أنا مدير بإحدي الشركات الكبري, نشأت في بيت بسيط, وكافح والدي وذاق الأمرين من أجل تعليمنا, وكنت أنا وأشقائي نعمل أحيانا في الصيف لتوفير ثمن أدوات الدراسة ومصاريفها, واستطعنا بعون الله أن نتخرج في الكليات التي يطلقون عليها اسم كليات القمة, وتزوجت زواجا تقليديا من ابنة الجيران بعد أن رأيت أنها الأنسب لي, وجاءني عقد عمل بإحدي دول الخليج فأخذت زوجتي معي ورزقنا الله بثلاثة أبناء بنتين وولد.. ومضي كل شئ هادئا في حياتنا وعدنا إلي مصر بعد أن جمعنا مبلغا من المال ساعدنا علي شراء شقة في مكان راق وسيارة أحدث موديل, وكبر ابني الوحيد فدللته أكثر مما ينبغي واشتركنا له في ناد كبير, وأغدقت عليه المال, ولم أؤخر له طلبا فكنت استجيب لكل مايريده.. وتصورت أنني بذلك أحسن صنعا.. وما فعلته معه كررته والدته بالأسلوب نفسه ولم ينل أي عقاب علي أخطائه حتي ولو من باب اللوم مثل شقيقتيه. والحقيقة أنه لا يدخن ولا يكذب, ولم نلحظ عليه أي عارض لا أخلاقي ولكن للأسف الشديد لا يمكن الاعتماد عليه في شئ.. وكانت المحصلة أن شقيقتيه أصبحتا أرجل منه فهو كسول وناعم في معاملته لمن حوله, ومشغول دائما بالسهر والحفلات.. وتذكرت نصيحة صديقي القديم عندما لاحظ تدليلي لابني بقوله إبني ابنك.. ولا تبني له.. واستمر شريط الذكريات ماثلا أمامي وأنا استغرب ما فعلته, فعندما جاء مجموعه ضعيفا في الثانوية العامة ولا يؤهله لدخول الكلية التي كان يرغب في الالتحاق بها, قدمت له أوراقه في جامعة خاصة باهظة الثمن, في حين حصلت شقيقتاه علي مجموع أكبر بكثير والتحقتا بكليتي قمة حكوميتين.. وبعد تخرجه لم يلتحق بأي عمل, فافتتحت له مكتبا لكنه أهمله وتسبب في خسائر مادية كبيرة لقد استوعبت بعد كل هذه السنوات ان ابني لا يتحمل أي مسئولية, ولا يمكن الاعتماد عليه.. وهنا قررت ان أعيد إليه رجولته المفقودة لكني بالطبع فشلت.. ومازلت أضرب أخماسا في أسداس إذ كيف له وهو علي هذه الحال ان يتزوج ويتحمل مسئولية حقيقية وكيف سيواجه المتاعب والمصاعب المعروفة في الحياة والتي تحتاج إلي من يتمتع بالصبر والجلد. إنني أكتب إليك بعد أن يئست من إصلاحه.. وأرجو ان يتعلم كل الآباء الدرس المهم الموجود داخل كل أب لكنه يتجاهله إذا رزق بولد واحد.. وهذا هو الخطأ الذي لا علاج له.. فهل هناك أمل في إنقاذ ابني بعد كل ما جري؟ ولكاتب هذه الرسالة أقول: في العقل الباطن لكل أب وأم أن تدليل الأبناء وخصوصا الولد الوحيد أو البنت الوحيدة خطأ كبير لكنهم لا يقرون أبدا هذا المبدأ ولا يعترفون به.. فتجد التدليل سيد الموقف والعنصر الغالب في تعاملات كل الآباء والأمهات مع أبنائهم.. ودائما ما يحصدون الندم ولكن بعد فوات الأوان.. ووصول الأولاد إلي مرحلة يصعب فيها تغييرهم.. وهذا ما حدث معك ياسيدي وكان الأفضل ان تستجيب لنصيحة صديقك القديم بأن تحكم السيطرة علي نفسك وأنت تتعامل مع ولدك الوحيد.. وليس معني ذلك أنني أطالب الآباء بضرب ابنهم الوحيد أو التقتير عليه بشكل مبالغ فيه.. وإنما أري أنهم لابد أن يتعاملوا بالأسلوب الوسطي بين الشدة في مواقف معينة واللين في مواقف أخري فينشأ الابن قويا معتمدا علي نفسه ويصبح قادرا علي تصريف أمور حياته. أما بالنسبة لحالتك وبعد ان وصل ابنك إلي هذه السن فإنني أري أن تصادقه وأن تنفرد به مرات ومرات وتشرح له كل ظروفك وتقول له إنك تريد أن تراه رجلا مثل كل الرجال الذين يبنون حياتهم معتمدين علي ذواتهم. وأنك إذا كنت قد هيأت له الأرضية التي سيسير عليها من مال ومكتب هندسي وسيارة وخلافه فإن البناء الذي سيقام عليها لن يضع قواعده ويقوم به سواه.. فهو مطالب الآن بإثبات وجوده في عمله والاستعداد لإقامة أسرة صغيرة تكبر فيما بعد بالأولاد والأحفاد.. وهي مسئولية جسيمة في انتظاره ويتطلع كل من حوله إلي معرفة ما سيفعله معها.. فإذا نجح فيها سوف يستمر صعوده في الحياة واذا أخفق فسيكون هو الذي كتب نهايته بنفسه.. جرب ياسيدي هذا الحوار معه, ولح عليه فيه.. وأدعو الله أن يوفقك في تغييره نحو الأفضل وهو وحده المستعان.