انتشر تعبير الطابور الخامس في كل وسائل الإعلام بلا استثناء في الآونة الأخيرة.. ولكن حين تستقر كلمة أو تعبير فإن الأمر يصبح له وجهان: وجه يعتاد علي سماع التعبير ويتجاوز معناه ومغزاه في خضم الأحداث اليومية المتواترة.. ويظل الوجه الآخر لأي مصطلح مرهون بتفسير المختصين وأهل الخبرة والدراية.. عن الطابور الخامس تحديدا يدور حوارنا مع د.خالد مطاوع التخصص في الأمن القومي ومكافحة الإرهاب.. ما هي حقيقة وجود طابور خامس في مصر؟ الطابور الخامس موجود في كل دول العالم وتستخدمه الدول العظمي في استهداف الدول التي تدور في فلكها أو الدول التي تتعارض سياساتها مع مصالحها, الأمر الذي يدفعها الي زرع العملاء والجواسيس الذين يعتبرون العماد الأساسية للطابور الخامس.. فمصر مستهدفة من دول كبري وتحالفات تنظيمية وراديكالية تجمعها مصالح مشتركة لديها نهم لتحقيق أطماعها في الاستيلاء علي السلطة مثل تنظيم الإخوان, وتوجد أيضا تنظيمات أخري تدور في فلك جماعة الاخوان وتعمل تحت عباءته وهو ما يسمي ب التحالف الوطني لدعم الشرعية, وهذه الجماعات أيضا لديها أطماعها الخاصة وتتحين الفرصة للسيطرة علي مقاليد السلطة بمصر. هل يمثل تحالف الإخوان طابورا خامسا زرعته الجماعة في مصر في فترة حكمها؟ التحالف يمثل تجمعا لأكثر من طابور خامس من اتجاهات وأهداف مختلفة ومصالح متضاربةوقرر أعضاءه أن يتحدوا في هذه اللحظة لمواجهة الشعب المصري والقوات المسلحة ويعملوا علي ضرب الأمن والاستقرارفي مصر, ورأينا كيف يعرضون أنفسهم علي الغرب بمنتهي البجاحة ويقدمون أنفسهم باعتبارهم الجهة القادرة علي الحفاظ علي مصالح الغرب والولايات المتحدة في مصر والمنطقة العربية باعتبارهم البديل الجاهز للإخوان علي الساحة السياسية بالمنطقة. كيف تفسر زيارة الوفد الذي يدافع عن الإخوان لتشويه سمعة مصر في جينيف؟ لا يشترط أن يكون أعضاء هذا الوفد من المنتمين لتيار فكري واحد, أو فصيل بعينه, والطابور الخامس له أشكال وأنماط متعددة منها الإيجابي ويتمثل في العناصر النشطة التي تؤدي بالفعل أدوار وتحركات علي الأرض, مثل هذا الوفد الإخواني المشبوه الذي يتحرك الآن في الدول الاوروبية بهدف نقل ما لديه من معلومات قد تساعد هذه الدول في تنفيذ مخططاتها العدائية في المنطقة, وهناك أيضا الطابور الخامس السلبي وهي الفئة التي تتأثر بما يفعله الطابور الإيجابي وتردد ما يقوله وتدعمه اعلاميا ويروج لأفكاره ويساهم في ترسيخ تواجده علي الأرض بل والدفاع عنه, وهناك أيضا الطابور الخامل وهو عبارة عن عناصر مدربة ومكلفة ولكن لم يظهر لها نشاط بعد, باعتبارها البديل للطابور الايجابي في حالة اكتشافه والسيطرة عليه أو فقدانه القدرة علي التحرك. ما هي مراحل تجنيد هذه العناصر؟ اعداد أي طابور خامس في أي دولة أو مؤسسة يستلزم عددة مراحل تبدأ أولا بأنشطة عناصر المخابرات الأجنبية والمؤسسات البحثية التابعة لها بالفرز في جميع الأوساط الطلابية والحقوقية وأساتذة الجامعات والاعلاميين, وفي الأوساط المهنية أيضا, وداخل المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص, ثم تأتي بعد ذلك مرحلة اختيار أنسب العناصر وإخضاعها لعدد من الاختبارات للتأكد من صلاحيتها للعمل من الناحية الفنية والأمنية بما يضمن عدم اكتشاف توجهات الدول أو أجهزة المخابرات التي تجندهم. هل يمكن تجنيد أشخاص دون أن يعلموا أنه تم تجنيدهم أو توريطهم بمعني أصح؟ بالفعل يمكن تجنيد عناصر من الشباب عن طريق إخضاعهم لعمليات غسيل مخ وتوظيفهم لتنفيذ تحركات معينة أو لجمع معلومات تحت ذرائع سياسية أو دينية وهو ما يعرف بالتجنيد غير المباشر ويكون من خلال وسائل الإعلام أو دور العبادة أو أشخاص يمثلون رموزا فكرية في اتجاهات معينة, وفور الانتهاء من جميع مراحل التجنيد يتم تكليف العناصر الجديدة بالمهام المحددة لها في ميادين العمل المستهدفة وتمويلها فور التأكد من قدرتها علي توسيع دائرة نشاطها من خلال تكوين دوائر وجبهات جديدة( تيارات وأحزاب وجماعات معارضة وغيرها). ماذا تمثل منظمات المجتمع المدني في هذه القضية؟ لا يمكن تعميم الاتهام لكل منظمات المجتمع المدني التي تعمل في مصر سواء المحلية أو الدولية, وتعتبر بعض تلك المنظمات إحدي أدوات وآليات الطابور الخامس التي تعمل داخل مصر ضمن تنظيمات أخري كثيرة للغاية, وبالرغم من وجود منظمات تحمل أهدافا سامية ولا يمكن الخوض في سمعتها إلا أن الغالبية العظمي من تلك المنظمات يتم استغلالها من قبل أجهزة المخابرات الأجنبية في تجنيد أعداد ضخمة من الطابور الخامس ويعملون في جمع المعلومات مقابل المنح المالية الضخمة التي يتلقونها. ما هي إمكانية اختراق الأجهزة الأمنية وخاصة القوات المسلحة؟ الإجراءات الأمنية التي يخضع لها العاملون في أجهزة الأمن المصرية شديدة التعقيد وتجعل عملية زرع أو تجنيد عناصر من الطابور الخامس بها أمرا مستحيلا, ومنذ ترشيح أي مواطن للعمل في هذه الأجهزة يخضع لسلسلة من الإجراءات الكثيرة والمتداخلة والمعقدة تستمر حتي تركه للخدمة وما بعدها, فالعمل في الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة لا تعتبر وظيفة في مصر وانما تعمل وفق منظومة متكاملة وعقيدة وطنية خالصة, وتمتد تلك الاجراءات المعقدة لتشمل بعض الوظائف خارج الجهات الأمنية ولكن يمتلك شاغلوها معلومات قد تتعلق بالأمن القومي المصري. هل حاولت جماعة الإخوان زرع عناصرها في القوات المسلحة في فترة حكمها؟ حرص الإخوان عقب قيام ثورة يناير مباشرة إلي السيطرة علي جميع مفاصل الدولة من خلال استقطاب العناصر الموجودة بالفعل داخل المؤسسات أو عن طريق زرع عناصر جديدة من التنظيم, وكانت الأولوية لمن اكتشفوا أن لهم أقرباء أو أصدقاء ينتمون للجماعة, وكان هذا التوجه يعد كمرحلة أولي وكانوا يخططون أن يستتبع هذا مرحلة أخري يتم خلالها توظيف أكبر عدد من أعضاء الجماعة في الأجهزة الأمنية من خلال إلحاق أبنائهم بالكليات العسكرية والشرطية وترشيحهم إلي المناصب النيابية. وما هي أسباب فشل الطابور الخامس في تحقيق أهدافه بعد30 يونيو؟ لا يمكن الجزم بأن الطابور الخامس قد فشل في تحقيق أهدافه بصورة نهائية, ولكن يمكن أن نعتبر أن العناصر الإيجابية التي عملت في مرحلة ما قبل ثورة يناير ومرحلة إدارة المجلس الأعلي للقوات المسلحة للبلاد بعد سقوط نظام مبارك قد انكشفت ويرجع الفضل في ذلك الي ذكاء الشعب المصري وقدرته علي كشف كل الخيوط التي لم تكن واضحة له من قبل ولم يبتلع المواطن الطعم الذي وضعه الإخوان له إلي آخره, فخرج ضد نظام الجماعة في30 يونيو, وتفاعلت معه الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة التي حالت دون اكتمال المخطط الإخواني الذي كان يحاك ضد مصر وانحاز الجيش للشعب, وهذا يبرر اختفاء عدد كبير ممن كانوا يطلقون علي أنفسهم ألقابا مثل النشطاء السياسيين وغيرهم من الوجوه التي تم كشفها سواء من الإخوان أو غيرهم من الشباب الذين استغلوا الثورة في تنفيذ المخططات الغربية لتقسيم مصر, وهناك عناصر لم يكشف عنها بعد وجار حرقها. كيف تتم عملية حرق العملاء ومن يقوم بهذا الدور؟ عملية حرق العملاء والجواسيس وعناصر الطابور الخامس تتطلب حكمة وذكاء وحرفية بالغة تفوق القدرات التدريبية التي قامت بها أجهزة المخابرات المعادية, وهناك عناصر في الحكومة الحالية من الطابور الخامس وتسعي لتعطيل خريطة المستقبل التي أعلنت في الثالث من يوليو الماضي وهي معروفة تماما لأجهزة الأمن ويتم تركها في مناصبها بهدف تعريتها أمام الرأي العام وتسمي هذه العملية ب الحرق. كيف تطورت آليات عمل الطابور الخامس في مصر؟ بفعل التطورات التي حدثت في وسائل الاتصال وشبكات الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ومن خلال التواجد الأجنبي المباشر وغير المباشر في مصر وتوسيع آليات المنح والمساعدات من خلال تنظيم برامج تدريبية مشتركة والشركات متعددة الجنسيات, وحدث تطور ملحوظ في آلية التعامل بشأن تجنيد الطابور الخامس من فرز واختيار العناصر مرورا بعمليات التواصل والدعم والتدريب وصولا الي التكليفات بعمليات تستهدف الأمن القومي بشكل مباشر. هل التمويل فقط هو المحرك لهذه العناصر؟ عناصر الطابور الخامس تستقطب علي أسس أعمق من الأسس التي يتم بها تجنيد الجواسيس, حيث يتم استقطاب العناصر الطامحة في السلطة والمناصب والتي يوجد لديها رغبة في الظهور بعد معاناة من تهميش مجتمعي ومهني أو ثقافي أو ديني, والأموال لا تمثل لهم الدافع الوحيد. هل الحلول الأمنية كافية لمواجهة هذه المخططات في الوقت الراهن؟ الحلول الأمنية وحدها لن تكون مجدية مع مرور الوقت, ويجب علي الدولة أن تبدأ في سلسلة من الإجراءات تشارك فيها كافة أجهزة الدولة من إعداد لمناهج توعوية متكاملة تستهدف تنمية الحس الأمني والشعور بالولاء لدي المواطن المصري وإنتاج برامج تثقيفية تشجع وتحفز علي الحفاظ علي الوحدة الوطنية وفي نفس الوقت تكثيف الجهود الأمنية الخاصة بمتابعة الأنشطة الأجنبية داخل البلاد