في الوقت الذي كانت القاهرة تسمع فيه بعض الأصوات الشاذة التي تكفر أديب مصر الكبير نجيب محفوظ كانت العاصمة الفرنسية باريس تشهد احتفالية كبري احتفالا بمئوية محفوظ, تضمنت موافقة الحكومة الفرنسية علي إطلاق اسم نجيب محفوظ علي أحد الميادين بالعاصمة نفسها..وتناولت الاحتفالية التي نظمها المكتب الثقافي المصري بباريس مشاركة مصرية وفرنسية واسعة تنوعت فيها مظاهر الاحتفال من محاضرات وندوات وأمسيات شعرية وأفلام سينمائية وكلها تدور حول الكبير نجيب محفوظ وكل هذه الأنشطة شارك فيها رموز مصرية وفرنسية من خلال برنامج متكامل تولي تنفيذه أمل الصبان والدكتورة وفاء الشربيني الملحق الثقافي بالمكتب.. وفي قاعة المركز الثقافي المصري تم إقامة معرض للصور الفوتوغرافية للكاتب الكبير نجيب محفوظ تمثل مختلف مراحل حياته وهي الصور التي قدمتها مؤسسة االأهرام حيث تناول الكاتب الصحفي لبيب السباعي ظروف ارتباط نجيب محفوظ ب بالأهرام التي بدأت عام1957 حيث التقي الأستاذ نجيب محفوظ الأستاذ علي حمدي الجمال, مدير تحرير االأهرامب الذي قال له: أنا أتحدث إليك باسم الأستاذ محمد حسنين هيكل وهو يعرض عليك أن تنشر عملك القادم في االأهرام, وكان نجيب محفوظ في ذلك الوقت متوقفا عن الكتابة منذ ان كتب الثلاثية الشهيرة.. فشكر الجمال ووعده بالتفكير في الموضوع.. وبعد نحو سنتين كتب رواية أولاد حارتنا التي كانت أول عمل ينشر له في االأهرام ونجحت رغم ما سببته وقتها مشكلات. وكان نجيب محفوظ في ذلك الوقت يعمل في مؤسسة السينما.. ثم مستشارا لوزير الثقافة الدكتور ثروت عكاشة.. وقتها كلمه الأستاذ هيكل بنفسه وقال له: مكتبك جاهز في المبني الجديد اللأهرام لكن نجيب محفوظ خشي أن يتصور الدكتور ثروت انه انتقل إلي االأهرام احتجاجا علي ترك مؤسسة السينما, فاعتذر للأستاذ هيكل وقال له يسعدني الانضمام إلي زمرة كبار الكتاب في االأهرام ولكن بعد أن أصل إلي سن المعاش وأترك وزارة الثقافة, وبالفعل بمجرد أنه تمت احالته إلي المعاش ذهب في نفس اليوم إلي الأستاذ علي حمدي الجمال, وكان الاستاذ هيكل موجودا في الاهرام فاستقبل نجيب محفوظ, مع الدكتور حسين فوزي والدكتورة بنت الشاطيء في مكتبهما الملاصق لمكتب توفيق الحكيم في الدور السادس الشهير والذي جمع أكبر المفكرين والكتاب والفنانين مثل د. زكي نجيب محمود وصلاح طاهر وغيرهما, وهكذا صار نجيب محفوظ واحدا من كتاب االأهرام. ويروي لبيب السباعي عن هذه الفترة المهمة أن الاستاذ نجيب محفوظ قال: إن انتقالي إلي االأهرام يمثل نقطة تحول في حياتي, فقد كنت قبل ذلك حين أكمل عملا أبعث به إلي الناشر ليصدر في كتاب, أما الآن فكان كل عمل جديد لي ينشر مسلسلا في االأهرام قبل صدوره في كتاب وكان بذلك يصل إلي قطاعات جديدة من القراء لاتشتري الكتب. وأضاف لبيب السباعي أن أنضمام نجيب محفوظ للأهرام كان مزيجا بين كيان حضاري هو الاهرام الذي كان مجرد وجوده في ذلك الوقت يعني أن مصر تبحث عن نفسها وتحاول ان تجد لها مكانا في عصر جديد بأدوات لم يألفها المصريون من قبل, وبين إنسان عبقري تشرق شمسه علي وطنه في لحظة فارقة فيأخذ هذا الوطن الضارب بجذوره في التاريخ إلي ذلك العالم الجديد ويجدد له بعضا من شرايينه وخلايا عقله! واالأهرامب ديوان الحياة المصرية بالوقائع والأحداث والحوادث والناس كما وصفها المؤرخ الدكتور يونان لبيب رزق. ونجيب محفوظ لم يكن مجرد روائي عبقري لانظير له وإنما كان ديوان الحياة المصرية بالدراما والشخصيات والرصد والتفسير! وكان الاستاذ نجيب يزداد تألقا كلما امتد به العمر.. كانت خلاصة خبراته وتجاربه في الحياة تنساب علي قلمه في عبقرية غير محدودة.. ورغم أنه توقف عن الكتابة بعد أن هاجمه شخص وطعنه في رقبته عام1994, إلا أنه في السنوات الثلاثة الأخيرة التي كانت قبل وفاته عام2006 يكتب قصصا قصيرة أطلق عليها اسم أحلام فترة النقاهة كانت اقرب للوحات يضمنها نظرته للحياة ولكثيرين ممن أثروا فيه ورحلوا.. هذه الاحلام نشرت في مجلة نصف الدنياس الاهرام وقت ان كانت ترأس تحريرها المبدعة سناء البيسي.. وكانت هذه الاحلام في الحقيقة جزءا من عبقرية نجيب محفوظ.. وكان نشرها جزءا من الدور التنويري لمؤسسة الاهرام وكان التساؤل وقتها لماذا لم ننشر هذه الاحلام في جريدة االأهرامب نفسها.. والإجابة التي أعرفها كما يقول لبيب السباعي ربما شطارة سناء البيسي.. واختتم السباعي مؤكدا المعادلة اللي حققها انضمام نجيب محفوظ للاهرام .. فمن يقرأ الأهرام يستطيع ان يعرف ماذا حدث في مصر بالضبط ومن يقرأ روايات نجيب محفوظ يستطيع ان يعرف لماذا حدث ما حدث في مصر بالضبط! ان الاحتفال بمئوية الاستاذ نجيب محفوظ يحمل الكثير من معاني التقدير والوفاء لهذا المبدع المختلف.. لكنه يؤكد في ذات الوقت معني الخلود الذي بني عليه المصري القديم حضارته.. صحيح انه بناها بالحجارة.. لكن نجيب محفوظ جاء ليعيد بناءها بالكلمات! وعلي مدي أسبوع كامل تواصل الاحتفال بمئوية نجيب محفوظ حيث قدم الشاعر سيد حجاب أمسية شعرية وعقدت ندوتين برئاسة الكاتب الكبير جمال الغيطاني شارك فيها الدكتور صبحي البستاني أستاذ الأدب العربي الحديث بمعهد اللغات والحضارات الشرقية بجامعة باريس وقدم الكاتب والصحفي روبير سوليه رؤية عن نجيب محفوظ بعنوان الثابت دائما والمرتحل أبدا في حين قدم الدكتور لوك دو هافييل نائب رئيس معهد اللغات والحضارات الشرقية وأستاذ اللغة والأدب العربي رؤية عن نجيب محفوظ وكتابه اليوتوبيا وقدم ريتشارد جاكمان أستاذ اللغة والأدب العربي الحديث بجامعة أكس إن بروفنس دراسة حول الفلسفة السياسية لمحفوظ من خلال قراءة نقدية لرواية أولاد حارتنا وعرض الدكتور أحمد يوسف بجريدة الأهرام إبدوب رؤية حول تجربته في ترجمة أحلام فترة النقاهة. إقرأ أيضا : الأديب أحمد بهجت أحمد بهجت علمني كيف أحب الحمير