استطاع الشعب المصري العظيم أن يثبت, بجدارة, أنه ليس فقط صانعا للحضارة بل هو أيضا صانع للتاريخ, كما استطاع, وبجدارة أن يؤكد أنه القائد وأنه المعلم, وأن قامته تعلو فوق كل القامات والقيادات والنخب. هكذا كان ومازال وسيبقي أحد الدهر قادرا علي تحقيق المعجزات, استطاع ذلك عندما استطاع بمهارة ساحر بارع أن يصل يوم الحادي عشر من فبراير2011 يوم نجاحه في اسقاط رأس النظام البائد بخروجه الجديد يوم الثلاثين من يونيو ليعلن للعالم كله, أنه وحده القادر علي تصحيح الانحراف, أو الانجراف, الذي حدث لثورته العظيمة, وأن يسترد التوكيل الذي منحه للدكتور محمد مرسي عندما منحه شرف أن يكون رئيسا لمصر بعد أن أدرك عن يقين أن عاما واحدا من حكم الرئيس وحزبه وجماعته هو أقصي مايمكن تحمله. وعندما وصل الشعب, بإرادته الحرث المستقرة ودون اجبار من أحد ومن خلال مشاهده هو واستنتاجاته هو وقناعاته هو, إلي هذه النتيجة قرر أن يتحرك وأن يمارس حقه السيادي في أن يقول كفاية للرئيس محمد مرسي, ويطالبه بإعادة الأمانة إلي أصحابها, فهم وحدهم, دون غيرهم أصحابها, وعندما يمارسون حقهم الشرعي في عزل من يريدون من الحكام واختيار من يريدون فإنهم يمارسون حقهم وواجهم تجاه وطنهم, دون عدوان علي أحد ودون اهانة لأحد, أو انتقاص من حقوق وأقدار أحد. فالشعب مازال يتذكر الوعود والعهود التي قطعها الدكتور محمد مرسي علي نفسه عندما انتقل إلي ميدان التحرير قبيل غروب شمس يوم29 يونيو من العام الماضي ليقسم أمام المصريين المحتشدين في هذا الميدان الذي أسماه ميدان الشهداء وميدان الحرية القسم الدستوري بعد أن أقسم مرة أمام المحكمة الدستورية وأخري أمام نخبة من المثقفين والسياسيين والعلماء وشباب الثورة في قاعة جمال عبد الناصر بجامعة القاهرة. في خطابه المشار إليه قال الدكتور محمد مرسي بالنص: أنا مؤمن تماما أنكم مصدر السلطة, مصدر الشرعية التي لا تعلوها شرعية, وأنتم أهل السلطة ومصدرها, وأنتم الشرعية وأقوي مكان فيها, من يحتم بغيركم يخسر, ومن يحتم بكم ينجح, ونريد لوطننا أن ينجح. أنا مؤمن تماما أنكم مصدر السلطة والشرعية التي تعلو علي الجميع لا مكان لأحد ولا لمؤسسة ولا لهيئة ولا لجهة فوق هذه الارادة, الأمة هي مصدر السلطات هي التي تحكم وتضرر, وهي التي تعقد وتعزل من أجل ذلك أتينا إليكم إلي الشعب المصري الكل سمعني لا سلطة فوق هذه السلطة, أنتم أصحاب السلطة, أنتم أصحاب الإرادة, أنتم مصدر هذه السلطة تمنحونها من تشاءون وتمنعونها عمن تشاءون. لم ينس الشعب هذه العهود لذلك عندما خرج أمس الأول الأحد ويخرج إليها في جميع أنحاء مصر فهو يخرج أنه علي ثقة كاملة في انه الذي يمنح وانه الذي يعزل لأنه, وكما أكد الدكتور مرسي, هو مصدر السلطة والشرعية التي لاتعلوها سلطة أو شرعية أخري سواء كانت لشخص أو لجهة أو لهيئة أو لمؤسسة لأن الشعب هو الذي يحكم ويقرر هو الذي يعقد ويعزل. كيف يوصف قيام الشعب بواجبه نحو وطنه أنه خروج عن الشرعية, إذا كان هو مصدر الشرعية, وكيف يكون أن يقف من يعارضون الشعب بأداء هذا الدور ليصنعوا أنفسهم بأنهم حماة الشرعية, وأن الشرعية هي الرئيس, وان الخروج عليه خروج عن الشرعية. هؤلاء لايدافعون عن الشرعية, لأن الشرعية أصبحت بيد الشعب الذي استردها بخروجه العظيم, وهؤلاء ليسوا إلا حماة سلطة, هم يصارعون من أجل السلطة خروجا عن الشرعية, ومن ثم فإنهم يضعون أنفسهم تحت المسئولية القانونية. كل ماخرج الشعب ليطالب به هو انتخابات رئاسية مبكرة وهذه الانتخابات تقليد ديمقراطي جدا ومشروع في النظم الديمقراطية الرئاسية علي غرار ماهو دارج وشائع من إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في نظم الحكم الديمقراطية البرلمانية, في النظم البرلمان يقوم بمراقبة الحكومة التي تكون في مثل هذه النظم من يده كل السلطة التنفيذية ويكون دور رئيس الدولة دورا شرفيا دون سلطة, أما في النظم الرئاسية حيث تتركه السلطة في يد الرئيس فليست هناك جهة مراقبة أو محاسبة للرئيس غير الرقابة الشعبية المباشرة عن طريق آليات متعددة من أبرزها آلية الانتخاربات الرئاسية المبكرة. أنصار الدكتور مرسي الذين يدافعون عن السلطة التي احتكروها يروجو لأكذوبة خطر الانتخابات الرئاسية المبكرة إلي الاستقرار لأنهم لا يريدون غير بريق الحكم والسلطة لكن خطر استمرار حكم فاشل وفاسد علي الاستقرار يفوق في خطره أي خطر محتمل لإجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة. فالاستقرار يتحقق مع الحكم الصالح الرشيد أما الحكم الفاشل فهو الذي يؤدي إلي شيوع عدم الاستقرار. مايحدث الآن في مصر من جانب الرئيس وعشيرته وأحزاب الموالاة صراع حول السلطة الشرعية منه بريئة, لأن الشرعية, كما أكد الدكتور مرسي, هي شرعية الشعب وارادته, والانتخابات الرئاسية المبكرة هي الخيار الوحيد الذي يريده الشعب وسوف يحققه وأمام الرئيس خياران أولهما خيار سكة السلامة بأن يبادر طواعية بقبوله خيار الانتخابات الرئاسية المبكرة ويشارك بدوره في حوار مع القوي الوطنية حول خريطة طريق مأمونة لتحقيق ذلك الأمر ومتطلباته, ويضمن بذلك حقه في أن يكون مرشحا جديدا لانتخابات رئاسية مقبلة ويحفظ لحزبه وجماعته الحق الكامل في المشاركة والعمل السياسي, أما الخيار الآخر فهو سكة الندامة, أن يظل علي اصراره في رفض المطلب الشرعي عندها لن يكون أمام الشعب من بديل لفرض إرادته التي يريدها والتي أكدها منذ لحظة خروجه العظيم. لمزيد من مقالات د. محمد السعيد إدريس