المراجعات الفكرية ومبادرات نبذ العنف لم تكن صادقة وفكر الجماعات لم يتحرر من العنف والعمل السرى, لم يتوقف الداعية السلفي الشاب, محمد الأباصيري, عن توجيه الانتقادات الحادة لجماعة الإخوان المسلمين طوال عام كامل من حكمهم, وقبل نحو أربعة أشهر من ثورة30 يونيو أعلن في العديد من خطبه ودروسه الدينية وأحاديثه الإعلامية أن حكم الأخوان إلي زوال, وأن التجربة السياسية للتيارات والجماعات الدينية أضرت بالدعوة الإسلامية. ويؤكد في حواره ل الأهرام أن محاولات جماعة الإخوان والموالين لها لتحويل مصر إلي سوريا لن تنجح, وان من يقاتل الشعب يخسر. ويري أن عودة فكر الإخوان إلي الحياة السياسية زرع لقنابل موقوتة, وأن المراجعات الفقهية ومبادرات نبذ العنف التي أطلقتها الجماعات الإسلامية أثناء وجود قادتها في السجون المصرية لم تكن صادقة. وإلي نص الحوار: ما هي رؤيتك للمشهد الحالي؟ قد يبدو ضبابيا للكثيرين وقد يراه آخرون سيئا, ولكن الحقيقة علي خلاف ذلك فنحن في نهاية نفق مظلم نري النور من آخره, فقد كنا في ظل حكم الإخوان المسلمين داخل نفق مظلم لا مخرج منه ولا نهاية لظلامه, حتي سقط ذلك الحكم بعد الثلاثين من يونيو ليفجر المصريون وجيشهم الوطني الشريف باب ذلك النفق وستخرج منه مصر إن شاء الله بخير وعلي خير لا يضيرها شيء, فما نحن فيه سحابة صيف توشك أن تنقشع, ليس إلا زوبعة في فنجان وستعود مصر لتكون أحسن مما كانت بكثير إن شاء الله. ولكن لابد من الحذر الشديد فالعالم كله الآن تقريبا يكيد لمصر ويحيك لها الشر ويريد لجيشها الدمار فقد دمر الجيش المصري وقائده كل مخططات الغرب وأمريكا علي مر السنين الطويلة, ومخططات برنارد لويس لتقسيم الشرق الأوسط, فعلينا أن ننتبه وبشدة ولابد من تنقية الصف من الداخل فما زال هناك الكثير من الطابور الخامس داخل المشهد السياسي بل ويتصدر كثير منهم المشهد السياسي, بل ومنهم من هو في قلب الحكومة نفسها. وما دور الدعاة وعلماء الدين في تجاوز تلك الأزمة؟ علي العلماء الدور الأكبر في هذه الفترة التي نعيش فيها, بل يستطيع العلماء وخاصة علماء الأزهر إن قاموا بدورهم وتحملوا مسئوليتهم يمكنهم أن يخرجونا من هذه الأزمة عن طريق التوعية الدينية وإرشاد الناس إلي حقيقة دينهم وكشف حقيقة المتاجرين بالدين والمستغلين له وما وجد هؤلاء لأنفسهم وجودا إلا بعد أن تخلي علماء الأزهر عن دورهم, فلابد من قيام علماء الأزهر في الفترة الحالية بواجبهم في التوعية والإرشاد والتثقيف. بماذا تفسر حجم المعارضة الشعبية الجارفة للإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية الموالية لها؟ أظن أن أعظم أسباب كراهية المصريين للإخوان المسلمين هو أن المصريين اكتشفوا حقيقة الإخوان المسلمين وأتباعهم, وانه لما ذهب عنهم الخوف الذي كانوا يعيشونه في ظل النظم السابقة انكشفت حقيقتهم فنفر الناس منهم, وكذلك استعلاء ما يسمي ب التيارات الإسلامية وتكبرهم علي الشعب المصري والذي قد يقبل أي شيء إلا الاستعلاء والتكبر, بالإضافة إلي الاستحواذ والتملك لكل شيء, وما اعتبره الناس خديعة باسم الدين. ومن أعظم الأخطاء التي وقعت فيها جماعة الإخوان والتيارات الإسلامية هو أنه كانت الجماعة المنبوذة منذ نشأتها تحرص علي إنشاء دولة سرية موازية للدولة العلنية التي يعيشون فيها, وهذه الدولة السرية برئاسة مرشدها, والذي له وحده حق السمع والطاعة وكل الحقوق الشرعية والقانونية للأمير أو الرئيس, وظلوا علي ذلك في مصر منذ نشأتهم في العهد الملكي بمرحلتيه والجمهوري برؤسائه الثلاثة, فلما وصلوا إلي الحكم كان العقل يقضي أن يعمدوا إلي الدولة السرية فيجرونها إلي العلانية, ولكنهم وعلي العكس من ذلك حاولوا أن يجروا الدولة العلنية إلي الدولة السرية فسقطوا, وكذلك إصرارهم علي أخونة أجهزة الدولة فانقلب السحر علي الساحر ولفظهم المصريون إلي الأبد. وما رؤيتك للمشروع الإسلامي ؟ وهل انتهي بعزل مرسي؟ ليس هناك ما يقال له المشروع الإسلامي وهذا المصطلح خرافة اخترعتها جماعة الإخوان والجماعات الدينية من أجل استغلال عواطف الناس ودغدغة مشاعرهم للوصول إلي السلطة, فالنبي صلي الله عليه وسلم جاء بالوحي وبالدين الإسلامي وليس بالمشروع الإسلامي فالإسلام ليس مشروعا يعرض للنجاح والخسارة, الإسلام دين الله وهو فوق كل هذه المهاترات, وينبغي علينا أن نحذف هذه الكلمة من قواميسنا لأنها تمثل أكبر إساءة للإسلام. أما الدعوة الإسلامية فهي لم تكن مرهونة بالإخوان حتي تذهب بذهابهم. بل ربما تكون هناك صحوة في الدعوة الإسلامية بعد رحيل الإخوان لأن واجب الدعاة والعلماء في الفترة القادمة هو ترميم ما أفسده الإخوان المسلمون والجماعات التابعة لهم ونحن في الحقيقة نحتاج أكثر من عشرين عاما من أجل تحسين صورة الإسلام التي شوهتها التيارات الدينية. هل محاولات الإخوان الحالية من أجل العودة للحكم مرة أخري أم هناك أهداف أخري ؟ الإخوان المسلمون يعلمون علم اليقين أن عودتهم إلي الحكم مستحيلة, ويحاولون أن يهدموا المعبد علي رؤوس الجميع علي طريقة شمشون, فيريدون أن يصوروا الأمر للغرب علي أساس أنه يشابه إن لم يكن يماثل الوضع في سوريا ولكن هذا لن يكون أبدا ومصر لن تكون سوريا أبدا, وهذا ليس حلما أو شعارا ولكن واقع له أسبابه الموضوعية التي تمنع من تحققه بلا ريب, فمهما حاولوا تصوير الوضع علي أنه مثل سوريا فإنه يغيب عنهم أن طرفا مهما في المعادلة المصرية لا يمكن إغفاله أبدا وهو الجماهير المحتشدة في الشوارع والميادين الداعمة للجيش معنويا وماديا, والتي تحب جيشها الوطني المخلص وتسانده وتفتديه, فالشعب المصري في حقيقة حالة لا يقف خلف جيشه بل يقف أمامه. وسيساند الشعب جيشه ويضحي فداء لوطنه وبلده في مواجهة حفنة من الإرهابيين لا يعظمون حرمة لدم ولا لوطن ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة, ومن يقاتل الشعب يخسر, ولهذا أقول أن مصر لن تكون سوريا, وستكون عاقبة كل من يريد بمصر سوءا إلي البوار والخراب. وما هي نصيحتك لشباب جماعة الإخوان المسلمين الموجودين في رابعة العدوية وميدان النهضة ؟ أية نصيحة توجه لشباب الإخوان المسلمين هي نفخ في رماد أو مناداة للأموات, فهؤلاء ليسوا سوي ترس في آلة ولا يقبل أي توجيه سوي من قادته ورؤسائه وعليه فتوجيه أية رسالة إليهم لن تصل إليهم ولن تجد أثرا ولن تبلغ مداها ولهذا إن كان من نصيحة فإلي القادة منهم لا إلي الأتباع المغرر بهم والمخدوعين, فعلي القادة أن يتقوا الله في الدماء التي تتعلق برقابهم وسيسألهم الله عنها فهم من يقتلونهم بإخراجهم إياهم وإلقائهم في التهلكة والتاريخ لن يرحمهم, فكل قتيل يقع إنما إثمه علي من أخرجه. وما رأيك في مبادرات المصالحة الوطنية لإنهاء الأزمة ووقف العنف؟ وهل يمكن القبول بحلول وسط في ظل هذه الأزمة؟؟ لا يمكن أبدا لعاقل يعرف شيئا عن فكر الإخوان واستراتيجياتهم أن يقبل بأي حل يسمح بعودة الإخوان المسلمين إلي الساحة دون حدوث تغيير فعلي وتصحيح هذه الأفكار, ولابد من مراجعات حقيقية لا تكون علي غرار المسلسل الهزلي للمراجعات الفكرية للجماعة الإسلامية أو جماعة الجهاد, ولكن لابد من مراجعات صادقة غير كاذبة, وإلا كان الأمر عبثا, وعدنا من حيث بدأنا مرة أخري, ولقامت تلك التشكيلات الإخوانية بتجميع نفسها وترتيب أوراقها وإعداد الخلايا النائمة من جديد, ثم يتحول الأمر إلي مأساة حقيقية لا يمكن حلها. فالحلول الوسط في هذه الحالة هي أسوأ الحلول, وأنا ناشدت قادة القوات المسلحة في عهد النظام السابق ألا ينتظروا القرار السياسي وأن يقوموا بتطهير سيناء حتي لا يحدث ما لا يحمد عقباه, والآن أناشدهم أن يقوموا بواجبهم الشرعي والوطني وأن يتحملوا مسئوليتهم تجاه كل ما يهدد كيان الدولة في سيناء أو القاهرة من البؤر الإرهابية في رابعة العدوية أو ميدان النهضة أو غيرهما وإلا فلن يتوقف العنف أبدا فالإخوان المسلمون هم منشأ العنف وأساسه ولن ينتهي العنف أبدا إلا بردعهم. ما تقييمك لأداء حزب النور قبل وبعد ثورة30 يونيو؟ لقد كان حزب النور و الدعوة السلفية في الإسكندرية سببا كبيرا من أسباب وصول الإخوان للحكم فلولا دعمهم لم يكن لتصل تلك الجماعة إلي الحكم أبدا ولكنه اكتشف الحزب ومن وراءه الدعوة مبكرا وقبل الآخرين وفي بدايات حكم الإخوان أن الجماعة لا تقبل الشريك وأنها تريد منهم إما الطاعة العمياء وإما الطرد والإبعاد فهي لا تنوي تحقيق شراكة حقيقة في السلطة وإن كانت تلوح بهذا كنوع من الدعاية الانتخابية واستطاع الحزب أن يقف من خلال التنظيم السلفي المنتشر في ربوع مصر كلها علي مدي تراجع شعبية الجماعة في الشارع وكيف أن الناس تربط بين حزب النور الداعم للإخوان وبين الأحوال السيئة الناجمة عن حكم الجماعة ومن هنا بدأ الحزب في التفكير بسرعة في كيف التخلص من التبعية واستغل تراجع شعبية الإخوان في اكتساب أرضية جديدة تكسبه جولة من جولات المعركة فكانت البداية في مبادرة عرضها للحوار مع جبهة الإنقاذ وبدأ يبدي علي استحياء بعض المعارضة لقرارات الجماعة الحاكمة ويحاول أن يبدو للرأي العام مستقلا عن الجماعة فهو إن كان داعما فإنما يدعم المشروع الإسلامي, لا الجماعة وها هو يعارضها إن أخطأت وبالفعل وجد الحزب صدي مغامرته من الجانبين ففي حين رحبت القوي المدنية المعارضة بحزب النور بينها وامتدحه كثير من قادة المعارضة وأثني علي موقفه الإعلاميون كان رد الجماعة قاسيا وعنيفا فقامت مؤسسة الرئاسة بطرد أحد أعضاء الحزب السلفي أو الدعوة السلفية خالد علم الدين واتهامه بتهمة أخلاقية ليصب في ظاهر الأمر في خانة الرئاسة والجماعة والتي لا تقبل فاسدا بينها وان كان واحدا, وهنا قبل الحزب التحدي وأعلن الحرب علي رءوس الأشهاد فلم يعد بد من المواجهة وحان الوقت ليكون أصدقاء الأمس هم أعداء اليوم. ثم جاءت30 يونيو لتقضي علي كل آمال الحزب السلفي في الوصول إلي حكم مصر, و هنا أراد الحزب أن يحصل علي مكاسب أو بعبارة أدق أن يقفز فوق السلطة من جديد ولكنه اكتشف بعد مرور القليل من الوقت أن الأمر اختلف وأن ما كان ممكنا قبل ذلك لم يعد ممكنا الآن وأن وصولهم إلي السلطة لم يعد ممكنا بل صار مستحيلا, فوقعوا في حيص بيص وصاروا كمن يرقص علي السلم مرة يمدحون الثورة ومرة يسمونها انقلابا عسكريا, أحيانا يمدحون الإخوان وأخري يلعنونهم, ولكنهم في نهاية أمرهم بدأت كفتهم تميل نحو زملائهم القدامي, وتكاد قيادات الحزب الآن فضلا عن قيادات الدعوة أن تنضم إلي المعتصمين في رابعة العدوية لأنهم اكتشفوا ألا وجود لهم سوي في ظل نظام الإخوان فهم يسعون الآن في الخفاء وعلي استحياء ويتمنون عودة نظام الإخوان, وهو ما لن يكون أبدا.