مع احترامي لأصحاب الاجتهادات والتحليلات السياسية الذين تكاثر عددهم علي امتداد الساحة العربية في السنوات الأخيرة- وأغلبهم من مؤيدي السياسة الأمريكية- فإنني سوف أسمح لنفسي مجددا بحق رفض كل ما يقولون به لتسميم العقل العربي عبر المقالات الصحفية أو المناظرات التليفزيونية, أو البحوث والدراسات, التي يتم تمويلها بمنح أجنبية! أريد أن أقول بوضوح:إن ما شهدناه علي المسرح الدولي منذ عام2001 باسم الحرب ضد الإرهاب أو باسم الرغبة في نشر الديمقراطية, والذي يصل إلي حد توفير الحق في إنزال الحساب والعقاب بالآخرين لا يمكن فهمه سوي أنه نوع من الاستنساخ الحديث للاستعمار القديم! ربما يكون هناك فارق بسيط بين الاستعمار القديم, والاستعمار الذي ينشدون إعادة بعثه من جديد, وهو أن الاستعمار القديم كان مرتبطا بغزوات وحروب تسفر عن احتلال ووجود أجنبي في أراضي الغير, وفي إطار قسمة- عادلة أو غير عادلة- توزع من خلالها ثروات الدول الفقيرة علي الأقوياء بحيث تكون لكل دولة مستعمراتها وأقاليمها, أما الآن فالعصبة مجتمعة اتفق رأيها- فيما يبدو- علي أن يشتركوا سويا في مواصلة استنزاف واغتصاب ثروات الدول الضعيفة بغير احتلال, وبغير حاجة إلي وجود عسكري كثيف بواسطة الاستخدام المجحف لمجلس الأمن لفرض العقوبات الاقتصادية وشن الغارات الجوية بدعوي حماية المدنيين من نوع ما جري في ليبيا وما يجري التلويح به ضد سوريا. ولا شك في أن الذين يريدون نشر مظلة الاستعمار الجديد يستخدمون قدراتهم الإعلامية الهائلة لتضليل العقول وخداع الشعوب باسم رغبتهم في ضمان الحريات, وترسيخ الديمقراطيات واحترام حقوق الإنسان في السفر والتنقل في الوقت الذي يضعون فيه قيودا علي الهجرة ويلقون بأفواج المهاجرين في البحار المحيطة بهم! ثم إنهم في إطار هذا المخطط الخبيث تجري التغطية علي الأهداف الحقيقية لاستمرار إضعاف الشعوب الفقيرة وتعطيل حركتها المشروعة نحو التنمية بفتح الأبواب علي مصاريعها أمام الكفاءات الموهوبة فقط لكي تصبح هذه الدول النامية- تحت وطأة عدم القدرة- مجرد دول طاردة للكفاءات التي يفترض أنها الأمل الوحيد لتحقيق النهضة. وعلينا أن نحمي ربيع الثورات العربية من مخاطر الاختراق الأجنبي لأن القيمة الحقيقية للحرية والديمقراطية في ضمان استقلالية القرار الوطني.
خير الكلام: من بلاء الدنيا أن يقف الأذكياء عند أعتاب الجهلاء! [email protected]