لماذا نشغل أنفسنا بما ينبغي ألا ننشغل به وننسي ما ينبغي أن نعمل من أجله؟ ما الذي يفيدنا أن يكون ما حدث في25 يناير أكثر أو اقل أهمية مما وقع في30 يونيو؟ كلاهما كان موجة ثورية في الصراع المرير من أجل الحرية التي حرمنا منها طويلا. وما الذي يفيدنا نحن المصريين أن نختلف أو ننشغل في توصيف ما حدث في30 يونيو أنه ثورة أو انقلاب ؟ لابد وأن أطرافا بعينها تفيد كثيرا من هذا اللغط والتشويش الذي يشغلنا ولايفيدنا. ما ينبغي أن يهتم به المصريون اليوم هو ما إذا كانت حياتهم الآن تتغير أو في سبيلها إلي التغيير نحو الأفضل أم لا؟ فتلك هي المحصلة النهائية للأنشطة السياسية الكبري سواء جاءت بها ثورة أو جاء بها انقلاب. بعد ستين عاما عاد المتظاهرون يحملون صور جمال عبد الناصر وهو في كتابات مؤرخي الغرب الزعيم المخطط لانقلاب.1952 لم يعد يعنينا إن كان عبد الناصر قاد انقلابا أو ثورة. لقد استحق الرجل مكانته لأن حياة المصريين معه قد تغيرت كثيرا نحو الأفضل. الإخوان المسلمين سارعوا إلي وصف ما حدث في30 يونيو بأنه انقلاب بهدف التشويش الذهني علي ما جري. وهو أحد اساليب الدعاية التقليدية أن تجعل الناس تكره شيئا دون دراسة أو تمحيص بسبب اسمه. مصطلح الانقلاب سيئ السمعة تاريخيا وأفرز في التاريخ المعاصر أنظمة حكم بالغة التسلط وبالتالي فإن وصف ما حدث بأنه انقلاب سوف ينشر العداء لما جري في الخارج وفي الداخل أيضا دون تدليل أو تدقيق. هؤلاء الإخوان ينسون أن الكتاب الغربيين الذين يرددون كلامهم بأن ماوقع في مصر في3 يوليو انقلاب. وهم نفس الكتاب الذين رأوا أن ما حدث في يوليو1952 انقلاب وأن ما حدث في25 يناير كان انقلابا جاء بالإخوان إلي سدة الحكم. وأن تاريخنا السياسي المعاصر ليس سوي سلسلة من الانقلابات. هذا التفكير التقليدي والرؤية الجامدة الموحدة للحركات الاجتماعية والسياسية الكبري دفع بعض المفكرين الغربيين إلي إعادة النظر في توصيف وتشخيص مثل هذه الأحداث الكبري. ظهر مفهوم الانقلاب الديمقراطي الذي يحظي بالكثير من التأييد الآن ولكنه يصيب جماعات الإسلام السياسي بالذعر. قبل عام1990 كان7% فقط من الانقلابات العسكرية في العالم قد انتهت إلي تحول الديمقراطي. هذه النسبة بلغت منذ عام1990 حتي الآن نحو39%. وهذا يعني تغييرا إيجابيا في سمعة الانقلابات العسكرية. لماذا قبل الإخوان المسلمين تدخل الجيش في25 يناير ووصفوا ما حدث بأنها ثورة ؟ ولماذا رفضوا تدخله فيما جري يوم3 يوليو ووصفوه بأنه انقلاب ؟ وأوجه التشابه في الموقفين قائمة. ماقامت به المؤسسة العسكري المصرية يخالف أدبيات الانقلابات العسكرية في معظم أنحاء العالم. فهي لم تبادر إلي التدخل بل دعيت إليه بمظاهرات الملايين. وحين تدخلت لم تستبدل العسكريين بالمدنيين في كراسي الحكم ولم تحاول أن تجمع مقاليد السلطة في يدها. ولم تتنكر للتحول الديمقراطي بل شجعت عليه. ولنا أن نسأل كيف تكون الحال لو أن الجيش لم يتدخل في25 يناير أو في30 يونيو حيث كانت كل أساليب التغيير الديمقراطي معطلة تماما والاحتجاجات تملأ الشوارع بجماهير غير منظمة وباتت مصر بأكملها في دائرة الخطر. في مقالة واسعة الانتشار أصبحت مرجعا مهما في تقييم التدخلات العسكرية في تغيير نظم الحكم نشرت في صيف عام2012 أي قبل عزل الرئيس مرسي بنحو عام كامل, وضع أوزان فارول أستاذ القانون في جامعة هارفارد سبعة شروط إذا توافرت يمكن معها وصف التدخل العسكري بأنه تدخل ديمقراطي: أن يكون هذا التدخل ضد نظام سلطوي أو شمولي وأن يأتي هذا التدخل استجابة لمعارضة شعبية ضد النظام القائم ورفض النظام الحاكم التخلي عن السلطة نزولا علي إرادة الشعب المتمثلة في المظاهرات والاحتجاجات وأن تكون هذه المؤسسة العسكرية محل تقدير واحترام من الشعب وأن يكون هدف التدخل العسكري هو التخلص من هذا النظام السلطوي وأن تعمل المؤسسة العسكرية علي تيسير إجراء انتخابات حرة ونزيهة خلال فترة زمنية قصيرة وأن ينتهي هذا التدخل العسكري بنقل السلطة إلي زعامة منتخبة انتخابا ديمقراطيا. لا أريد التعليق علي مدي تحقق هذه الشروط السبعة فيما جري يومي30 يونيو و3 يوليو وأتركها للقارئ. ولكنني فقط أريد تأكيد أن خمسة من هذه الشروط قد تحققت حتي الآن من وجهة نظري وبقي هناك شرطان لابد وان يكونا محور اهتمام المصريين في المرحلة المقبلة لأن الوفاء بهما يعني أننا بدأنا الطريق نحو تحول ديمقراطي حقيقي. لا أريد أن نرتكب نفس الأخطاء في25 يناير حين تفرغنا للاحتفال بالثورة والجدل حول نتائجها حتي فاجأتنا الانتخابات البرلمانية ونحن لسنا مستعدين لها. في حين كانت قيادات جماعات الإسلام السياسي تشاركنا الاحتفالات والجدل في القاهرة وأتباعهم يعدون العدة لتلك الانتخابات في طول البلاد وعرضها فجاءت النتائج مفاجئة للجميع. أغلب الظن أن الأحزاب القائمة سوف يدفعها طموحها السياسي إلي مغازلة أحزاب الإسلام السياسي دون ضجيج لأنها مازالت رغم انشغالها بالمظاهرات والتشويش علي المصريين بالشرعية حينا والانقلاب حينا آخر تعمل بجد في كل مكان استعدادا لانتخابات برلمانية قادمة وربما تحقق مفاجآت للمرة الثانية. ولا أدري كيف يكون الموقف آنذاك؟ لمزيد من مقالات د. حمدي حسن أبوالعينين