6 سنوات من الذل والهوان عاشتها مصر وشعبها بعد أن استيقظوا علي هزيمة1967 المريرة التي أضاعت سيناء, والجولان والضفة وغزة والقدس, ومن قبلها أضاعت كرامة وعزة الأمة العربية كلها من المحيط إلي الخليج, وبعد أن كان الشعب العربي يحلم بدخول تل أبيب اكتشف الخديعة الكبري, واستيقظ علي واقع مرير, وهو دخول إسرائيل الأراضي المصرية والسورية والأردنية, وابتلاع ما تبقي من الأراضي الفلسطينية في الضفة وغزة والقدس, فتحولت الأحلام إلي كوابيس, وخرج الشعب المصري ومعه الشعوب العربية في مظاهرات حاشدة وغاضبة( مظاهرات الطلبة) ترفض ما حدث, وتندد به, وتطالب بمعاقبة كل الأشخاص المتسببين في تلك الهزيمة, والثأر من العدو الإسرائيلي في أقرب فرصة, ولأن الدماء كانت تغلي في العروق, ولم يعد الأمر يحتمل التهاون أو المزيد من الأكاذيب والشعارات الجوفاء, فقد شرع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في إعادة بناء الجيش المصري ومعالجة الأخطاء القاتلة علي الفور, وكانت نقطة البداية اعترافه بالمسئولية وإبداء رغبته في التنحي تأكيدا لتحمله كامل المسئولية, ثم كانت حرب الاستنزاف التي أعادت الثقة إلي القوات المسلحة, وأكدت قدرتها علي مواجهة العدو الصهيوني وتكبيده خسائر فادحة في الأرواح والمعدات مادام كان هناك الإصرار والالتزام والجدية بعيدا عن الشعارات والأكاذيب والشحن الإعلامي الكاذب, ثم جاء الرئيس الراحل أنور السادات بطل الحرب والسلام ليستكمل مسيرة إعادة بناء القوات المسلحة في إصرار, واضح بضرورة الثأر للهزيمة, ونهاية أسطورة إسرائيل التي لا تهزم. عاش الشعب المصري, ومعه أبناء الشعوب العربية كلها أياما عصيبة قاسية بسبب حالة اللاسلم واللاحرب لتتجدد المظاهرات الغاضبة من جديد ضد تلك الحالة المرفوضة, فلا يعقل أن تشد الشعوب الاحزمة علي بطونها لأجل الثأر من إسرائيل, وفي الوقت نفسه يظل الموقف مجمدا بعيدا عن إطلاق شرارة المعركة, حتي كان السادس من أكتوبر, الموافق العاشر من رمضان وبالتحديد في ظهيرة ذلك اليوم الرائع المجيد انطلقت طائرات القوات الجوية المصرية مغردة في السماء لتبدد الغيوم, وتكسر حاجز الظلام, لتسطع الشمس من جديد, ويأتي صوت المذيع واثقا صادقا هذه المرة, ليعلن النبأ العزيز الذي أنتظره كل عربي علي أحر من الجمر وهو بدء معركة الثأر العربي من العدو الإسرائيلي ونجاح قوات الطيران المصرية والسورية في دك معاقل الجيش الإسرائيلي, وتتوالي الأنباء, وتتوالي معها الانتصارات بعد أن عبرت القوات المسلحة المصرية أكبر ممر مائي قناة السويس وتدمير خط بارليف الحصين, ويسجل الجندي المصري البطل أروع صفحات الانتصار ويعيد تغيير الكثير من مفاهيم الاستراتيجيات العسكرية, ويقلب التوقعات رأسا علي عقب بإرادته الفولاذية, وبإيمانه بالله وقضيته العادلة, واصطفاف قيادته وشعبه خلفه ومن أمامه. نتائج رهيبة فرضتها حرب أكتوبر علي الأرض في منطقة الشرق الأوسط, وفي العالم كله, بعد أن أخرجت عوامل القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية الكامنة وأظهرتها علي الأرض, فالوحدة العربية التي ظهرت في أسمي معانيها كانت البداية والقوات المسلحة المصرية, كانت العنصر الحاسم في دحر الجيش الإسرائيلي ونهاية أسطورته. الآن وبعد40 عاما علي مرور حرب أكتوبر المجيدة, فإننا في مصر وفي المنطقة العربية كلها أحوج ما نكون إلي روح حرب أكتوبر, لنتخطي المرحلة الأصعب من تاريخ المنطقة فالجهاد ضد العدو الإسرائيلي قد يكون أسهل مما نحن فيه الآن, ولا بديل عن الالتفاف حول قواتنا المسلحة لتخطي تلك المرحلة الانتقالية بأقصي سرعة لتعود مصر قوية مزدهرة أفضل مما كانت عليه وتسطع عليها الشمس من جديد. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة