احتفت السلطة الأردنية ومؤيدوها بالوسطين السياسي والإعلامي, بأول حالة انشقاق علانية داخل جبهة العمل الإسلامي النسخة الأردنية من جماعة الإخوان المسلمين, وهي المحاولة التي أطلق عليها' مبادرة زمزم' وضمت شرائح تبدو معقولة من داخل الجماعة, التي تريد إعادة بناء نموذج ديني سياسي بعدما بات توصيف الإخوان تسمية سيئة السمعة داخل المنطقة العربية. والمثير هنا ليس إيقاع هذا الانشقاق علي جماعة صمدت من قبل في مواجهة تحديات داخلية وخارجية من جانب السلطة فحسب, وإنما قدرة السلطة الأردنية نفسها علي إدارة ملف التفاعلات السياسية الداخلية بهذا القدر من العبث السياسي الذي رأيناه في الاحتفاء الرسمي بهذا الانشقاق الجديد, ومحاولة التأثير علي قواعد اللعبة السياسية الداخلية بآليات لا تتسم بالنزاهة السياسية, أو محاولة مواطن الداء السياسي داخل الأردن. فلا هذا الانشقاق يمكن أن يدعم حظوظ السلطة في مواجهة حراك مجتمعي يطرح مطالب عادلة, بدءا من مقومات العدالة الاجتماعية ومحاربة مظاهر الفساد المستشري داخل مؤسسات السلطة, وانتهاء بإخراج الجماعة من المشهد السياسي وما تمثله من تحديات أمام السلطة. فكما هو الحال كما رأينا في حالتي مصر وتونس, فإن انشقاق مجموعة من الكوادر التنظيمية والسياسية عن التنظيم الأم, لا يمكن أن يؤمن شق جماعة عقائدية لها امتداداته الاجتماعية والسياسية بتلك السهولة, أو ما يمكن توصيفه ب' الطريقة البائسة', التي لجأت إليها السلطة بالأردن. إذ لا يعقل أن يصدق المرء قدرة هذا الانشقاق الجديد الذي يدعو علنا لإصلاح' التنظيم الإخواني', أن يكون بمثابة' كعب أخيل', أو الخطوة السياسية المباشرة التي تمهد لواحد من أضخم وأوسع مشاريع الانشقاق التنظيمي عن الجماعة علي صعيد نسختهم المحلية بالأردن. صحيح أنه يجب عدم إغفال محدد المراجعات الفكرية, التي تجريها العديد من القيادات والرموز الإسلامية في ضوء التحديات التي واجهت تجربتي مصر وتونس, وما تمثله من عنصر ضاغط علي الجماعة, إلا أنه في نفس الوقت لا يمكن إغفال عامل التواطؤ الرسمي في هذا الانشقاق, وإحساس هؤلاء المنشقين أن ساعة المواجهة الحدية والشاملة بين الجماعة والسلطة بات أقرب من أي وقت مضي. بدا ذلك واضحا حال المقاربة السياسية, بين مواقف وأحداث بدت معبرة عن تلك الثنائية في البيئة السياسية التي تواجه الجماعة والسلطة معا, فعلي المستوي الأول, الخاص بمبدأ المراجعات الفكرية, أكدت المبادرة علي لسان الكثير من قادتها وفي مقدمتهم القيادي البارز فيها الدكتور أحمد الكوفحي, أنها ليست كما يعتقد البعض داخل الجماعة وخارجها أنها انشقاق عن الأخوان المسلمين, بقدر ما هي محاولة لمجاراة الواقع وتلبية مستجدات الإصلاح. وفكرة المراجعة في مثل هذا التوقيت السياسي, الذي يتعرض فيها التنظيم علي المستوي الإقليمي لقدر عال من الهجوم والاتهامات, قادت إلي توتر أكبر ما بين تلك المبادرة والتنظيم الأم, عبر عنها الكوفحي نفسه بقوله'بأن العلاقة بين المبادرة والتنظيم الإخواني بدأت متوترة, لكن البوصلة ستسير بإتجاه وقائع جديدة علي الأرض'. وما كان يعنيه الكوفحي, أن قيادة الجماعة ومؤسساتها التي ارتابت في بداية الأمر بحقيقة المبادرة والوثيقة التي أعلنتها, سوف تصبح بمرور الوقت أكثر قدرة علي هضمها بمرونة بعدما أصبحت واقعا موضوعيا, مشيرا إلي أن الهدف من المبادرة الإصلاح علي المستوي الوطني وليس التأسيس لحالة انشقاق من أي نوع, مشيرا الي أن بعض الأخوة بالحركة الإسلامية أعضاء كغيرهم في' مبادرة زمزم', وليس كل كوادر المبادرة من جماعة الأخوان المسلمين. ولذا فإن ما يأمله هؤلاء وهم معهم السلطة بالطبع, أن حالة العداء الإقليمي والاتجاهات المضادة للإخوان, يمكن أن يدفع بالكثير من كوادر الجماعة عمليا لمغادرة حيز الحياد السياسي والانضمام للمبادرة, أو علي أقل تقدير منع أي إعاقة تنظيمية أو شعبية لها, تحت إلحاح إمكانية أن تشكل مظلة وملاذا آمنا تجاه تصاعد استحقاقات الوضع الإقليمي تجاه الجماعة علي أرضية الصراع الحادث في مصر, وما يمثله من مجابهة مع التنظيم الأم للجماعة. ما يقودنا للمستوي الثاني, الخاص بالتواطؤ الرسمي في رعاية المبادرة, وإظهار العداء المقبل للجماعة. إذ نقل عن رئيس الوزراء الأردني عبد الله النسور, بأن حكومته ستحاور حزب جبهة العمل الإسلامي, كبقية الأحزاب وضمن سياقات وزارة التنمية السياسية, وأن حكومته لن تدلل الأخوان المسلمين,كما كان يحصل بالماضي ولن تخصص لهم قناة مستقلة للحوار. ثم تاليا الهجوم الذي شنه وزير التنمية السياسية خالد كلالدة علي الجماعة, بعد جلسات حوار مع قادة جبهة العمل الإسلامي, انتهت بعدم الاتفاق علي أي أجندة سياسية لإنهاء الخلاف المستحكم بين الطرفين. وقال ساخرا' إن الإسلاميين يصرون علي خطاب ديني محض لا ينتمي للمنظومة الحزبية', والقياس هنا مع ما بدا أنه فشل في النسخة المصرية, وعقوبات أمام النسخة التونسية لا تخطئه العين.