منذ اندلاع الانتفاضات الشعبية الكبري في العالم العربي وسقوط عدد من الأنظمة الحاكمة ودخول حقبة ما يسمي ب الربيع العربي بل قبل ذلك بسنوات عندما سقط النظام العراقي بفعل الغزو الأمريكي. والحديث لا ينقطع حول إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. واليوم ومع تزايد التوقعات حول الضربة العسكرية المرتقبة علي سوريا, أصبح الحديث صراحة حول تقسيمها ضمن مخطط أوسع لتقسيم المنطقة تحت مسمي الشرق الأوسط الجديد. وهو مصطلح ليس جديدا فقد ظهر منذ أوائل الثمانينيات وارتبط باسم المستشرق الأمريكي المعروف برنارد لويس, الذي قدم تصورا لتجاوز مفهوم النظام الإقليمي العربي القديم ليشمل إلي جانب الدول العربية كلا من تركيا و إيران وإسرائيل وأفغانستان وباكستان تحت هذا المسمي, ثم إعادة رسم حدود المنطقة علي أسس طائفية وعرقية تمتد من المشرق إلي المغرب العربي, انتهاء بشبه الجزيرة العربية. واستند في هذا الطرح إلي عنصرين أساسيين, أولهما, اعتبار الحدود الحالية حدودا غير نهائية, وضعها الحلفاء بعد انتصارهم في الحرب العالمية الأولي واقتسامهم لأراضي الإمبراطورية العثمانية التي كانت جزءا من المحور المهزوم. وثانيهما, يتعلق بالتركيبة السكانية لدول المنطقة التي تضم العديد من الأديان و الأعراق و الأقليات. ورغم ما يبدو عليه هذا الطرح من خيال جامح, فإنه اكتسب زخما في السنوات الأخيرة تحديدا بعد الحرب العراقية 2003, التي تعد نقطة تحول جوهرية في اتجاه الشرق الأوسط الجديد, فلأول مرة منذ قرون من الزمان يعود الحكم الشيعي إلي العراق, ويبدأ السنة في المطالبة بمزيد من الاستقلال, ونفس الشيء بالنسبة للأكراد, فيصبح البلد مقسما فعليا. ثم جاء الربيع العربي بدوره ليطلق العنان للانقسامات الطائفية والمذهبية كما حدث في ليبيا واليمن وقبل ذلك كانت لبنان والسودان, وحالات أخري كثيرة. في هذا السياق يمكن النظر إلي الحالة السورية كجزء من هذا السيناريو, فمنذ انفجار الأزمة أي قبل عامين والحديث عن احتمال التقسيم لا ينقطع (دويلة علوية في الساحل الغربي وكردية في الشمال والشمال الشرقي ودولة سنية في باقي المساحة الواسعة من وسط سوريا) وقد تنضم إلي هذه التقسيمات أجزاء من لبنان وتركيا والعراق وفق توزيع الأقليات والطوائف. وهو سيناريو باتت تعززه حرب المدن الدائرة الآن بين قوات النظام من ناحية, والقوات المعارضة من ناحية أخري. ومع سيناريوهات التقسيم يعاد توزيع الأدوار الإقليمية وتوظيفها برعاية أمريكية, فبرز دور تركيا كقيادة للمعسكر السني, ولحقت بها قطر (التي تسعي لمنافسة الدور السعودي رغم الفروقات الجوهرية في إمكانات الدولتين) مقابل إيران التي تقود المحور الشيعي الداعمة للنظام السوري ومعها حزب الله اللبناني كما هو معروف. والمؤكد أن الحقبة الحالية قد فتحت المجال واسعا لتركيا لتعيد صياغة دورها الإقليمي, وطرح نفسها كنموذج, ليكون الشرق الأوسط هو مجالها الحيوي الجديد عوضا عن فشلها في دخول الاتحاد الأوروبي. وكان الإخوان المسلمون هم حجر الزاوية في هذه الاستراتيجية الجديدة, فحكمهم في مصر كان سيدعم الطموح الإقليمي التركي, ويسهل علي أنقرة بسط نفوذها علي سوريا والعراق الخاضعين الآن وبشكل كبير للنفوذ الإيراني, وهو الأمر الذي لن يتحقق إلا بسقوط نظام بشار الحليف العربي الرئيسي لطهران. ومن هنا كان دعم تركيا الملحوظ للمعارضة السورية السنية, وتعد جسرا أساسيا لعبور السلاح إليها, وكذلك تفعل قطر منذ تشكيل الجيش الحر. ومن جانبها ولنفس الأسباب (أي مواجهة النفوذ الإيراني) تدعم السعودية المعارضة السورية, وإن باتت كل دولة تدعم فصيلا مختلفا عن الآخر. وبصرف النظر عن كثير من التفاصيل, فإن جماعة الإخوان المسلمين كقوة سنية كانت تشكل أهمية خاصة لتمرير مشروع الشرق الأوسط الجديد خاصة بالنسبة لتركيا التي تطمح في توسيع دورها الإقليمي ربما علي حساب كل من مصر والسعودية. إذن هناك قوي إقليمية عديدة باتت لديها رغبة ومصلحة في إسقاط نظام بشار الذي سيضمن إخراج سوريا من المحور الإيراني, وتقليص المد الشيعي سواء في لبنان أو العراق أو الخليج. أما الولاياتالمتحدة فهي وإن أرادت التخلص من نفس النظام, فإن لديها مخاوف مماثلة من البديل أي المعارضة, خاصة المسلحة التي لا تقتصر علي الجيش الحر كما هو معروف, و إنما هناك أيضا جبهة النصرة التي ترتبط مباشرة بتنظيم القاعدة وتنتمي إلي ما يعرف ب السلفية الجهادية. لذلك فالخيار المطروح هو إضعاف النظام بتوجيه ضربة عسكرية له للإبقاء علي توازن معين للقوي قبل الدخول في أي مفاوضات سياسية مرتقبة (جنيف2) وهو خيار يقترب مما قاله هنري كيسنجر وزير الخارجية الامريكي الأسبق الذي يعد واحدا من أهم الخبراء الاستراتيجيين الأمريكيين في شأن الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات, عندما دعا الي تبني سياسة تقوم علي إضعاف الطرفين في نفس الوقت (العراق وإيران) حتي وان طال أمد الحرب. ومن هنا قد تكرر أمريكا سيناريو حرب كوسوفو في أواخر التسعينيات بالاعتماد علي القصف الجوي المكثف دون توسيع مجال الحرب. ستظل الأولوية الأمريكية في هذه المرحلة- من خلال إضعاف النظام السوري- هي توجيه ضربة غير مباشرة لإيران و حزب الله وكلاهما يشارك فعليا في القتال مع قوات بشار. ولكن ستبقي السيناريوهات مفتوحة وتثير كثيرا من التساؤلات, أهمها: إلي أي مدي ستؤدي الضربة العسكرية المتوقعة إلي تغيير مسار الصراع وإضعاف النظام إلي حد القبول بتنحي الأسد أو الإقرار بالتقسيم بحيث يأخذ كل طرف (النظام من ناحية المعارضة من ناحية أخري) الأجزاء التي يسيطر عليها فعليا علي الأرض؟ ماذا سيكون عليه رد فعل ايران وحزب الله؟ وأيضا ماذا سيكون رد فعل روسيا- الطرف الدولي الداعم لمحور سوريا إيران- خاصة بعد أن أرسلت مؤخرا ثلاث سفن حربية الي السواحل السورية ؟ وأخيرا ما هو موقع الحرب السورية المحتملة في هذا التصور الافتراضي للشرق الأوسط الجديد؟ لمزيد من مقالات د . هالة مصطفى