كانت الأرجنتين علي موعد مع أزمة سياسية في بداية أكتوبر الماضي مع اصابة رئيستها كريستينا كيرشنر بتكتل دموي في الدماغ نتيجة حادث سقوط لتخلد الرئيسة للراحة لنحو شهر وخلال هذه المرحلة الحرجة جرت خلالها الانتخابات البرلمانية التي أظهرت تراجع الائتلاف' البيروني' الحاكم المعروف باسم' جبهة النصر' رغم فوزه بأغلبية بسيطة في البرلمان. وجاء تراجع حصص الائتلاف الحاكم في البرلمان الأرجنتنيني ليعصف بحلم الفوز بثلثي المقاعد بهدف تعديل الدستور لفتح الباب أمام الرئيسة الحسناء للفوز بولاية رئاسية ثالثة, مما يعني عمليا انتهاء حكم عائلة كيرشنر في الأرجنتين الذي استمر منذ2003 بتولي نستور كيرشنر الرئاسة حتي وفاته في2007 وتتولي زوجته السلطة منذ ذلك الوقت. فالرئيسة الارجنتينية التي فازت بولاية ثانية مجبرة علي ترك السلطة بعد عام ونصف وفقا للتعديلات الدستورية لعام1994 التي خاض البيرونيون معركة اقرارها وقصر فترة ولاية الرئيس علي فترتين وقصر الفترة الرئاسية علي4 سنوات هكذا تحولت المعركة الانتخابية إلي معركة علي الدستور, ولكن الناخبين لم ينظروا إلي الدستور بل إلي ارتفاع معدلات التضخم وتضررهم من السياسات الاقتصادية الراهنة ليفقدوا الائتلاف الحاكم الأغلبية التي كان يحلم بها لخوض معركة دستورية جديدة بعد20 عاما من تعديلات.1994 وتمثل الأرجنتين في هذا الجانب نموذجا لدول أمريكا الجنوبية التي تخوض منذ بدء عمليات التحول الديمقراطي في التسعينيات معارك مستمرة حول الدساتير. ولكن معركة الدستور في هذه الدول التي نجحت بشكل واضح في الانتقال للحكم الديمقراطي لم تكن بشأن هوية الدولة وعلاقة الدين بالسياسة بل بطريقة الحكم. فالتجربة الديكتاتورية التي رزحت تحتها دول أمريكا اللاتينية خلال السبعينيات والثمانينيات افرزت نخبا تدرك جيدا أن الدستور هو الإطار المنظم لنظام الحكم وكيفية انتقال السلطة بشكل سلمي والحيلولة دون هيمنة السلطة التنفيذية علي السلطات الأخري في الدولة. ففي دولة مثل الأرجنتين, لم يناقش أحد, بعد إلغاء المادة الخاصة بأن يكون الرئيس من الكاثوليك, مسألة الهوية. فتجربة هذه الدول تشير بوضوح إلي أن عملية الحفاظ علي هوية الدولة هي عملية متواصلة تقوم علي اقتناع الشعوب بضرورة الحفاظ علي هويتها وليس بكتابة النصوص. في المقابل, فإن العديد من دول العالم وخاصة الجديدة علي مسألة الديمقراطية تغرق في نقاش حول قضايا تتعلق بدين الدولة وهويتها والتشريعات بينما يكون الهامش للجدل حول نظام الحكم. وما يثبته المثال الأرجنتيني هو أن الدستور هو المحدد لكيفية تداول السلطة, فالصراع الرئيسي للنخب يكون علي كيفية وضع المواد الخاصة بانتخاب الرئيس ونظام الحكم وتوزيع السلطات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وحدود الدور الرقابي للبرلمان وضمان استقلال السلطة القضائية. فالمسألة الجوهرية اليوم في الارجنتين ليس هويتها بل عدد ولايات الرئيس المنتخب وما يعنيه غياب عائلة كيرشنر عن السلطة من إمكانية فتح الباب أمام انهيار أغلبية الائتلاف الحاكم البيروني الحالي.