عزيزي القارئ,سواء كنت مسيحيا, أو مسلما, وسواء كنت مسلمة أو مسيحية, فلا تجعل في القلب والفكر والسلوك مكانا للتعصب والكراهية والرفض.. إن الفروق بين المسيحية والإسلام أقل مما نظن, والاختلاف بينهما لا يبرر العداء والقتل والتكفير. لقد أوصي الإسلام بأهل الكتاب, والسيد المسيح أوصانا بالصلاة حتي من أجل الذين يسيئون إلينا. والإسلام لا يسيء إلي المسيحية بل يكرمها حتي وأن رأي البعض ممن يدعون الإسلام غير ذلك, واعتبروا أن الإساءة إلي المسيحيين حلالا فأطلقوا عليهم صفات غير كريمة. والسيد المسيح قال من ليس علينا فهو معنا. والمسلم الذي يعرف حقيقة عقيدته ليس معاديا للمسيحية أو المسيحيين حتي ولو ظن بعض المسيحيين ذلك. إن تكفير المسيحيين أو تحليل سفك دمائهم ليس في الإسلام. ونشر العقيدة بالعنف لا مكان له في المسيحية. هناك أمور كثيرة ومبادئ عدة تجمع بين العقيدتين في مقدمتها التوحيد والعدل والسلام. إن ما يجمع بينهما أكثر مما يفرق, والتقارب الذي يمكن أن يسود بينهما لا يدركه كثيرون من الطرفين. هؤلاء الذين لا يعرفونه اتخذوا مواقف معادية أو تصادمية, تفاقمت نتائجها وجاءت بأضرار بالغة وخسائر لا تفرق بين الضحايا من الجانبين. وسوف نحاول هنا تبديد بعض غيوم هذه الكراهية وما تشيعه من مناخ عدواني. ليس من منطلق الدعوة للسلام والمحبة والاعتبارات الإنسانية فقط, إنما استشهادا بالآيات القرآنية وتعاليم الأديان وممارساتها. الإسلام به دعوة كريمة للتلاقي والتفاهم بين المعتقدات وهو ما نحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضي لنقف معا في مواجهة الإلحاد والكفر والقيم اللاإنسانية التي بدأت تتفشي في العالم. وهو عقيدة تتقبل جميع الأديان السماوية, وإسلام المسلم لا يكتمل إلا إذا اعترف بأن الأديان السماوية الثلاثة منزلة من عند الله الواحد. كما أن صلوات جميع الكنائس تدعو بالسلام للعالم كله بأجناسه ومعتقداته وأديانه بلا تفرقة. إن من صحة إيمان المسلم, وسلامة عقيدته, الاعتراف بكل الرسل طبقا لما ورد في( سورة البقرة:136) قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسي وعيسي وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون. وأيضا في( سورة البقرة:285) آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله...... والشوري(13) شرع لكم من الدين ما وصي به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسي وعيسي أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه.......... والنساء(150-152) إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا واعتدنا للكافرين عذابا مهينا والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما. كما حدد القرآن الكريم أساس العلاقة الصحيحة السليمة مع المسيحيين في آيات كثيرة واضحة في مقدمتها ما جاء في سورة( آل عمران55).... وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلي يوم القيامة... وجاء في( سورة البقرة:256) لا إكراه في الدين.... وجاء أيضا في( سورة آل عمران:64) قل يا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم..... وجاء أيضا في( سورة النحل:125) ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن.......... وشهد القرآن للمسيحيين بحسن الأخلاق: في قوله الكريم......... ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصاري ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون.( سورة المائدة:82) وجاء في( سورة الحديد:27) ثم قفينا علي آثارهم برسلنا وقفينا بعيسي ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة..... وكما شهد القرآن لهم بالرأفة والرحمة والتواضع فإنه أيضا يشهد لهم بالتوحيد والإيمان الحق. فقد جاء في( سورة البقرة:62) إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصاري والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. دافع القرآن عن نصاري صالحين, ثبتوا علي إيمانهم فتعرضوا للأذي الشديد وظلوا ثابتين. من هؤلاء: فتية الكهف المؤمنون, والمؤمنون في قصة أصحاب الأخدود. ونجد في المقابل أن أول هجرة للمسلمين كانت إلي النجاشي المسيحي الذي حماهم وأكرمهم ورفض تسليمهم لأهل قريش الذين أرادوا القبض عليهم للقصاص منهم. هذه الحقائق نوردها حتي نزيل عن الإسلام سوء فهم يحتل عقول بعض المسلمين وأصبح يسيطر علي عقل أغلب المسيحيين.ونوجز القول فنقول مع المفكر السعودي الكاتب زين العابدين الركابي: إن البراهين تواترت وتعاضدت علي أن الإسلام قدم المسيح ومنهجه ودعوته وقدم حوارييه في أكمل وأحلي مشهد. كما دافع عن مؤمني النصاري المضطهدين, دفاعا اتسم بالمحبة لهم وبكراهية مضطهديهم الطغاة. وأنه ليسرنا أن نهدي هذا الكلام الموثوق بالبراهين إلي المسيحيين في كل مكان ليطمئنوا وإلي المسلمين جميعا ليحترموا ما جاء به,ليس فقط من أجل حماية الوطن وكرامة المسيحية لكن إحتراما لعقيدتهم التي يسيئون إليها. حفظ الله مصر. لمزيد من مقالات د. ليلي تكلا