سار الجمهوريون علي طريق' المعارضة المجنونة' مما يدفع الحزب لدفع ثمن باهظ في أول استحقاق انتخابي. فقد أجبر قرار الجمهوريين وقف عجلة الدولة الفيدرالية- عبر رفض ميزانية عام2014- الحكومة الأمريكية علي إعلان إفلاسها وتسريح مئات الآلاف عبر إجازة غير مدفوعة الأجر. وبحسب بول كروجمان, الحاصل علي نوبل للاقتصاد, فإن الحزب الجمهوري تحول من' حزب غبي' إلي' حزب مجنون'. فالجمهوريون أعلنوا الحرب علي الطبقة الوسطي الأمريكية عبر وضع قانون الرعاية الصحية المعروف باسم' أوباما كير' حجر عثرة أمام إقرار الموازنة. وهي الحرب الطبقية التي ستدفع الحزب إلي أزمة هيكلية وفقدان جميع الفرص للعودة إلي البيت الأبيض بعد3 سنوات أو النجاح مجددا في الحصول علي الأغلبية بمجلس النواب. فقد اندفع الحزب الجمهوري- تحت ضغط المجموعات اليمينية المتشددة وبشكل اخص مجموعة' حزب الشاي' المتطرفة- نحو تبني سياسة تقوم علي الدفاع عن' الرأسمالية المتوحشة' دون سقف ورفض التعامل بعقلانية مع قرار تسيير الدولة الفيدرالية. وهي السياسة التي تحول دون حصول الحزب علي أصوات جديدة من ابناء الطبقة الوسطي التي اصبحت تشكل القسم الأكبر من الناخبين مما سيجعل العقاب قاسيا في الانتخابات المقبلة. وبعيدا عن الجدل في الكونجرس والبيت الأبيض فإن المواطن الأمريكي أصبح يحمل الحزب الجمهوري مسئولية ما يحدث من شلل للحكومة الفيدرالية واحتمال إعلان الولاياتالمتحدة إفلاسها للمرة الأولي في التاريخ وهو ما انعكس في استطلاعات الرأي التي أظهرت أن53% من الأمريكيين يرفضون موقف الجمهوريين من أزمة الميزانية. مما يترجم انتخابيا في خسارة الجمهوريين الأغلبية في مجلس النواب خلال انتخابات التجديد النصفي بعد عام من الآن. وربما تقود هذه الأزمة إلي تغيير في السلوك الانتخابي الأمريكي الذي كان لا يهتم بوجود توافق بين الأغلبية في الكونجرس وقيادة البيت الأبيض إلي تفضيل انتخاب برلمان يكون داعما للرئيس وليس خصما له إذا كان ثمن الخيار الأول هو البطالة والأزمات السياسية المتكررة. وربما يدفع في هذا الاتجاه أن قدرة الحزبين الكبيرين علي التوافق والوصول ب'فيلم الخلافات' إلي النهاية السعيدة في اللحظات الأخيرة تراجعت لمصلحة تيارات تبني سياسة التشدد و'المباراة الصفرية' داخل الجمهوريين والديمقراطيين. ومن المثير للدهشة ان الأزمة الحالية تسير علي نقيض التوجه الجمهوري خلال السنوات الأخيرة عقب فوز باراك أوباما بالانتخابات الرئاسية. فقد حاول الحزب الجمهوري تغيير صورته الذهنية لدي الناخب الأمريكي كحزب يميني رافض لاندماج الاقليات إلي حزب منفتح يضم بين قياداته عددا من الملونيين وخاصة من اللاتينيين ووصل الأمر إلي فتح الباب أمام تقديم الحزب مرشحا ملونا للانتخابات الرئاسية المقبلة. ولكن يبدو أن قوة حزب الشاي داخل مجلس النواب وضغوط كبار رجال الأعمال في الحزب المتخوفة من نهج أكثر ليبرالية حالت دون أن يستكمل الحزب الجمهوري مساره لينقلب إلي حزب أيديولوجي يميني غير قادر علي الإبداع في حل الأزمات والوصول إلي نقاط تسوية في اللحظات المناسبة لكسب المزيد من الشعبية داخل المجتمع الأمريكي. ولهذا فإن الأزمة الراهنة حول الميزانية تعبر عن قدرة تيار' الرأسمالية المتوحشة' في الولاياتالمتحدة علي إحكام السيطرة علي الحزب الجمهوري عبر خلق' وحش' حزب الشاي الذي يمثل قوة حاسمة للحزب في ولايات الجنوب المحافظة. ولكن في المقابل, فإن هذا' الوحش' قد يقود الحزب الجمهوري إلي عزلة طويلة قد تستمر لعقود قبل أن يتخلص من' سرطان' اليمين الديني. وفي النهاية فإن الطبقة الوسطي الأمريكية ستكون صاحبة القول الفصل في الانتخابات المقبلة ووقتها سيدرك الجمهوريون أن ثمن شراء رضا أصحاب المال والايديولوجية هو فقدان حلم العودة للبيت الأبيض لسنوات ثمان أخري.