من بين عيدان الأعشاب الكثيفة الصفراء, رصد زعيم زمرة الأسود اقتراب قطيع من الجواميس المثقلة بالشحم واللحم. الأسد الهائل الحجم همس لنفسه وهو يستجمع قوته لهجمة صيد جديدة: لطمة واحدة من كفي ذات المخالب الحديدية طالما حطمت الأعناق وقصفت الظهور.. لا حاجة بي إلي اللبؤات والأشبال.. أنا قادر وحدي أن أثير الرعب في قلوب ضحاياي فلا يقاومني أحد. وهم واقفا بساقيه الأمامتين وهو يطلق زئيره المرعد المخيف. فوجئت الجواميس بالنذير الهائل يتردد حولها, فأصابها الخوف وانطلقت تجري... وبدأت المطاردة... وتنبه الزعيم إلي جاموسة شابة شردت عن القطيع وجدها تصلح لوليمته القادمة... في لحظة خاطفة قفز فوق ظهرها, فسقطت تحت قوة ضربته.. تلفت الزعيم حوله فخور بمهارته, وقد تصور أن مغامرة الصيد قد نجحت: بقية القطيع يواصل الهرب, فلم يعد الأسد يخاف القرون أو الأظلاف الثقيلة الباطشة. لكن حدث شيء غير متوقع هذه المرة... توقف قائد قطيع الجواميس وشخص بعينيه نحو الأسد, ثم استقر بصره علي ابنته الشابة تحت مخالب الصياد المعتد بسلطانه. وأطلق القائد من حنجرته نداء خشنا, فتوقفت بعض الجواميس القريبة منه.. وعاد القائد يذيع النداء, فرددته بقية الجواميس.. وتوقف الهروب... ثم استدارت الجواميس تشارك قائدتها نظرته الساخطة المتحدية. وفجأة اندفع القائد وخلفه كل عشيرته ناحية الأسد, الذي ظن أنه انتصر في معركة جديدة من معارك صيده الظافرة! وازدادت سرعة الجواميس فأثارت ضوضاء تصم الأذان, وارتفعت سحابة غبار أثارتها الحوافر التي اقتلعت الأعشاب وحفرت فجوات عميقة في التربة. وتنبه الأسد إلي الكارثة القادمة: إذا بقي في مكانه لحظة أخري ستدوسه الأقدام الخطرة, فلا يبقي من عظامه وعضلاته إلا خليط مفتت تغطيه الدماء.. ونسي الأسد صيده... لم يفكر في مقاومة أو هجوم, فماذا تفعل أنيابه ومخالبه تحت وطأة مئات الأطنان من آلات القتل المندفعة نحوه ؟! وفي لمح البصر, استدار وأعطي ظهره للجواميس الثائرة.. انطلق يجري بعيدا عن إذلال الموت تحت الأقدام, وقد اكتسي وجهه بملامح الرعب والهوان.. وعندما وصلت الجواميس إلي الجاموسة الشابة, وجدتها تحاول الوقوف, فلم تكن جروح مخالب الأسد قد أصابتها إلي حد القتل. والتفت الجواميس حول ابنهتا التي أفلتت من الموت, فانشغلت بها لحظات عن الأسد. وقنع الأسد من الغنيمة بالهرب المهين... هنا وقف قائد الجواميس يعلن في ثقة: لعل الأسد يتذكر درسا, فلن نعطيه بعد اليوم ظهورنا...