من نعم الله وفضله الأمر بصلة الرحم, وعدم قطيعتها, ومن رحمته الواسعة وكرمه العظيم, الحث في كتابه المجيد علي الحرص الشديد علي رعاية الرحم, وبر الوالدين والإحسان إليهما, ومودة الأقارب وحسن الصلة بهم. يقول سبحانه: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربي واليتامي والمساكين والجار ذي القربي والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم... ويوصي المولي عز وجل بصلة الرحم, وصية كريمة فيها توجيه حكيم, يرشد المسلم إلي أن هذه الصلة من أهم جوانب البر والإحسان, فعن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: يقول الله تعالي: أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي, فمن وصلها وصلته, ومن قطعها بتته أخرجه الترمذي وأبو داود, وواضح أن الله سبحانه أراد أن ينعم الأقارب, ومن كان بينهم وبين الإنسان نسب بإيصال كل ما يمكن من الخير, ودفع كل ما يمكن من الشر, فذلك من أفضل الأعمال, وأكثرها أجرا, وأعظمها مثوبة عند الله, فالصلة تعني دوام العون, والبر والإحسان, والتفقد, وقضاء الحوائج, ودفع الضرر وحسن المعاملة, والإمداد بكل ما فيه نفع ديني أو دنيوي, وقد جاء التوجيه الإلهي في الحديث بصورة مؤكدة حاسمة, لا تحتمل الاستهانة أو التساهل أو التفريط, أو الغفلة في أي وقت, فقد بين الله تعالي أنه أخذ للرحم اسما من اسمه, واشتقه من اسمه الرحمن فكان لها علاقة وطيدة به, وهذا يدل علي الرحمة الواسعة الشاملة المرتبطة بجلاله ورعايته, يتكفل سبحانه بثواب واصلها وعقاب قاطعها, وقد أكد رسول الله صلي الله عليه وسلم أن صلة الرحم تقرب من الجنة وتباعد من النار, وذلك لاعرابي سأله, كما أكد أن قطيعة الرحم سبب للحرمان من الجنة ونعيمها, فعن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: لا يدخل الجنة قاطع وعن عبد الله بن أبي أوفي قال: قال النبي صلي الله عليه وسلم: إن الرحمة لا تنزل علي قوم فيهم قاطع رحم. إن من وصل رحمه سوف يحظي بثمرات كثيرة, ومن هذه الثمرات ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: من سره أن يبسط له في رزقه, وأن ينسأ له في أثره, فليصل رحمه وما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما حيث قال: قال النبي صلي الله عليه وسلم: إن البر والصلة ليطيلان الأعمار ويعمران الديار ويكثران الأموال, ولو كان القوم فجارا. ومن الثمرات دفع ميتة السوء, وأن الصلة من أعجل الطاعات ثوابا في الدنيا, وأعظم الطاعات أثرا في تخفيف سوء الحساب يوم القيامة, وهي من فواضل الأعمال التي تتدفق بالبر والخير والتراحم والتكافل. ولا ريب في أن المؤمن حين يحرص علي صلة الرحم, ومودة ذوي قرباه, إنما يؤدي في واقع الأمر حقا فرضه الله, وأوجبه علي عباده, ومن يخل به ينقض عهده مع الله, ويستحق اللعن والإبعاد من رحمته, يقول تعالي: والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ولا ينتظر من قطع الرحم إلا غضب المولي سبحانه وقطعه من رحمته وإحسانه, فقد أفسد في الأرض, وفضل الإمساك والمعصية, ووقع في ذنب كبير, وحرم نفسه من جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين إلي جانب أن عمله غير مقبول, بل هو مردود عليه, دون ثواب أو أجر, ودعواته غير مستجابة, تبغضه أبواب السماء, وتكرهه العواطف الكريمة والمشاعر النبيلة, أنه فرط في صلة الرحم, ولم يتدبر قول رب العزة: واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا.