بعد جلسات عاصفة مشحونة بالأسي والألم أثر نكأ جراح الماضي وحيثيات في209 صفحات أصدرت المحكمة الدولية لجرائم الحرب في بنجلاديش حكما بالاعدام ضد علي احسان مجاهد الأمين العام للجماعة الاسلامية لادانته بارتكاب جرائم حرب خلال حرب الاستقلال عن باكستان في عام.1971 وقد فجر الحكم احتجاجات عنيفة من جانب أنصار الجماعة الاسلامية واشتباكات دامية بينهم وبين المؤيدين لقرار المحكمة في شوارع العاصمة داكا.كما جدد الأسئلة الجدلية حول جدوي اجراء محاكمات في وقائع مر عليها أكثر من أربعين عاما وما اذا كانت تلك المحاكمات تهدف حقا إلي التخلص من أشباح الماضي لتحقيق مصالحة حقيقية أم أنها مجرد لعبة سياسية؟ والحكم بالأعدام ضد احسان مجاهد هو السادس ضد مسئولين بالجماعة الاسلامية منذ بداية العام الحالي تمت ادانتهم بارتكاب جرائم حرب خلال حرب الاستقلال.كما أنه يأتي بعد أيام قليلة من الحكم بالسجن مدي الحياة ضد غلام عزام الزعيم الروحي للجماعة الاسلامية(90 عاما) والذي تم تخفيف عقوبة الاعدام مراعاة لسنه وحالته الصحية.أما الاتهامات التي أدين بها احسان مجاهد فتتعلق بخطف وتعذيب وقتل عدد من الصحفيين والمثقفين من المؤيدين للاستقلال وذلك أثناء قيادته لميليشيات بدر التي تعاونت مع القوات الباكستانية لتصفية المعارضين لاستمرار وحدة شطري باكستان. ويري المراقبون أن المحاكمات قد أدت إلي تعقيد المشهد السياسي في بنجلاديش وكشفت عن هوة انقسام واسعة بين فئات المجتمع.ففي حين يدافع حزب رابطة عوامي الحاكم عن أن تشكيله للمحكمة الدولية لجرائم الحرب في عام2010 جاء استجابة لمطلب شعبي وايفاء لوعوده الانتخابية في عام2008 وأنه يعد أفضل وسيلة للتخلص من أشباح الماضي, يري حزب الجماعة الاسلامية أحد أحزاب المعارضة الرئيسية والذي يحظي بقاعدة شعبية عريضة في الريف أن هدف رابطة عوامي الرئيسي من وراء تلك المحاكمات هو التخلص من المعارضين خاصة مع اقتراب اجراء الانتخابات العامة خلال الشهور الستة المقبلة.ويبرهن حزب الجماعة الاسلامية علي الصبغة السياسية للمحاكمات بتأكيده علي اعتراض عدد من المنظمات الحقوقية وفي مقدمتها هيومن رايتس ووتش علي المحكمة حيث أنها لا تطبق المعايير الدولية ووصفتها بأنها معيبة.كما أشار بعض المراقبين الدوليين إلي أن المحاكمات لم تتسم بالعدالة المرجوة حيث لم يمنح المتهمين الوقت الكاف للدفاع عن أنفسهم كما أنهم منعوا من استدعاء شهود. أما اخطر الاتهامات التي وجهت لتلك المحاكمات والتي تهدد باندلاع حرب أهلية علي حد وصف نشطاء بالجماعة الاسلامية هو وصفها بأنها' مؤامرة علي الأحزاب الدينية' وخطوة جديدة من قبل رابطة عوامي ورئيسة الوزراء الشيخة حسينة في اطار مشروعها العلماني علي حد وصف الجماعة الاسلامية وغيرها من الاحزاب الدينية الصغيرة. ولالصاق شبهة التوجه العلماني بالرابطة دأب الحزب الوطني البنجلاديشي,حزب المعارضة الرئيسي في البلاد والخصم اللدود لرابطة عوامي, علي التشكيك في الولاء الاسلامي للرابطة واستخدم الحزب الوطني شعار الاسلام في خطر خلال حملاته الانتخابية لاثناء الناخبين عن التصويت للرابطة.ورغم أن الحزب الوطني يراوغ في اعلان موقف واضح من المحاكمات إلا أنه حذر من أن محاكمات جرائم الحرب في هذا التوقيت ما هو إلا محاولة بائسة من جانب الرابطة لتشتيت انتباه الناخبين بعيدا عن سوء الادارة والفساد والمحسوبية التي انتشرت في ظل الحكومة الائتلافية الحالية والتي تمثل الرابطة الحزب الرئيسي فيها. وفي الوقت نفسه أعرب بعض المحللين من خشيتهم من أن تلجأ الحكومة الائتلافية إلي التهديد بفرض حظر علي حزب الجماعة الاسلامية وغيره من الاحزاب الدينية في وقت لاحق مشيرين إلي أن الحكومة قد أجرت بالفعل بعض التعديلات بالدستور تمهد الطريق أمام اتخاذ مثل هذا الاجراء ذي العواقب الوخيمة. يبدو أن بنجلاديش بصدد مواجهة المزيد من التفاعلات والتوترات خلال الاسابيع القليلة القادمة مع استمرار المحاكمات التي بدلا من أن تضمد الجراح فتحت الأبواب علي مصراعيها أمام الانقسامات وتبادل الاتهامات وعدم الاستقرار.