كنت ومازلت أحبه وأقدره فقد شق طريقه بأظافره: في التربية وعلم النفس والفلسفة اليونانية أولا والحديثة أو المعاصرة بعد ذلك- هو المرحوم الدكتور أحمد فؤاد الأهواني لكني كنت ومازلت أيضا- أختلف معه في بعض المسائل الفكرية الهامة ذكرني بها طالب طلعة شديد النهم للقراءة وقليل ما هم عندما سألني أصحيح أن أفلاطون كان أول من نظر في أمر المرأة فأعلن حريتها لأول مرة في التاريخ علي أساس فلسفي من الطبيعة البشرية, فهي تشارك في الإنسانية كالرجل تماما. وينبغي أن تتعلم, وأن تبلغ مرتبة الحراس مثله تماما. وكانت منزلة المرأة في الزمن القديم في شتي أنحاء العالم أقل منزلة من الرجل, وتعامل معاملة الإيماء والعبيد. ولم تكن تشارك في الحياة العامة, ولم يتحقق حلم أفلاطون بالنسبة لها إلا منذ القرن التاسع عشر؟!. ولقد وقع في هذا الخطأ كثيرون وعلي راسهم العالم والمؤرخ والفيلسوف ول ديورانت الذي يقول في قصة الحضارة المجلد السابع أن أفلاطون كان متطرفا في أفكاره تطرفا جعله من أقوي أنصار المرأة!. وانساق بعض الباحثين وراء كلمات أفلاطون وأخذوها بحرفيتها, فذهب بعضهم إلي أن رغبة أفلاطون في المساواة بين الجنسين كانت احتجاجا ضد المجالات الضيقة المنغلقة التي انعزلت فيها المرأة المعاصرة له في المجتمع الأثيني. وهو بذلك قد استبق حركة تحرير المرأة!. وهو قول ظاهر البطلان! ولست أدري كيف يقال أن أفلاطون أراد تحرير المرأة التي هي نصف المجتمع في الوقت الذي سكت فيه تماما عن المرأة في القاعدة الشعبية العريضة فلم يتحدث عنها قط مع أنها هي التي تمثل أكثر من نصف المجتمع حقا؟! أننا حتي إذا سلمنا جدلا بأن أفلاطون نادي بتحرير المرأة فإن ذلك لا يصدق إلا علي طبقة الحراس- وهي أقل الطبقات عددا, فهي الصفوة الأرستقراطية في المجتمع ولا يمكن أن تمثل المرأة فيها نصف المجتمع بحال. لقد كان جان جاك روسو(1712 -1771) تحرير المرأة عند أفلاطون من خطأ, فأشار في كتابه أميل: أو التربية إلي أن أفلاطون في تكوين مدينته الفاضلة قام بإلغاء الأسرة ثم احتار في أمر المرأة ماذا يفعل بها؟! فأحالها إلي رجل!! ومن ثم فقد وضع في الجمهورية تمرينات رياضية واحدة للرجال والنساء, وهكذا لم يعد أمامه سوي أن ينظر إلي المرأة علي أنها رجل, أو قل أنها لا تفرق عن الرجل إلا كما يفرق الرجل الأصلع عن الرجل ذي الشعر! يقول أرنست باركر لم يعد هناك فرق من حيث النوع بين الرجل والمرأة, فالوظيفة الجنسية هي كل ما بينهما من اختلاف, أما كافة وظائف الحياة الأخري, فإن المرأة لا تعدو أن تكون رجلا أضعف بنية لها القدرات نفسها, وليست لها القوة ذاتها... أجل لا تختلف المرأة في طبقة الحراس عن الرجل لأن أفلاطون جردها من كل خصائص المرأة ودربها علي الشجاعة أو الرجولة التي تحتاج إليها الدولة( وهما لفظ واحدVirtus). والحق أن أفلاطون لم يتحدث أبدا عن حقوق المرأة من حيث هي امرأة, وكيف كان يمكن له أن يفكر في حقوق المرأة, وهو نفسه لم يفكر في حقوق الرجل إلا بأقل قدر ممكن؟- وفضلا عن ذلك فإن أفلاطون لا يخفي كراهيته للمرأة حتي في محاورة الجمهورية نفسها فهو لايتحدث عنها بوصفها امرأة إلا بكثير من الاحتقار, فهو يصنفها مع الحيوان والأطفال والمجانين..إلخ. ثم هو يضعها بين مقتنيات الرجل, وما يمكن أن يمتلكه, ولا يريد أن تكون العلاقة بينهما مبنية علي المشاعر والحب والود والصداقة, أنه يريدها علاقة لا شخصية بل انه يصل في ازدرائه للمشاعر الطبيعية للمرأة وفي إمتهانه لكرامتها إلي حد القول بأن المحارب الشجاع ينبغي أن يكافأ علي بسالته بمزيد من النساء أو من حقوق التناسل وعلي المرأة أن تقبل عن طيب خاطر ذلك الوضع الذي تكون فيه مجرد وسيلة لمكافأة الشجعان من المحاربين. والأمر الأول الذي علينا أن ننتبه إليه في تربية الشباب أننا سنكون علي حق لو جنبنا عظماء الرجال ذلك العويل والنحيب وتركناه للنساء! لكي يشب أولئك الذين نربيهم من أجل حراسة الدولة علي احتقار مثل هذا الضعف والخور! والأمر الثاني وهو ضرب من الوقاحة- غرس الفضيلة( الشجاعة) في نفوس الرجال فلا ندعوهم يحاكون امرأة شابة كانت أو مسنة أو تتطاول علي الآلهة, أو تندب حظها العاثر أو تستسلم للعويل والنحيب- ولا جدال أننا لن ندعهم يحاكونها وهي مريضة أو هي تحب أو تلد طفلا! وقد تبدو هذه النصوص التي يفتتح بها أفلاطون تربية الحراس غريبة بعض الشيء, فهو قبل أن يعرض برنامج التربية ينبهنا إلي ضرورة استبعاد العنصر النسائي- فنحن نريد رجالا قبل كل شيء! ومن ثم لا نقبل من يحاكي النساء!- وفي محاورة أخري يقول: ليس في مقدور أي إمرأة أو صبي أو حيوان أن يجد ما هو صالح له, وأن يأخذ في علاج نفسه بنفسه!. وفضلا عن ذلك فإن أفلاطون يستخدم تعبير شيوع النساء بكثرة ليصف به نظامه في الزواج المؤقت ولا يستخدم أبدا شيوع الرجال- وهي شيوعية كان لابد أن تكون قائمة في اللحظة نفسها التي يلغي فيها الزواج الواحدي- لأن شيوعية الزوجات هي الوجه الآخر لاستبعاد الملكية الخاصة بكل أنواعها..( ولاتزال بعض الدول العربية حتي يومنا الراهن تسمي عقد القرآن بعقد الملكة وهو العقد الذي يملك الرجل بموجبه المرأة التي يتزوجها!)- ولهذا أصبحت المرأة عند أفلاطون بعد إلغاء الأسرة لا يملكها أحد أي مشاعا بين الحراس! ومما يجدر ملاحظته أن أفلاطون نفسه عندما يعيد الملكية الخاصة في محاورة متأخرة هي محاورة القوانين- سوف يعيد في الوقت ذاته تكوين الأسرة, وسوف تعود المرأة مرة أخري ربة منزل, وسيدة لبيتها, ومربية لأطفالها تدافع عنهم كما تدافع الدجاجة- وكما تدافع الطيور جميعا عن صغارها.! ولست أدري كيف يمكن أن نصف أفلاطون بأنه أول من نادي بتحرير المرأة في الوقت الذي نلتقي فيه بصفة مستمرة وهو يصنف النساء دائما في أحاديثه مع العبيد, والأطفال, والأشرار والمخبولين من الرجال أو مع الحيوانات والقطيع..إلخ. فهو لا يتحدث عن المرأة, كأنثي, بأي قدر من التعاطف..! ذلك كله يدلنا علي أن القول بريادة أفلاطون لتحرير المرأة أو مساواتها بالرجل, قد بلغ الخطأ وأخذ بالظاهر دون النفاذ إلي الأعمال! ويرتبط بهذا الخطأ خطأ مماثل هو القول بأن شهرة الحب الأفلاطوني طبقت الآفاق وانتشرت في جميع الآداب الحديثة, وأنه أصبح عنوانا علي ضرب خاص من الحب بين الرجل والمرأة, يتجردان فيه عن علاقة الجسد, ويسموان إلي الصلة الروحية المجردة. أنه الحب العفيف, أو الهوي العذري, انه التسامي. لأن الأفلاطونية نعت لكل مثالي شريف أن في الحب أو في غيره.. لكن الحب الأفلاطوني موضوع متشعب يحتاج منا إلي وقفة خاصة, ومقال منفرد!.