أشرقت الأرض والسماء, بمعجزة الإسراء, حيث انبثقت منها قيم وأضواء, في إطلالة روحانية, ورحلة ملائكية, كانت تكريما وتتويجا للرسالة العالمية الخاتمة, التي صاغت مجدا فريدا للوجود الإنساني برسالة النبي الخاتم والرسول المجتبي عليه أفضل الصلاة وأزكي السلام. رسالته عالمية وخالدة, وبعثته رحمة للعالمين. وجاءت معجزة الإسراء والمعراج تطلعه علي كبري الآيات, وتري أهل السماوات والأرض مكانة خاتم الأنبياء, وتكرمه في موكب المرسلين. وانفردت معجزة الإسراء والمعراج بنص قرآني حكيم, ونزلت سورة باسمها, استهلت آياتها بتنزيه الساحة الإلهية عن أي نقص لا يليق بالذات العلية سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير. فكانت المعجزة تكريما لخاتم النبيين وليريه رب العالمين من آياته الكبري, وليست من أجل المعاندين لأن الله يعلم أنه لو فتح لهم بابا إلي السماء وصعدهم لفظلوا في عنادهم كما قال الله تعالي: ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون. لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون. ولما كانت الإسراء قد نزل بها القرآن كان منكرها خارجا عن حظيرة الإسلام, لأنه منكر لنص القرآن الكريم وهو واضح وصريح, ولأن منكر هذه المعجزة معارض لإجماع الأمة الإسلامية سلفا وخلفا. ولما كان لمعجزة الإسراء خلودها بخلود القرآن الكريم فإن حكمة حدوثها التي حددها القرآن خالدة أيضا وهي:.... لنريه من آياتنا. وأطلع الله تعالي رسوله صلي الله علي وسلم علي الآيات العظام فرأي ثواب الطائعين وعقاب العاصين وسدرة المنتهي والجنة والنار وحظي بالحضرة الإلهية. وتقدم هذه المعجزة للعالم الإسلامي في مشارق الأرض ومغاربها أن الإسلام دين الحق وأن رسالته عالمية, فقد اقتدي الرسل بإمام الرسل والنبيين صلي الله عليه وسلم في المسجد الأقصي وفي هذا إشارة إلي عالمية الإسلام, وأن الرسل جميعا اخوة, وأنهم قد جمعهم الله تعالي وصلوا جميعا معا خلف رسول الله صلي الله عليه وسلم فهو إمام النبيين وخاتم المرسلين, وإلي جانب ما تشير إليه هذه المعجزة من عالمية الإسلام فقد كان في اجتماع الرسل السابقين بخاتم الأنبياء والمرسلين وفي صلاته إماما بهم تطبيق عملي للعهد والميثاق الذي أبرمه الله معهم منذ الأزل أن يؤمنوا بخاتمهم وأن ينصروه فأقروا وشهدوا بذلك وشهد معهم رب العزة كما قال الله تعالي: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم علي ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين. وأيضا كان فيها اختبار للذين اتبعوا الرسول صلي الله عليه وسلم ليظهر المحق من المبطل والصادق في إيمانه من غيره لأنهم سيقبلون بعد ذلك علي الهجرة ومفارقة الوطن ثم بعد ذلك علي الجهاد فلابد أن يمتحن الناس ليظهر المخلصون من غيرهم فكانت ابتلاء وفتنة واختبارا كما قال الله تعالي: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس. وظهرت مكانة رسول الله صلي الله عليه وسلم في هذه المعجزة حيث حظي بما لم يحظ به سواه, وأطلع الله أهل الملأ الأعلي وأهل السماوات والأرض علي مكانته وأنه كلما طلب من ربه تخفيف الصلاة أجابه إلي طلبه فهو مقبول الرجاء, ومسموع النداء, حتي يوقن الذين ناهضوا دعوته أنه علي حق وأن الله يحبه وأن منزلته عند الله عظيمة. ومن أهم دروس معجزة الإسراء والمعراج أن الله سبحانه وتعالي أيد رسول الله صلي الله عليه وسلم وأطلع أهل السموات والأرض علي مكانته وعلي نصرته, ولكن الله تعالي حرك الأمور بالأسباب فتتعلم أمته ضرورة الأخذ بالأسباب والالتجاء إلي الله سبحانه, والتفرغ اليه.. فلا يخفي ان الله سبحانه قادر علي كل شيء ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء, وكان من الممكن أن يتم نصرة الرسول صلي الله عليه وسلم علي أعدائه, وأن يتم له كل ما يريد دون أن يتعرض لما تعرض له من إيذاء المشركين, وهو انه علي الناس, ولكن الله تعالي أراد أن يقدم الرسول صلي الله عليه وسلم القدوة لأمته في الأخذ بالأسباب وفي التضرع الي الله ولذا تضرع الرسول صلي الله عليه وسلم الي ربه: اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني علي الناسيا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلي من تكلني, إلي بعيد يتجهمني أم إلي عدو ملكته أمري إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي, ولكن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات, وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو تحل علي سخطك لك العتبي حتي ترضي, ولا حول ولا قوة إلا بالله ومن أهم الدروس: منزلة الصلاة فإلي جانب كونها ركنا من أركان الإسلام وفريضة من أهم الفرائض فهي الصلة بين العبد وخالقه وفيها يكون المصلي بين يدي ربه سبحانه وتعالي, ولأهمية هذه الفريضة لم تشرع في الأرض بل شرعت من فوق سبع سماوات ولم تشرع عن طريق جبريل عليه السلام, بل تلقاها الرسول صلي الله عليه وسلم عن ربه سبحانه وتعالي مباشرة, حيث دعاه ربه سبحانه وتعالي في ضيافة ربانية ليلة الإسراء والمعراج وهذا يدل علي أهمية الصلاة ومنزلتها العالية في الإسلام حيث إن الله تعالي استدعي رسول الله صلي الله عليه وسلم وكلفه بما يريد من تشريع للصلاة ولله المثل الأعلي, فإن الرئيس إذا أراد أمرا يكتب الي مرؤوسيه كتابا يأمره فيه بما يريد إذا كان أمرا عاديا, أما إذا كان الأمر أهم استدعاه عنده وقال له: افعل كذا ونحو ذلك وهذا ما تم بالنسبة للصلاة, إنها هدية رب البرية, للأمة الإسلامية في ليلة الإسراء والمعراج, فكما أعطي الله رسوله المعراج صعد عليه واقترب من الحضرة الإلهية فقد أعطاه الصلاة لأمته معراجا روحيا لها, فحيث يصلي الانسان يكون بين يدي ربه سبحانه وتعالي وكما كانت الإسراء والمعراج ثلاث منازل من المسجد الحرام الي المسجد الأقصي ومن المسجد الأقصي إلي سدرة المنتهي ومن سدرة المنتهي الي الحضرة الإلهية فكذلك كانت الصلاة ثلاثة منازل من القيام الي الركوع ومن الركوع إلي السجود ومن السجود الي القرب من الرب المعبود ولذا قال: واسجد واقترب فكانت الصلاة أعظم هدية من رب البرية الي الأمة الإسلامية. لمزيد من مقالات د.احمد عمر هاشم