اذا كانت الزراعة في مصر تهدف لإنتاج المحاصيل الأساسية لغذاء وكساء الإنسان, وزيادة عائد الفدان منها, فإنه يغيب عنا حتي الآن الشق المهم والأخير في هذه المحاصيل, وهو المخلفات الزراعية الناتجة عنها, التي تماثل حجم المحصول حجما أو وزنا والتي وصفها الخبراء بأنها كنز القرية المصرية, لأن هذه المخلفات يمكنها أن تسد كامل احتياجاتنا من السماد البلدي والعلف والطاقة الحيوية, وتوفير جميع الموارد التي تغنينا عن الاستيراد والمعونات, فضلا عن جذب وتشغيل الشباب طوال العام. الدكتور أحمد عبدالوهاب أستاذ بحوث البيئة بجامعة بنها, أكد أن مخلفات الزراعة الأساسية تصل لنحو92053 مليون طن, علي مدار العام, وإن أحسن استغلالها في إنتاج اللحوم الحمراء والبيضاء والأسماك ورفع خصوبة الأرض الزراعية وغيرها, فهي كنز لا يدركه الإنسان المصري, خاصة في الريف الذي يعاني سكانه وبنسبة عالية جدا الفقر الشديد والفراغ, وعدم وجود أي عمل, لذلك فإن الدولة مطالبة بوضع برنامج بعنوان: تصنيع القرية المصرية, فإن الدولة لو وجهت خبرائها وعلمائها الي الريف المصري من خلال المعاهد البحثية, يمكن تدريب سكان القري علي الصناعات الممكنة المرتبطة بالمخلفات الزراعية, ليمكن تدويرها في صورة علف لمواجهة أسعاره المحلية والعالمية المرتفعة, بما يسهم في خفض سعر المنتج ورواج الاقتصاد, وذلك لأن كثيرا من المخلفات تعادل ضعف المحصول في المتوسط العام, ومع ذلك لا يستفاد من الكتلة الحيوية لهذا الناتج, وعلي رأسها قش الأرز الذي تبلغ كميته نحو4 ملايين طن في الموسم, وتسترشد بتجارب عالمية كما في ألمانيا, بطبخه في درجة حرارة عالية بالمراجل مع إضافة محلول مخفف من الصودا الكاوية, ثم إعادة غسله بالماء النقي لتأهيل الناتج من السليلوز لعملية الهضم للحيوانات, أو بالنقع في الماء العادي مما يساعد علي هضم القش والتغذي عليه بنسبة07% علي الأقل, ويمكن تغذية الماشية به علي مدي اليوم فيعطي ناتجا عاليا من اللحم واللبن, كما أن هناك أساليب أخري وحسب مستوي صاحب المشروع أؤ الدولة في الامكانات, إضافة الأمونيا لمعالجة القش بنسبة5.3 كيلوجرام لكل مائة كيلو, وبنفس النسبة من اليوريا لعلاج القش أيضا بإضافتها في مائة لتر مياه ورشها علي القش, كما أن هناك أساليب تقليدية بطحن النفايات أو القش دون أية اضافات لزيادة انتاج اللحوم الحمراء. مليون بقرة وأضاف أنه من المعروف أن نبات البرسيم يستهلك نحو6.2 مليون فدان لتغذية مليون بقرة وجاموسة ونصف مليون حمار, ويمكن الاستفادة من هذه المساحة في زراعة محصول حيوي مثل القمح لمضاعفة إنتاجه وسد احتياجاتنا, التي أصبحت تعتمد علي المستورد بنحو05% من القمح, في الوقت الذي توظف فيه المخلفات الزراعية جيدا لمضاعفة إنتاج اللحوم بما يصل قيمته الي61 مليار جنيه, وينطلق ذلك أيضا علي إنتاج اللحوم البيضاء إذ أن سيقان القش بها نفس القيمة الغذائية للأرز مع نسبة بروتينات جيدة, لذلك يمكن بعد معالجتها تغذية الدواجن والتوسع في مزارعها وزيادة إنتاج البيض, بما يوفر مركزات الأعلاف ليصل عائدها الي نحو635 مليون جنيه في العام, ونفس الأمر مع إنتاج مزارع الأسماك حيث يوجد الآن نحو002 ألف فدان من المزارع السمكية, وأثبتت التجارب أن استخدام نفايات المحاصيل الزراعية يوفر غذاء متكاملا للأسماك ويرفع انتاجيتها ويجعلها استثمارا واعدا لخفض الأسعار و,تأمين الغذاء للمواطن, فضلا عن ذلك, فإن قش الأرز أصبح مصدرا مهما لإنتاج عيش الغراب أو المشروم, وفي تجارب عالمية أثبتت أن الدول التي اعتمدت عليه حققت مكاسب بمليارات الجنيهات, وساهمت في تحسين اقتصادها مستخدمة الأساليب التقليدية بغمر القش بالماء لمدة3 أيام ثم صنع أكواخ منه ويحقن بالفطر أو المشروم ليتكون المحصول بعد12 يوما, ويستمر الجني منه عدة أشهر مما يسمح باستيعاب كل الطاقات العاطلة ويوفر مكاسب خيالية, وهناك بالفعل مزارع لشباب الخريجين بالنوبارية ينتجون كميات كبيرة من المشروم لتذهب الي المناطق السياحية والفنادق والأسواق بمختلف المدن. وقال د. أحمد عبدالوهاب, إن التجارب العلمية أثبتت نجاح التكنولوجيا الزراعية في إنتاج كميات هائلة من البروتين بتربية كميات من البكتيريا التي تتميز بارتفاع نسبة البروتين في أجسامها, تطحن ليصنع منها أنواع من الألبان والجبن واللحوم, أو تستخدم مباشرة كغذاء عالي القيمة الغذائية للحيوان, وذلك من خلال تطعيم المخلفات تحت ظروف معينة بالبكتيريا ويمكن لمعهد تكنولوجيا الأغذية المساهمة بدور فاعل في مثل هذه الصناعات وابتكاراتها, لتطرح بالقري والمناطق الفقيرة, وسلالات بكتيرية تحلل النفايات وتحولها لسماد عضوي عالي القيمة السمادية, ومن هذا المشروع يمكن إنتاج51 مليون طن أسمدة عضوية توفر العملة الصعبة وتسمح بفتح السوق الأوروبية الأجنبية الأخري بشراء منتجات لم تتعرض للكيماويات بأنواعها, بدلا من تحويل هذه النفايات الي رماد بالحرائق التي تبث ملايين الأطنان من غازات ثاني أكسيد الكربون والنيتروجينوالفوسفور والبوتاسيوم وغيرها, التي تكون ذات خطورة علي حياة الإنسان ومعوقا لنشاط المزارع, وتنقل نحو24 مرضا خطيرا علي حياته. تجارب سابقة ويري الدكتور عبدالرحمن الصعيدي أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة الفيوم, أن هناك تجارب كثيرة علي مستوي القري المصرية للاستفادة من الخامات في الصناعات الغذائية, ويمكن أن نضم إليها تجارب ناجحة تعتمد علي المخلفات الزراعية, وضمن مشروعات الصناعات الصغيرة, ذلك لأن تدوير المخلفات أسهل كثيرا من تركها أو حرقها ولأن ذلك له آثار مدمرة علي حياة الإنسان, فهناك مخلفات المحاصيل من حبوب مثل القمح والأرز, ومحاصيل الألياف مثل القطن والكتان, ومخلفات الإنتاج الحيواني والتي لا تقل أهمية عن غيرها, فهناك حبوب وفواكه وخضراوات تتخلف عنها كميات من النفايات من الحطب والذرة والقوالح وعروش الخضار, يمكن توظيفها بوسائل كثيرة من الغذاء الحيواني والإنساني وتوفير الأسمدة العضوية التي ثبت أنها أفضل من الكيماوية التي تحتوي نسبة من السموم, كما أنها توفر كميات هائلة من مياه الري وتحسين خواص المياه والتربة وتزيد كفاءة استهلاك النبات للماء, وتقلل الفاقد منه, كما أن هناك طريقة( الكومبوست) لإنتاج السماد العضوي واقامة وحدات إنتاج( البيوجاز) لتوفير الطاقة للقرية, التي يمكنها أن تعتمد علي نفسها في توفير الإضاءة واستخدامات الطاقة باستخدام تكنولوجيا يمكن أن توفرها المعاهد البحثية لإقامة مصانع وتدرب شباب القري وسكانها علي هذه المشروعات. وأضاف أنه اذا كان محتوي قش الأرز07% كربوهيدرات, فإن نسبة البروتينات المتوفرة منه كافية للإفادة منه في مشروعات كثيرة, فإنتاج الأراضي من الأرز يصل لنحو5 ملايين طن يساويها القش في الوزن بنفس الكمية, كما أن قش الأرز مع تطبيق البحوث ببعض المراكز المصرية, يمكن أن ينتج مادة اللجنين المستخدمة في صناعة الأفلام وكذلك البطاريات والدهون والشمع وصناعة أدوات التجميل والسليكا التي تدخل في صناعة العدسات لقرنية العين, ومدخلات الكمبيوتر كما أن النفايات يمكنها أن تتحول الي وقود غازي( الإيثانول) وقوالب الوقود المضغوط والبيوجاز حتي توليد الكهرباء. المكمورة وأشار أستاذ الاقتصاد الزراعي, أن المتبع حاليا ببعض القري هو المكمورة أو( الكمبوست) والتي تعتمد علي التحلل المائي للمخلفات الزراعية, بوضعها في كومة وتغطيتها بطبقة من الطين, فتتحول الي مواد سهلة التحلل ويلاحظ بها ارتفاع نسبة العناصر السمادية والعضوية لزراعة الأرض وهي تقضي علي بذور الحشائش والأمراض المنتشرة بها, ويمكن لها تسميد الأراضي الصحراوية الجديدة حتي تحتفظ بالمياه وإعادة استخدام المخلفات الناتجة بطريقة آمنة لإنتاج الطاقة الجديدة البديلة عن الكهرباء والغاز, حيث يمكن للقرية الاعتماد علي مخلفاتها الحيوانية والآدمية لتوفير احتياجاتها من طاقة الإضاءة الكهربية من الغازات المنبعثة ومن التخمر اللاهوائي للمخلفات لإنتاج غاز الميثان أو البيوجاز, وهو غير سام وعديم اللون وله رائحة. وأضاف أستاذ الاقتصاد الزراعي, أن المعاملات للمخلفات الزراعية, يمكن الاعتماد عليها, وذلك بالطحن والتقطيع لزيادة الاستفادة الغذائية لمعالف الحيوانات ويفيد معها المعاملة بالحرارة أو باستخدام النشادر, أو المواد القلوية, وبالكائنات الدقيقة الحية التي تحلل السليلوز من المخلفات وتحليل المواد العضوية وتحويلها الي كتلة حيوية تحتوي05% بروتينات, كما أن هذه المخلفات الزراعية يمكن أن تستخدم وسيطا لإنبات صوب الشعير بما تحتويه من قيمة غذائية عالية, ولقدرة هذه المخلفات علي الاحتفاظ بالماء بما يساعد في نمو البادرات خلال01 أيام وهذه البادرات علف أخضر جيد للماشية التي تحتاج21 مليون طن علف من هذه المخلفات, إضافة لاستفادة الأرض الزراعية بنحو51 مليون طن مخلفات حيوانية, ويحتاج كل ذلك من خلال عمليات تدوير منظمة بالقرية تشمل إقامة مصانع بسيطة وتدريب السكان علي الاستفادة من كل امكاناتهم الزراعية والحيوانية. وأشار د. عبدالرحمن الصعيدي, الي أن الجانب المهم أيضا في استغلال ثروتنا من مخلفات الحقول صناعيا, أنها تقضي علي كميات كبيرة من مفترسات النبات والحشرات والآفات الضارة التي تقضي علي كميات من النبات والمحصول والتي تساعد علي انتشار الأمراض والحشرات في بيئة الإنسان, وهو ما يسبب نحو24 مرضا خطيرا علي صحة الإنسان وحياته وقدراته الإنتاجية, كما أن الحرق له أخطاره أيضا, فهو يخنق الأطفال وكبار السن, ويقضي علي الطيور النافعة والكائنات الحية المساعدة في نمو النبات, وكذلك الكائنات في باطن الأرض التي تفيد جذور النبات.