الذين ولدوا بينما يعبر جنودنا حاجز قناة السويس الي الضفة الشرقية للقناة في أثناء حرب أكتوبر1973 صاروا الآن في الأربعين من العمر, أي ان حرب أكتوبر بالنسبة لهم هي حدث تاريخي حربي انتصر فيه المصريون بعد طول معاناة وتدريب ثم تمكنوا من اجتياز المعبر المائي الصعب وهدموا خط بارليف المنيع وانطلقوا إلي أرضهم في سيناء يستعيدونها بعد ست سنوات من الاحتلال. الذين يقرأون التاريخ يختلفون في مشاعرهم عن الذين عاشوا تلك السنوات وكانوا من الشباب الذين اقتربوا من الستين أو تجاوزوها الآن. بالنسبة للذين ولدوا في هذه الحقبة عرفوا وقائع حرب أكتوبر من خلال الأفلام السينمائية التي تم انتاجها ابتداء من عام1974, وهي الأفلام قليلة العدد المتكررة التي صنعت بإخلاص شديد. ففي هذه الفترة كانت مصر كلها علي قلب رجل واحد منتصرة شارك في صنع النصر أبطال من جميع الطوائف. يعني هذا ان حرب اكتوبر هي مايشاهده الناس من أفلام تمت صناعتها في السبعينيات وصارت صورة نمطية. الصورة المهمة ان جميع الشباب تم تجنيدهم وتم الإبقاء عليهم في وحداتهم لا يتم تسريحهم إلا بعد انتهاء الحرب وتحقيق النصر. لذا ظلت مسألة العبور وطنية وشخصية وعسكرية.. فالشباب الذين يعيش وطنهم في نكسة ليس أمامهم سوي النصر.. ولذا فإن الأفلام التي نعرفها هي في المقام الأول حول النصر وماذا فعل بأبناء الوطن. وفي الأفلام التي سنذكرها فإنه الي جانب الشهداء الذين سيتركون دموع أهاليهم وراءهم هم أيضا يسعون الي حل مشاكلهم الاجتماعية وذلك بشكل واضح في الفيلمين اللذين أخرجهما محمد راضي أبناء الصمت عن رواية لمجيد طوبيا عام1974, ثم العمر لحظة عن رواية ليوسف السباعي عام1978, ففي هذين الفيلمين هناك نماذج من الجنود والضباط لديهم مشاكلهم الاجتماعية في مساكنهم وقراهم ولاشك ان انتصار أكتوبر سوف يحل هذه المشاكل. نحن أمام حكايات بطولات مصرية, وأطرف مافيها أن هذه الأفلام تؤكد ان الجندي البسيط هو صانع النصر, ولم نر في قصص هذه الأفلام الأبطال القادة ابتداء من رئيس الجمهورية أو رجال القوات المسلحة.. ففي فيلم الرصاصة لاتزال في جيبي الذي أخرجه حسام الدين مصطفي عام1974 عن قصة قصيرة فإن الجندي المجند محمد الذي شارك في حرب يونيو ووجه بسخرية شديدة من المواطنين وهو يركب القطار عائدا الي قريته وفي القطار نفسه بعد النصر فإن الناس تستقبله بحفاوة شديدة الناس لا تعرف فيه إلا زيه الميري وهي تحييه حين ينتصر الوطن كما سخرت منه حين حلت النكسة. كما أن لدي محمد مشكلته الخاصة تتمثل في عدوه الداخلي الإقطاعي عباس الذي اغتصب حبيبته وهو يحتفظ برصاصة من بقايا المعارك كي يكمل انتصار الوطن ويزيل عنه وحل الهزيمة. حرب أكتوبر من الحروب العظيمة التي اسهمت في تغيير الاستراتيجيات الرئيسية العسكرية العالمية, وهي تنتظر العمل الفني اللائق بها إنتاجيا وإخراجيا لينقل ماتحقق من إعجاز عسكري الي العالم كله.