بعد انقطاع دام33 شهرا, هي المدة التي جمد فيها الأزهر الشريف حواره مع الفاتيكان في يناير عام2011 ردا علي تصريحات بنديكت السادس عشر, بابا الفاتيكان السابق, وتدخلاته في أوضاع المسلمين في الدول العربية. من جديد شهدت العلاقات بين الجانبين انفراجة تمثلت في زيارة وفد الفاتيكان إلي مشيخة الأزهر وتسليم رسالة من البابا الجديد إلي فضيلة الإمام الأكبر لحضور مؤتمر دولي بروما حول السلام والتعايش بين الأديان. وجاءت زيارة مفتي الديار المصرية, إلي روما للمشاركة في أعمال المؤتمر ممثلا عن شيخ الأزهر, وتوقيت الزيارة وما تضمنته من مقابلة لفضيلة المفتي مع البابا فرانسيس, بابا الفاتيكان, لتشكل تطورا بالغ الأهمية قد ينعكس إيجابيا علي الحوار بين الأزهر والفاتيكان. ومنذ تجميد عمل لجنة الحوار المشترك بين الأزهر الشريف والفاتيكان في مطلع عام2011 لم يقم أي ممثل للأزهر الشريف بزيارة إلي الفاتيكان, ومن ثم فإن مشاركة قامة دينية أزهرية بقيمة المفتي, تعد بداية طيبة للنظر بجدية في استعادة الحوار بين الجانبين, خاصة في ظل التطورات الإيجابية الأخيرة, وحرص البابا فرانسيس علي الحوار مع الأديان, خاصة مع الإسلام من خلال الأزهر الشريف, وهو ما بدا واضحا منذ كلمته بمراسم تنصيبه في19 مارس الماضي. وحول جدوي تلك الزيارة, يقول الدكتور شوقي علام, مفتي الجمهورية: إن كل رسائل البابا فرانسيس إلي الأزهر تؤكد حرصه علي الحوار مع الأديان وخاصة مع الأزهر لأنه حامل لواء الإسلام بوسطيته واعتداله, كما أنه الأزهر يدعو إلي السلام والحوار بين أتباع الأديان السماوية شريطة الاحترام المتبادل بين كل الأطراف في وقت لا يقبل فيه المساس بالإسلام أو الإساءة إلي رموزه أو التدخل في شئون البلاد. وأضاف: إن التعايش والحوار والتعاون ضرورة دينية وعقلية وبشرية, وإن كانت تستلزم وجود شركاء لديهم الرغبة الجادة الصادقة في الحوار, ذلك الحوار النابع من الاعتراف بالهويات والخصوصيات واحترام الآخر, والقائم علي التعددية والتنوع الثقافي دون أن يطمس طرفا منهما, خاصة وأن الأزهر الشريف في مصر حقق نجاحات كبيرة داخلية وخارجية في إدارة حوارات دينية حقيقية راعت الضوابط العلمية وثوابت الدين, وحقق المصالح الوطنية. محاولات تذويب الهوية من جانبه أكد الدكتور عباس شومان وكيل, شيخ الأزهر, أن الحوار مع الفاتيكان مفتوح بشرط ألا يكون هناك مساس بالديانات أو مناصرة لإسرائيل علي حساب الشعب الفلسطيني. وأن يقوم الحوار علي أساس الاعتراف بالآخر والابتعاد عن محاولات تذويب الهويات وتحقير الثقافات واعتماد منطق الاستعلاء والتفوق والإملاء وادعاء امتلاك الحقيقة في مشاريع الإصلاح والتدخل فيما لا يجوز. وأضاف: أن الأزهر الشريف, يتعامل مع كل الديانات والكنائس في العالم بشرط عدم المساس بالدين الإسلامي ورموزه والمسلمين, كما أن الأزهر فتح قنوات للحور بين الديانات الأخري بحيث لا تكون هناك مناهضة أو تعصب لدين أو مذهب علي الآخر, أو تحيز أو مناهضه لشعب علي حساب الآخر. وفي سياق متصل يقول الدكتور محمود عزب, مستشار شيخ الأزهر لشئون حوار الأديان, أن الأزهر مع مركزه للحوار يتحاور مع كل الراغبين في الحوار داخل الوطن وخارجه, ولا يستثني أحدا مادام الحوار سلميا قائما علي الاحترام المتبادل مع التزام آدابه وقواعده, كما يتحاور الأزهر مع المسيحيين في العالم كله, وفي مقدمتهم الكاثوليك في كل بلاد الغرب, أما الكاثوليك المصريون, فهم عضو أساسي في بيت العائلة المصرية وفي حوار عملي بناء علي أرض الواقع في وطننا, ولم يكن لهم علاقة بالخلاف مع الفاتيكان. وأوضح أنه بعد اعتزال البابا السابق أبدي الأزهر استعداده لفتح صفحة جديدة والعودة إلي الحوار منتظرا دائما علامة إيجابية من الفاتيكان, وأعلن الأزهر ذلك في حينه, وأرسل الإمام الأكبر بنفسه برقية تهنئة للبابا, ثم جاءت دعوة الفاتيكان لشيخ الأزهر, وتلبية الدكتور أحمد الطيب لتلك الدعوة وذلك بايفاد فضيلة المفتي لحضور أعمال المؤتمر لتشكل بادرة حسن نوايا من جانب الأزهر لعودة الحوار بين الأزهر والفاتيكان. سبل إنجاح الحوار وحول سبل إنجاح مبادرات الحوار بين الأديان تقول الدكتورة إلهام شاهين, أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر, أن احترام المسلمين لأتباع الديانات الأخري أصل من أصول الدين, ولا يستقيم في منطق العقل محاكمة دين من الأديان بجرائم الحركات المسلحة التي ترتكبها فئة منحرفة باسم هذا الدين وتخرج علي ما تقرره دعوة الأديان وأصولها وثوابتها, فهذا يؤدي إلي اختلاط الأوراق. وطالبت بأن يؤكد الحوار عمق العلاقات الودية بين الإسلام والأديان عموما وعلي الأخص الدين المسيحي, وأنه لا خيار للمسلم في احترام المسيحية واليهودية كديانتين سماويتين وعدم المساس بأي من الديانتين ولو بخاطرة من خطرات نفسه وإلا انتفي عنه وصف الإسلام, كما أن العلاقة الحميمة التي يؤكدها الإسلام بين المسلمين وأتباع الديانات الأخري ليست أمرا مصطنعا فرضته العلاقات السياسية أو الرغبة في إقرار حسن الجوار بل هي أصل من أصول الدين وثابت من ثوابته التي لا تتبدل بتبدل الأحوال والظروف. وأضافت: رغم أن نظرة العالم العربي تجاه الغرب تحكمها عناصر ومقومات تحاصرها وتلقي بظلالها عليها تتجلي في الحروب الصليبية, وسيطرة الاستعمار, وقضية فلسطين, وازدواجية المعايير في العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب, إلا ان هذا لا يعني عدم إدراك العرب قيمة التقدم العلمي الذي بلغته أوروبا كما لا يعني إنكار عمق الروابط القائمة بين العالم العربي وأوروبا حتي في زمن الحروب. وشددت علي أن العالم العربي هو عالم جوار وتواصل مع العالم الأوروبي, وان هناك أقليات عربية وإسلامية تعيش في الدول الغربية وتتمتع بحقوق المواطنة وتنعم بالحرية التي ينعم بها الأوروبيون أنفسهم وان قيم الحوار والتفاهم كفيلة بالقضاء علي وهم الخوف العدواني من المسلمين, وإعادة اكتشاف الإسلام والمسلمين في الصورة الذهنية لدي الغرب. من جانبه يشترط الدكتور عبد الفتاح إدريس, أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر, لإنجاح الحوار أن يكون هناك احترام متبادل لعقيدة كل طرف من الأطراف وألا يكون هناك همز أو لمز علي رموز الدين الإسلامي أو المسيحي, وان يكون للفاتيكان دور في كبت الجماح لأصحاب الأفكار المتطرفة الذين يخرجون بين الحين والآخر للتهديد بإحراق كتاب الله أو الإساءة إلي نبي الإسلام أو الدين الإسلامي أو رموز الإسلام بوجه عام, وأن تكون هناك نقاط محورية بين الفاتيكان وقيادات العالم الإسلامي للتدخل في الوقت المناسب في هذه البلاد وغيرها لنشر السلام للعيش في سلام وكذلك لحل هذه المشاكل التي تنجم عن الدين أو العقيدة بين المسلمين وغيرهم في هذه البلاد. كما طالب بصياغة معاهدة بين الفاتيكان والمسلمين في العالم يلتزم بمقتضاها كل طرف باحترام عقيدة الآخر وعدم التنقيص منه لما تمثله هذه المعتقدات من قداسة واحترام.