في شوق عظيم, وحب كبير, ينتظر المسلمون شهر رمضان, وتنتعش قلوبهم التي أشرقت بنور ربها, وتهتز أرواحهم التي آثرت رضوان الله, وابتغت مرضاته, وهم يدعون المولي عز وجل, قائلين: اللهم بلغنا رمضان وليس بغريب ان يشتاقوا إلي شهر الصيام والقرآن والخيرات والحسنات وارتفاع الدرجات فهم يعلمون أن أيامه لها في نظر الإسلام مكانة سامية, وفي نفوس المؤمنين قداسة وجلال ورفعة وطهر, فهي غذاء الروح, ونقاء النفس, وقوام الخلق, وهي نعمة كبري, وفرصة جليلة لكشف سلم العروج إلي سماء الفردوس, والاقتراب من الله تعالي, معتصمين جميعا بالطاعة, والإيمان الخالص, ساعين إلي الخير كله.. يقول الرسول صلي الله عليه وسلم: لو يعلم الناس ما في رمضان من الخير لتمنت أمتي أن تكون السنة كلها رمضان. وما أروع أنواره ونفحاته وبركاته وثوابه العظيم!! ان أيامه أكرم الأيام ولياليه أسعد الليالي, وهو أفضل شهور العام, فقد خصه الله بخصائص لم يحظ بها شهر غيره, وميزه بمكارم وفضائل لم يسعد بها شهر سواه, أجزل الخالق الكريم فيه العطاء للمحسنين وضاعف الأجر للعاملين المتقين, وتصفد في أول ليلة منه الشياطين ومردة الجن, وتغلق أبواب النار, وتفتح أبواب الجنة, وتقر به العيون, وتنشرح له كل الصدور, فبستانه حافل بالثمر, ومنهجه يزداد بفيض كبير, من دروس التقوي والصبر والصمود, وطاقات البر والخير والعفة, انه يقدم للمسلمين الصوم الذي يعصم العين واليد واللسان, ويحفظ من الشرور والآثام ويمنح أعظم ما يصون الدين والخلق من التردي في مهاوي الرذيلة والفساد, ويحمل علي عاتقه رسالة صقل النفوس, وكسر حدة شهواتها, وقمع هواها, وردعها عن التعلق بلذائذ دنياها, والاستسلام لمغريات النفس. ان الصيام الذي يشتاق إليه المؤمنون المخلصون أفضل مدرسة للتربية الروحية, والخدمة الإنسانية, والتدريب علي مواجهة الشدائد, ومصارعة أحداث الحياة بسلاح الصبر والإيمان, وهؤلاء المشتاقون يودون أن يفوزوا بما في رمضان من الرحمة والمغفرة والعتق من النار, ويريدون أن يتمتعوا بمنحه الغالية, ومعطياته السامية, فيسعدوا بنظرة الله إليهم في أول ليلة منه, فمن نظر إليه المولي عز وجل لا يعذبه أبدا, ويفرحوا باستغفار الملائكة لهم, لانهم يستغفرون للصائمين, في كل يوم وليلة, ويبتهجون بالتجليات الالهية في الشهر الكريم, حيث يأمر الله جنته فيقول لها: استعدي وتزيني لعبادي, أوشك أن يستريحوا من تعب الدنيا إلي داري وكرامتي وإذا كان آخر ليلة غفر لهم جميعا. إن الرسول الكريم كان اشد الناس شوقا إلي شهر رمضان, وكان يستعد له, ويترقب حلوله, وقد وصفه أروع وصف حين خطب في آخر شهر شعبان, فقال: أيها الناس, لقد أظلكم شهر عظيم مبارك, شهر فيه ليلة خير من ألف شهر, جعل الله صيامه فريضة, وقيام ليله تطوعا, من تقرب فيه بنافلة كان كمن أدي فريضة في سواه, ومن أدي فيه فريضة كان كمن أدي سبعين فريضة في سواه, وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة, وشهر المواساة, وشهر يزاد في رزق المؤمن فيه, ومن فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار, وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء.. وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.. حقا انه شهر عظيم مبارك, يستحق الشوق العظيم, والحب الكبير, والضراعة إلي الله كي يبلغه المؤمنون المخلصون, لقد نزل فيه القرآن, هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان, وتلك نعمة لا تعد لها نعمة, أخرجت الناس من الظلمات إلي النور, وأعطيتهم كل مقومات الحياة, وكل فضائل الاستقامة والرشاد.. ان المسلمين المشتاقين قد اختاروا اسمي ما يزكي الخلق, وأعلي ما يربي الضمير, وأحسن ما يحقق رضوان الله, يدعون ربهم أن يوصلهم إلي شهر رمضان, ليعلنوا الطاعة والإيمان الخالص ويسعوا إلي فوزكبير, ومغفرة واسعة, يقول المصطفي صلي الله عليه وسلم: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه, ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ويقول: إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم, فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد. لمزيد من مقالات د. حامد محمد شعبان