فقد كان ذلك بفعل القوات المسلحة, وحينما اتجهت أنظار روسيا الاتحادية إلي مصر بقوة, وفتحت صفحة جديدة من العلاقات الثنائية, فقد كان ذلك أيضا بفعل القوات المسلحة, وحينما عادت الولايات المتحدة تجر أذيال الخيبة, وتعترف بأخطائها تجاه مصر, فقد كان ذلك أيضا بفعل إدارة القوات المسلحة للأزمة, ومن هنا, فنحن نثق في أن المستقبل سوف يحمل الكثير من المفاجآت, التي تصب في مصلحة الوطن والمواطن, إن سارعت القوات المسلحة بتحمل المسئولية.
البطالة..!
الأرقام تتحدث عن8 ملايين عاطل في بر مصر, معظمهم من حملة المؤهلات, وقد أغلقت أمامهم أبواب العمل, والهجرة معا, لأسباب نعيها جيدا, تتعلق بفشل الدولة علي مدي عدة عقود في الأولي, وعدم القدرة علي الوصول إلي سوق العمل بالخارج في الثانية, وخاصة إذا علمنا أن دول الخليج نفسها يعاني أبناؤها الآن الأزمة ذاتها, بينما سوق العمل الأوروبية أصبحت رهنا لحسابات سياسية, واجتماعية, وفي معظم الأحيان طائفية.
هي أزمة لن يعي خطورتها إلا من عاشها, وإذا اعتبرنا أن من بين هؤلاء نسبة1% فقط لديهم الاستعداد للانجرار وراء أي مغريات لتجاوز الأزمة, فنحن أمام كارثة, أي أن هناك80 ألف شاب في مقتبل العمر يمكن تجنيدهم في أعمال الإرهاب, أو الانخراط في تجارة ممنوعة, أو الإدمان, أو أي أعمال منافية للأخلاق, فما بالنا إذا تجاوزنا هذه النسبة؟!
وإذا كان تشغيل الخريج هو من أهم واجبات الدولة, من خلال تنشيط اقتصادها, وفتح آفاق متعددة ومتنوعة للعمل, فهي في حالتنا الراهنة تصبح فرضا علي الدولة, ليس من أجل ذلك المواطن فقط, وإنما لأسباب كثيرة تتعلق بالأمن, والاستقرار, والتنمية, بعد أن اعتبرنا, علي مدي نصف قرن مضي, أن الثروة البشرية عبء علي الدولة, وليست أهم مميزاتها, التي تحسدنا عليها الأمم من حولنا.
فقد نهضت الثروة البشرية المصرية باقتصادات دول عديدة في المنطقة, وقد كان هؤلاء, سواء كانوا مؤهلين دراسيا أو غير مؤهلين, بمثابة سفراء, سوف نظل نفخر بهم جميعا, لما حققوه من نجاحات تشهد بها هذه الدول في جميع المجالات, إلا أننا قد ضقنا ذرعا بهم, وضاق عليهم الخناق, وبالتالي أصبح الوطن طاردا, بعد أن كان في عهود طويلة مضت جاذبا للباحثين عن حياة أفضل, ولعشاق الفن والإبداع, والمستثمرين, والمؤرخين علي السواء.
ولأن الأزمة كبيرة, فكان يجب التعامل معها بحجمها, بمعني أنه كان يجب البحث عن حلول عملية, وغير تقليدية, لا تتوقف أمام خطط ومعدلات تنمية, وذلك بالخروج من هذا الوادي الضيق إلي تلك الصحراء الشاسعة, دون أي قيد أو شرط, ودون أي معوقات إدارية, أو بيروقراطية عفنة, إلا أن العكس هو الذي حدث!
فقد أصبح ضربا من الخيال حصول الخريج علي قطعة أرض هنا, أو هناك, وأصبحت التعقيدات الإدارية من الصعوبة لدرجة لا يقدر عليها, ولا يستطيع أي خريج التعامل معها, كما أن ما تطلبه الدولة ثمنا لهذه الأرض لا يستطيع أي مواطن طبيعي تلبيته, ولذلك كان طبيعيا أن يعمل ذلك الخريج في مطاعم وجراجات أوروبا, أو مهربا ومتنطعا في أسواق آسيا, أو بلطجيا ومخربا في شوارع بلاده, ولم لا؟, وهو فقط يريد أن يقتات ليعيش!
هذه هي الحقيقة, التي يجب أن نصارح أنفسنا بها, وهي أن الدولة الرسمية قد جعلت من أبنائها مشردين ومتسولين ومأجورين, ثم قفزت علي الجريمة, التي صنعتها بأيديها, لتنتقد سوء سلوكهم, وتحاسبهم علي أفعالهم, بينما كان يجب أن تشير بأصابع الاتهام إلي الجاني الحقيقي, الذي هو إما رئيس, أو وزير, أو هما معا, وما أكثر الرؤساء والوزراء الذين يجب أن يحاسبوا علي هذا الجرم.
نحن هنا فقط, نريد تأكيد أن الكرة مازالت في ملعب الدولة, لتدارك هذا الوضع الخطير, الذي يجب ألا يستمر أكثر من ذلك, فإذا حصل هذا الخريج علي قطعة أرض مجانا, فهذا من حقه, وهذا هو واجب الدولة, وفي النهاية سوف تصب إنتاجية هذه الأرض في اقتصاد الدولة, وإذا تملك هذا الشاب مشروعا حرفيا مجانا أيضا, فهذا من حقه, وهو واجب الدولة, وفي النهاية سوف يصب هذا المشروع في اقتصاد الدولة.
أما إذا استمر توزيع الأراضي والمشروعات علي من يملكون المال فقط, فسوف تتسع أكثر فأكثر الهوة القائمة بين الأغنياء والفقراء, ولا أعتقد أن ارتفاع نسبة الفقر في المجتمع سوف يكون مقبولا أكثر من ذلك, حيث سيستتبعه بالتأكيد ارتفاع في نسبة الجريمة, وفي ظاهرة الإرهاب, وفي حالات السخط, والغضب, والكراهية.
ومع ما هو منتظر من مصر الجديدة, ومن مصر ما بعد الثورة, ومع ما تكشف من حقائق تربط بين ذلك الانفلات, الذي نحياه, وبين البطالة, والفراغ, والجوع, كان يجب علي الدولة أن تبادر بتقديم تسهيلات لذلك العاطل عن العمل, في كل المجالات, وخاصة أن مصر في حاجة إلي سواعد كل أبنائها, إن هي أرادت نهضة حقيقية, ولا أري أيسر من توزيع الأراضي الصالحة للزراعة علي كل الخريجين, وخاصة من ليس بإمكانهم شراؤها, فهي أرضهم بحكم الواقع, ولا يعقل أبدا بيعها للأجانب, ليظل أبناء الوطن أجراء, سواء كانوا في وطنهم, أو في وطن غيرهم!
لمزيد من مقالات عبد الناصر سلامة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.