في ظل حالة الحصار الأمني والاقتصادي الخانق الذي تفرضه سلطات الاحتلال الإسرائيلي علي الضفة الغربية وقطاع غزة, تظهر الأهمية القصوي للمعابر الحدودية خاصة مع مصر, باعتبارها المتنفس الوحيد للشعب الفلسطيني والرئة التي يمكنه بها الصمود في وجه متطلبات الحياة والاحتلال, بعد هدم الأنفاق علي الحدود المصرية وإغلاق معبر رفح جزئيا نتيجة التداعيات الأمنية. وتمثل تلك العوامل ضربة قاصمة للاقتصاد الفلسطيني المهترئ والهش بالأساس والمعتمد في تكوينه علي التبعية الاقتصادية وأموال الدول المانحة, وغياب القدرة لدي السلطة الفلسطينية علي اتخاذ قرارات مستقلة عن القيود التي تفرضها اتفاقيتا أوسلو وباريس الاقتصادية. ويري المحلل السياسي الفلسطيني أسعد أبو شرخ أن الأوضاع بمصر تنعكس علي الأوضاع في فلسطين, حيث إن مصر تعد منفذنا علي العالم وقوة تأثيرها تتمثل في الاقتصاد والسياسة, مشيرا إلي أن إغلاق المعابر يزيد حدة الحصار وتأثيره علي صعوبة السفر والتجارة ودخول الوقود والغاز ومواد البناء. وخلال الأعوام السبعة التي شددت إسرائيل حصارها علي معبر رفح شكلت الأنفاق المتنفس الوحيد للقطاع المحاصر, إذ منحت أبناءه ما مكنهم من البقاء علي قيد الحياة, حيث عاني قرابة مليوني مواطن من لسعات الحصار الذي منعهم من الحصول علي أدني احتياجاتهم اليومية. وأبقت إسرائيل علي معبر كرم أبو سالم معبرا تجاريا وحيدا, حصرت من خلاله إدخال البضائع بشكل جزئي ومحدود إلي القطاع بعد أن أغلقت سبعة معابر حدودية عام7002 كانت تحيط بقطاع غزة. ومن جانب آخر, استهدفت السياسة الاقتصادية الإسرائيلية منذ احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة كل جهد ممكن لتكييف البني الإنتاجية الفلسطينية بما يلائم متطلبات الاقتصاد الإسرائيلي, حيث أصبح الاقتصاد الفلسطيني تابعا وخاضعا كليا للاقتصاد الإسرائيلي الأكثر تطورا, ومن جهة ثانية منعت إسرائيل المناطق الفلسطينية من الاستيراد إلا من خلال اقتصادها, بالإضافة إلي أنها فتحت أسواقها للعمالة الفلسطينية من المناطق المحتلة حيث فارق الأجور يشكل الحافز القوي لتوجه العمال للعمل في إسرائيل مما أدي بالكثير من المصانع والمزارع الفلسطينية إلي الإغلاق, بالإضافة لسيطرة إسرائيل علي أكثر من08% من الضفة الغربية وتحرم أي نشاط اقتصادي مستقل في26% منها, وتكرس الفصل بين الضفة والقطاع وبالتالي تمنع وجود سوق فلسطينية موحدة, ونسبة البطالة في فلسطين تعد خامس أعلي نسبة في العالم, وتبلغ وفقا لأحدث التقارير الصادرة عن جهاز الإحصاء الفلسطيني602%, وتصل بين الشباب المتعلم في الضفة والقطاع إلي08%, ولذلك لم يكن غريبا أن يكون الشباب أكثر المشاركين في الاحتجاجات بالضفة الغربية ضد الغلاء والفقر والبطالة. وفي خضم هذا الحصار وتداعياته يبرز مقترح إنشاء ممر مائي عن طريق مياه البحر المتوسط يربط غزة بالعالم الخارجي وينقل البضائع والأفراد منه وإليه كحل بديل لمشكلة إغلاق المعابر وإنهاء الحصار المضروب علي الفلسطينيين, فبحر غزة لا يستفاد منه بالرغم من أن طول سواحله يبلغ نحو أربعين كيلومترا, تتركز فيها حقول الغاز الطبيعي والتي من المفترض أن إنتاجها يغطي حاجة القطاع والضفة من الغاز لمدة51 سنة ويخلصهما من مشكلات الكهرباء والوقود, إلا في عمليات محدودة لصيد الأسماك, ومع ذلك لا تسلم قوارب الصيد من ملاحقة البوارج الحربية الإسرائيلية المنتشرة علي بعد ستة أميال بحرية من شواطئ القطاع. ويقول النائب جمال الخضري رئيس اللجنة الشعبية لكسر حصار قطاع غزة إن العديد من المؤسسات العربية والإسلامية والدولية وافقت علي تمويل مشروع الممر المائي المقترح من اللجنة لربط غزة بالعالم الخارجي. وأضاف أن اللجنة تواصلت مع العديد من المؤسسات والشخصيات العربية والإسلامية والدولية, وشرحت لهم تفاصيل مشروع الممر المائي كحق مشروع للشعب الفلسطيني, ووسيلة مهمة لكسر الحصار وإنهاء التحكم الإسرائيلي بمقدرات الشعب, ولاقي المشروع موافقتها علي تمويله متجاوزا بذلك عقبة كبيرة, والذي يتضمن تطوير ميناء غزة( ميناء الصيادين), واختيار أحد المواني الوسيطة ليكون نقطة تجمع وانطلاق ومن خلاله يتم التصدير والاستيراد, وشدد علي أن الهدف من المشروع أن يكون لكل فلسطين, ويستفيد منه أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة عبر إعادة ربط غزة بالضفة من خلال الممر الآمن الذي كان قائما قبل سنوات, ويشمل المقترح أيضا وجود رقابة أوروبية علي ميناء غزة والميناء الوسيط وذلك لسحب الذرائع الأمنية من يد إسرائيل. ويري ناشطون حقوقيون أن قضية فتح ممر مائي للقطاع كانت الهدف الأساسي من وراء الرحلات البحرية التي عملت علي كسر حصار غزة منذ منتصف عام7002, ولكن تبقي العقبة الأصعب والأعقد وهي عقبة الاحتلال الذي استشعر الأثر الكبير لهذا الممر البحري في فقدان تبعية القطاع له, فمنع وصول السفن إلي ميناء غزة, ويرفض إقامة المشاريع الحيوية لمصلحة الشعب الفلسطيني, وإسرائيل كدولة احتلال تضرب عرض الحائط بكل القوانين الدولية ولن تسمح بذلك, وهو ما يتطلب العمل فلسطينيا وعربيا وإسلاميا لممارسة ضغط حقيقي وفاعل علي إسرائيل لفك الحصار ورفعه بشكل نهائي كمقدمة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكل المناطق الفلسطينيةالمحتلة.