عندما ألغي وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل, خطاب المملكة السنوي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي لأول مرة علي الإطلاق, كانت رسالته غير المعلنة بالغة الوضوح ولا يمثل رفض إلقاء كلمة مقررة بالنسبة لأغلب الدول, أكثر من مجرد احتجاج دبلوماسي بسيط, لكن بالنسبة للسعودية التي تفضل العمل السياسي وراء الكواليس علي العمل العلني, كان ذلك تحركا صريحا بشكل غير معهود. ويخوض حكام السعودية, ما يعتبرونه صراع حياة أو موت علي مستقبل الشرق الأوسط مع إيران, وهم غاضبون لعدم تحرك المنظمة الدولية بشأن سوريا, حيث تدعم المعارضة التي تسعي للاطاحة بالحكومة المدعومة من إيران. لكن يبدو أن جهود الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني, في تحسين صورة إيران وطي صفحة سلفه محمود أحمدي نجاد الصدامية, من خلال مشاركته في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك, بدأت تأتي أكلها عبر التقارب' المفاجئ' بين إيران والولايات المتحدة, وإضافة إلي هذا التقارب غير المسبوق منذ1980, أي منذ قطع العلاقات بين البلدين, وافق الإيرانيون علي استئناف المفاوضات حول الملف النووي في جنيف منتصف أكتوبر الحالي. وبرأي مراقبين, فإن الضغط الدولي الذي ستخف وطأته علي إيران بسبب التقارب, قد يسمح للجمهورية الإسلامية بأن' تزيد من تدخلها في الشئون الداخلية لجيرانها الخليجيين'. ومما لا شك فيه, أن هذا التقارب' المفاجئ' بين إيران والولايات المتحدة يثير حزمة من المخاوف لدي دول الخليج الحليف التقليدي لواشنطن في المنطقة, إذ تخشي هذه الدول مما تعتبره طموحات توسعية لطهران. وتتهم دول الخليج, إيران بدعم أوتحريك الاحتجاجات التي يقودها مواطنون شيعة في شرق السعودية والبحرين وفي اليمن المجاور. كما أن التقارب الأمريكي الإيراني, يأتي' وسط حالة من انعدام الثقة' بين الطرفين الخليجي والأمريكي, علي خلفية الحرب في سوريا. إذ أن دول الخليج, وعلي رأسها السعودية التي تدعم المعارضة السورية, كانت تفضل تدخلا عسكريا حاسما ضد نظام بشار. واقع الأمر الغرب' يحتاج إيران', حيث إنها الداعم الرئيسي للنظام السوري, للتمكن من التوصل إلي حل تفاوضي للنزاع السوري, وهذا لن يكون مجانيا بالنسبة لإيران, إذ أنها' تنتظر مقابلا سواء في الملف النووي, أو بالاعتراف الكامل بحقها في ممارسة النفوذ في العراق وسوريا ولبنان والبحرين'. ويري مراقبون أن حالة الانجذاب الامريكي الايراني, سيؤدي إلي نتيجتين أساسيتين, الأولي: أن تطلق أمريكا يد إيران في منطقة الخليج, كما اطلقلت يدها من قبل في العراق, ولكن بصورة تدريجية وليست مباشرة, شريطة الا يتعارض ذلك مع المصالح الأمريكية, وربما يدفع ذلك العرب إلي تقديم ما تبقي لديهم من تنازلات لمصلحة أمريكا. الثانية: وهو الأخطر والأرجح والمتمثل في دفع العرب إلي البحث عن شريك حقيقي في المنطقة, وذلك لضرب' عصفورين بحجر واحد' الأول, تلبية رغبة أمريكا الجامحة بعلاقات عربية إسرائيلية, والثاني, نكاية بإيران ومحاولة إيجاد حالة من التوازن الاستراتيجي في المنطقة وهنا تكمن الخطورة.