تحولت مساحة من حرم فيلا أمبرون الشهيرة في الإسكندرية ذات الطراز المعماري النادر و التي سكنها لورانس درايل مؤلف رباعيات الاسكندرية الشهيرةو ربما شهدت حجراتها تسجيل بعض من سطورها لتسكنها الخراف و الماعز في غيبة من هيئة الآثار و تحت بصر وسمع محافظة الإسكندرية رغم المطالبات بتسجيلها و إعادة ترميمها منذ عام2007 في صفحة دنيا الثقافة بصحيفة الأهرام. لم يكن التعدي الأول من نوعه و من المؤسف أنه لن يكون الأخير..!! ومن المؤسف أن ظهور صور ترصد هذا التعدي علي فيلا أمبرون تزامن مع ظهور تصريحات وردية لبعض المسئولين حول جبانة قويسنا( التي تقدر مساحتها ب360 فدانا بمحافظة المنوفية والتي قدر الخبراء نسبة الآثار فيها بثلث آثار مصر) لا تمت بصلة لما يجري علي أرض الواقع!! والحقيقة أن الحالتين اللتين رصدناهما في السطور السابقة وتوثيق الزميلة سعاد طنطاوي فيما يلي هذه مقدمة لما يحدث في جبانة قويسنا, يؤكد أننا ما نزال نتعامل مع أخطر ملفاتنا و قضايانا بنوع من الاستهانة و عدم الجدية مع الاكتفاء بتصريحات أشبه بالافتكاسات اللا منطقية التي لا تستند إلي واقع أو خطة عمل حقيقية تنتشلنا من الانتكاسات التي نواجهها في هذا القطاع المهم سواء علي مستوي دعم الاقتصاد المصري أو المعنوي باعتباره ذاكرة و تاريخ أمة.. و أزعم أنني علي امتداد سنوات عملي المهني كنت شاهدة علي مسلسل التعدي علي الآثار و إهدار تراثنا العمراني الذي يندي له الجبين و لم تنج من تداعياته آثار أي حقبة في تاريخنا سواء كانت فرعونية أو يونانية أم قبطية أو اسلامية وصولا للقرنين التاسع عشر و العشرين.. فمن بين أوراقي الخاصة تطالعني سطور عن محاولات تنقيب غير مشروعة في جبانات فرعونية في جنوب الوادي و الدلتا و أخبار عن بعثات أجنبية انتهكت بنود الاتفاقيات وأمانة البحث العلمي و تعاملت بمنطق مهربي الآثار( كما في حالة تل الفراعين بمحافظة كفر الشيخ و جبانة قويسنا بالمنوفية), وأوراق تنعي تراثا عمرانيا بات أثرا بعد عين أو فقد معالمه بعد أن تم إخراجه من سجلات الآثار المسجلة من منطلق تقليص الاعتمادات المخصصة لحماية الآثار أو تضارب المسئوليات و الاختصاصات ما بين وزارة الأوقاف ووزارة الثقافة. ..تعاودني صور لعلامات الدهشة والاستنكار علي وجوه عشاق الآثار و بعض المارة في أحياء وأزقة القاهرة القديمة عندما كان يواجههم اختفاء مبني كان ملء السمع والبصر أو عندما تصطدم أعينهم ببقايا لوح أو حجر أثري يطل علي استحياء من بين أكوام القمامة وحالة التبلد والتعايش أو ربما الاستسلام التي ترتسم علي وجوه سكان الحي,ربما نتيجة لحالة العجز عن فعل أي شئ للحفاظ علي معلم من معالم المنطقة أو ربما جهلا بقيمة الأثر أو وجوده أصلا, مثلما حدث مع الحوض الفريد الجيركو روماني الذي كان موجودا بفناء مدرسة فاطمة النبوية واصبح في خبر كان!!هدم جامع السيدة فاطمة النبوية ورباعه الأثرية والذي ضم أجزاء من عصور عثمانية, واحتوي علي أعمدة من المرمر ذات تيجان وقواعد ومنبر خشبي ولوحات تاريخية من الرخام ومئذنة ثمانية كانت تمثل معلما للحي. وتمتد قائمة الإهمال والتعدي لنشهد تحول مدفن عبداللطيف الروزمنجي بشارع القادرية بين السيدة عائشة والامام الشافعي, والمسجل تحت رقم380 لمقلب للقمامة وهدم عدد من الوكالات المسجلة وغير المسجلة مثل وكالة أوده باش في ش باب النصر(1 و3) ووكالة الخرنوب بشارع التومباكشية بالجمالية بالقرب من جامع الأقمر قبل أن يتم تسجيلها أو إجراء أية حفائر أو تصويرها بدعوي تطوير المنطقة!!..وتمتد يد الاهمال لتطول أثر تكية السيدة رقية(6 ش الخليفة) والذي كان من ملحقات مشهد السيدة رقية وكان له باب بشارع الخليفة نقش عليه: بقعة شرفت بآل النبي وبنت الرضي علي رقية1175 ه. وتتكاثر الأنقاض علي الطريق لنشهد تحول سبيل يوسف بك(1044 ه/1634 م) بشارع مراسينا بالسيدة زينب والمسجل تحت رقم219 لمقلب للقمامة لينشب فيه الحريق أكثر من مرة ويدمر سقفه قبل تصويره, بالإضافة إلي نزع مصبعات نافذته الصغيرة( مربعات الحديد المتقاطعة).. ترميم عشوائي مثلما حدث مع قصبة رضوان بك والتكية السليمانية بشارع السرجية... اهمال يتجلي في جامع جاهين الخلوتي الذي وصفه علي بك مبارك في كتاب( الخطط التوفيقية) بأنه يقع بسفح المقطم ويصعد إليه بمزلقان وبه أربعة أعمدة من الحجر وقبلته مشغولة بقطع من الرخام الملون والصدف يكتنفها عمودان من الرخام ومنبر خشبي ودكة قائمة علي عمود من الرخام وتتمثل ملحقات المسجد في مساكن وخلوات للصوفية ومقابر منحوتة وبعضها مبني وصهريج للماء وبيت خلاء, بالإضافة لمجموعة من المغارات المنحوتة في الصخر علي مستوي واحد أو علي مستويات مختلفة من الجبل أوراق و صور تؤكد أن ملف الآثار وجع مزمن في قلب و عقل وطن أظن أنه قد آن الأوان أن نتعامل معه بجدية وأن نكف عن تعاطي المسكنات و التصريحات الوردية قبل أن يتحول لسكتة قلبية أو دماغية تحولنا لأطلانطا جديدة لا يبقي من ذكراها إلا حكاية أو أسطورة لا يوثقها أثر ولا حجر..