هذه حقيقة لا تحتاج للبرهنة عليها كثيرا.. فغياب الحقيقة في السير الذاتية خاصة والعمل الأدبي علي وجه أعم يظل اهم اشارات المأساة الدرامية القاتمة التي نعيش فيها. ان من يتابع ما تمر به المنطقة العربية في العصر الحديث منذ اكثر من قرن ونصف القرن يلحظ غياب السيرة الذاتية او-حتي الغيرية التي تعيد صياغة الواقع كي لا نقع في اسر التاريخ مرة ومرة ومرات, وكي لا تتكرر مآسينا مرة ومرة ومرات دون وعي, وكي لا نصبح كل صباح ونحن نسأل انفسنا ماذا حدث؟ ولماذا لم نتعلم حقا مما حدث؟ ولماذا ننتظر ان يحدث ما حدث وسيحدث مرة اخري؟.. الي آخر هذه الاسئلة الحائرة التي يقع الانسان العربي فريسة لها حين يتابع المشهد الادبي او الفكري.. ..اتحدث عن غياب هذه السيرة وانا اتابع آخر سيرة أو( صفصافة) صدرت بين يدينا من تأليف د. عواطف عبد الرحمن, خاصة وقد كانت صاحبة( الصفصافة) تسعي للكشف عن مكونات الواقع المجتمعي والحياة الخاصة بتشابكاتها وتعقيداتها واسرارها وتناقضاتها وخفاياها في هذا العمل الاخير, لقد حاولت الكاتبة ان تفيض باعترافات منذ الاربعينيات من العقد الماضي حيث ولدت ونشأت في الجنوب الي ثورة يناير في بدايات هذا القرن حين عاشت وجابت العديد من القري والاحداث من اوراق الميلاد الي اوراق من سجن النساء الي طقوس الاحزان في الامصار والاوطان في الزمن الاخير واعية اشد الوعي انها تحاول الكشف عن بعض رموز الصندوق الاسود التي لاتزال باعترافها مخبأة في صندوق محكم الغلق لايمكن الافشاء عنه واعلانه مكتوبا ومدونا ومعروضا علي الرأي العام, وهومايتحدد معه ويتعدد رموز اشكالية العام والخاص في السيرة. ان تسجيل ملامح السيرة الذاتية لم يعرف لدينا الا في الفترة الاخيرة خاصة في كتابات المرأة العربية, ومع ذلك, فإن الكاتبة هنا حاولت الوصول حول الذاكرة المراوغة بفعل الزمن و تدوين هذه السيرة كصحفية وباحثة ثم كاتبة للسيرة الذاتية في جهد كبير داخل الصعيد وخارجه, داخل عنبر الاعتقال او خارجه, داخل اللجان العلمية في الجامعة او خارجها. وهوجهد سعت فيه للتعامل مع الحياة كخدعة جميلة نحياها بوعي الي حد كبير- نتلفت حولنا بعدها فلا نعثر الا علي صاحبة( صفصافة) التي سعت للخروج من الصندوق الاسود او سعت للخروج منه بجديد, وهو ما يشير الي انها الكاتبة التي استطاعت ان تسرد لنا هذا الجهد من السيرة الذاتية الادبية; فاذا تلفتنا اكثر حولنا فلن نجد في عالم الادب غير كاتبة اخري واعية كتبتها هي الروائية العراقية كليزار أنورعن ومن تاريخ العراق الحالي, أي بعد الغزو الامريكي للعراق عام2003 م من وعن امرأة عاشت الحرب فحاولت التعبير عنها عبر تماهي الذات مع الواقع واعادة رؤيته فلاقت الهجوم الشديد. ومهما يكن, تظل عواطف عبد الرحمن( صفصافة) ومعها كليزار أنور( الصندوق الاسود) اكثر من عبر عن هذه الفترة الصعبة من تاريخنا العربي من من دجلة والفرات الي النيل..وهومايدفعنا لنتسائل عن بقية اصحاب( الصندوق الاسود) الهادر العنيف في تاريخنا في العصر الحديث في الاشكال الأدبية; وما أكثرهم: أين هم؟ اين هم حقا؟