"خفة دم مع شوية رصانة، غرقانين فى بحور براءة طفل مقلبظ .. دماغه توزن بلد ،وكلامه كتير معسول ، أما رسومه فهى نكت بتخلع القلب من مطرحه ، وكلامه عويص قوى فى السياسة بتفهمه خدوجة وليلى هانم والاستاذة صفية وأم محمد . ولو سكت يبقى الطوفان هيقوم بسيل من الأشعار والرباعيات اللى بتفضح من حولنا كل شىء مغلوط ، بيفضحه بعامية فطرية و بكل لهجة من شرق مصر لغربها ، الكل يتغنى بكلامه اللى بقى فى مقام الحكم .. عجبى ياعم صلاح " وكأنك عايش وسطنا فى دى الأحداث وبتملينا اللى بيحصل خطوة بخطوة بعد رحيلك عنا من يجى 27 سنه .و.كل سنه وأنت رافع اسم مصر .. كان يمتلك صلاح جاهين قلما جادا ،ثاقبا للأعماق ويمتطى إبداعا خلاقا حملته إليه رياح المرض وهو فى الحادية عشر من عمره فى صيف 42عندما أغراه الصبية بالاستحمام فى الترعة فنالت منه البلهارسيا ولازم الفراش أربعة أشهر جسد بلا حراك لكنها بدأت تنبض بالإبداع والفن ، حتى توقف النبض عام 1986 فى رحيله ، لكنه لازال معنا نستمع إلى صوت الحنون وأشعاره العذبة ورسومه الساحرة لأننا لو نسيناه للحظة سوف نشعر باليتم الى الأبد هذا الخليط نادر الصنعة لابد أن يكون للشاعر والرسام والانسان صلاح جاهين فنان البهجة ،النقد اللاذع ، وشاعر الثورة وأب الثوار حتى ثالث جد لأم من السبتية ، وأب من الحسين كان قاضيا ،نصح ابنه قبل مماته " خذ شغلة أبوك ولو كان حرامى " لذلك إلتحق جاهين بكلية الحقوق رغم كرهه للقانون فخرج منها " يا مولاى كما خلقتنى " ففصلوه بتقدير خائب جدا . ذلك الخائب أصبح ثورة لا تقدر بمال ، وتراثا مصريا عريقا سيدوم دوام المصريين القدماء وفنونهم ، فهو لم يغب عن أذهاننا ولا مسامعنا ولا أعيننا من كثرة ثراءه الفنى والأدبى الذى غزى الأفلام العربية ، وأغان المذياع لأشهر مطربى السبعينات والثمانينات ، حتى أنك تذكره بدلا من التحليق مع صوت سندريلا الشاشة العربية سعاد حسنى فتتذكره مع قدوم الربيع ، ومع البلياتشو ، وفى الموالد ، حفلات الطهور والولادة والسبوع ، دخل صلاح جاهين الى كل بيت مصرى حاملا البهجة تحت أبطه مغلفة بورق صلوفان ، كما انه مزج الفرحة بالثورة وتحميس الشباب وتعريفهم بمصر العزيزة من خلال أغانيه الثورية والرباعيات التى كتبها فى دوامة اعتقال الشيوعيين عام 1959 تلك الصدمة التى أفرزت العديد من أشعار وأزجال صلاح جاهين ذات الحس المتمرد ذلك المتمرد الذى لم يخجل رفع حذاءه المقطوع فى إحدى الصور الجماعية محتجا على أناقة ذوى الياقات البيضاء ،وتلك الهندمة المزيفة . فقد كان والده ينصحه دوما بالتفاخر والاحترام لأنه أبن مستشار ، لكن جاهين كان يجيبه قائلا " غدا سوف يشير إليك الناس فى الشارع ويقولون هذا أبو صلاح جاهين " وبالفعل قفز الشاب صلاح بهجت حلمى جاهين بعد صراعات مؤلمة مع أسرته منعته مرة من التمثيل وأخرى من الرسم بقسوة متناهية ليلقى والده بفرشاته وألوانه من النافذة ، حتى سقط قلبه وراءها وكادت عينييه أن تقتلع من مكانها لتقفز خلفها من النافذة ، فلا حياه بدونها . بعدها على الفور ارتدى زى المتمرد وقرر ألا يقف مكتوف الأيدى عند سلبه أعز ما يريد ، وهكذا طاف وجال باحثا عن الاستقلال فى فكره ومعيشته ، فهرب ليستقل فى غزة ذات مرة ، وهرب ايضا للعمل كمستشار فنى فى مطبعة بالسعودية ، وفى كل مرة كان لا يتحمل الابتعاد عن وطنه . وكان يعود ليظل قاهريا كانت حركة الضباط الاحرار وثورة 23 يوليو 1952، مصدر إلهام لجاهين حيث قام بتخليد جمال عبد الناصر فعليا بأعماله، حيث سطر عشرات الاغاني. لكن هزيمة 5 يونيو 1967م، خاصة بعد أن غنت أم كلثوم أغنيته راجعين بقوة السلاح عشية النكسة، أدت إلى أصابته بكآبة. هذه النكسة كانت الملهم الفعلي لأهم أعماله الرباعيات والتي قدمت أطروحات سياسية تحاول كشفت الخلل في مسيرة الضباط الأحرار، والتي يعتبرها الكثير أقوى ما أنتجه فنان معاصر.كانت وفاة الرئيس عبد الناصر هي السبب الرئيسى لحالة الحزن والاكتئاب التي اصابته وكذلك السيدة ام كلثوم حيث لازمهما شعور بالانكسار لانه كان الملهم والبطل والرمز لكرامة مصر ولم يستعيد بعدها جاهين تألقه وتوهجه الفنى الشامل. دخل جاهين مجال الإعلانات عام 1950 الى جانب الرسم والكتابة والشعر وممارسة الأبوة على بهاء وأمنية ، فكان صديقا لهما ، يهوى قعدة القهاوى ، ولم يتذوق الحياة إلا وسط السمكرية والنقاشين وبسطاء المدبح والسيدة والسكاكينى وباب الشعرية ، لذلك كان مفرطا فى رسم الكاريكاتير الساخر الذى يتعمق فى الواقع المعاش ومشكلاته المتغيرة يوما بعد يوم ، الأفندى الموظف ، الست السمينة ، شغل المرأة بوش الوحش ، طظ لاسرائيل مختلف الرسومات الساخرة التى شاركت بجدية فى الأحداث بحصيلة 1500 كاريكاتير حملت توقيع جاهين لتتصدر صفحات كبرى المجلات والجرائد ، التى طالما استقبلها كل مواطن صباحا بابتسامة عريضة تتحرك خلفها مشاعره وتثير اهتمامه بكلمتين أو عبارة قصيرة أو بالصمت الذى ينطوى على انفعال مكتوم ، يبث جاهين منخلالها أحداثا وأخبارا محكوم عليها مسبقا من الرأى العام المثقف ، لكنه أهتم بالغلابة والبسطاء وسخر ريشته لتثقيفهم ، حتى أصبح جاهين لسان حال 60 مليون مصرى عددهم لحد لحظة فراقه لم يكن أبدا وحيدا كان يعيش وسط هواياته العديدة ، فنانا متكاملا تسرقه أحلامه مرة نحو الكتابة عن بنت أم أنور وهى بترقص باليه ، هذه الأمنية بعيدة المنال التى طالما حلم بتحقيقها كثيرا وتخيل نفسه مصاحبا لبنت أم أنور راقصا للباليه ، فكان يتمنى الرقص والتحليق ويدرك جيدا أن وزنه وحجمه لن يمنعانه ، فهو يمتلك خفة الروح وهى تكفى ، وربما أنه لم يجد المسرح المناسب ولا الفتاه المناسبة للرقص معها ، فأكتفى بالرقص وحيدا على مسرح أوراقه وبين سطورها وفى لحظات تفائله كان لا يلق بالا حتى لانتقاده بتخطى أوقات عسيرة يمر بها المجتمع ، ويكسوها باللون البمبى كما " يقفل " على كل المواضيع بداية من اعتقالات اصدقائه ، فرغما عنه كان يرى لمحة تفاؤل ، رغم انتقاد المثقفين له البمبى رغم لوم المثقفين له بتفائله فى خضم أحداث سيئة واعتقال لزملائه ومثقفى البلد ،فببساطة كان التعب قد بلغ زروته معه وأراد أن يقفل مؤقتا على المواضيع لتستريح رأسه ، وتنام قليلا بنات أفكاره أما أوقات اكتئابه كان يلقى بالمواعظ والحكم التى تمس كل شخص وكل مواطن وكأنها تخرج من طرف لسانه ولعل أشهرها أنا قلبى كان شخشيخة أصبح جرس جلجلت بيه صحى الخدم والحرس أنا المهرج خفتوا ليه لا فى إيدى سيف ولا تحت منى فرس ولكن ما نمر الآن من أحداث تحتاج الى إحياء ذكراه والغناء للثورة بقصيدة "على اسم مصر " اسم مصر على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء أنا مصر عندي أحب وأجمل الأشياء بحبها وهي مالكة الأرض شرق وغرب وبحبها وهي مرمية جريحة حرب بحبها بعنف وبرقة وعلى استحياء واكرهها وألعن أبوها بعشق زي الداء واسيبها واطفش في درب وتبقى هي ف درب وتلتفت تلاقيني جنبها في الكرب والنبض ينفض عروقي بألف نغمة وضرب على اسم مصر مصر النسيم في الليالي وبياعين الفل ومرايه بهتانة ع القهوة .. أزورها .. واطل القى النديم طل من مطرح منا طليت والقاها برواز معلق عندنا في البيت فيه القمر مصطفى كامل حبيب الكل المصري باشا بشواربه اللي ما عرفوا الذل ومصر فوق في الفراندة واسمها جولييت ولما جيت بعد روميو بربع قرن بكيت ومسحت دموعي في كمي ومن ساعتها وعيت على اسم مصر أنا اللي اسمي حتحور .. أنا بنت رع مثال الأمومة ورمز الحنان تفيض حلماتي وتملا الترع وتسقي البشر كلهم والغيطان نهايته يا مصر اللي كانت أصبحت وخلاص تمثال بديع وانفه في الطين غاص وناس من البدو شدوا عليه حبال الخيش والقرص رع العظيم بقى صاج خبيز للعيش وساق محارب قديم مبتورة ف أبو قرقاص ما تعرف اللي بترها سيف والا رصاص والا الخراب اللي صاب عقل البلد بالطيش قال ابن خلدون أمم متفسخة تعيش ليش وحصان صهل صحى جميع الجيش على اسم مصر النخل في العالي والنيل ماشي طوالي معكوسة فيه الصور .. مقلوبة وانا مالي يا ولاد أنا ف حالي زي النقش في العواميد زي الهلال اللي فوق مدنة بنوها عبيد وزي باقي العبيد باجري على عيالي باجري وخطوي وئيد من تقل أحمالي محنيه قامتي .. وهامتي كأن فيها حديد وعينيا رمل العريش فيها وملح رشيد لكني بافتحها زي اللي اتولدت من جديد على اسم مصر مصر .. التلات أحرف الساكنة اللي شاحنة ضجيج زوم الهوا وطقش موج البحر لما يهيج وعجيج حوافر خيول بتجر زغروطة حزمة نغم صعب داخلة مسامعي مقروطة في مسامي مضغوطه مع دمي لها تعاريج ترع وقنوات سقت من جسمي كل نسيج وجميع خيوط النسيج على نبرة مربوطة أسمعها مهموسة والا أسمعها مشخوطة شبكة رادار قلبي جوه ضلوعي مضبوطة على اسم مصر وترن من تاني نفس النبرة في وداني ومؤشر الفرحة يتحرك في وجداني وأغاني واحشاني باتذكرها ما لهاش عد فيه شيء حصل أو بيحصل أو حيحصل جد أو ربما الأمر حالة وجد واخداني انا اللي ياما الهوى جابني ووداني وكلام على لساني جاني لابد أقوله لحد القمح ليه اسمه قمح اليوم وأمس وغد ومصر يحرم عليها .. والجدال يشتد على اسم مصر.