لم تكن الثورة التونسية وليدة2011, بل جاءت شرارتها الأولي مع الليالي الأخيرة من2010 في17 ديسمبر عندما أشعل محمد بوعزيزي رحاها باضرام النار في جسده بعد ان صفعته احدي الشرطيات علي وجهه لمنعه من بيع الخضروات. ولم يمر يوما حتي أهتزت أركان ولاية سيدي بوزيد لتشتعل بها المظاهرات الرافضة لسنوات الفقر والذل والجوع والبطالة والتهميش وانتشار الفساد وسوء توزيع الثروات, وكالنار في الهشيم تطايرت شرارات الاحتجاج من بوزيد إلي كافة أركان الدولة التونسية وتتصاعد موجات العنف من أجهزة الامن التونسية التي شنت حملات اعتقال واسعة للنشطاء من الثوار والمعارضين, متجهة إلي تكميم الأفواه بفرض رقابة صارمة علي وسائل الاعلام وتعطيل عملها, والأخطر حجب مواقع التواصل الاجتماعي التي استند عليها شباب الثورة في نشر أفكارهم الثورية وعرض مطالبهم مثل الفيس بوك وتويتر واليوتيوب وسرعان ماأهتزت أركان نظام حكم الرئيس التونسي زين العابدين بن علي القابض بيد من حديد علي مقاليد السلطة منذ23 عاما ليجد بن علي نفسه مجبرا علي الانصياع لمطالب شعبه لينزل من علي عرشه للمرة الأولي ويتجه لزيارة بوعزيزي في مشفاه محاولا إمتصاص الغضب الجماهيري بعدة قرارات وصفها بالاصلاحية علي رأسها إقالة وزير داخليته معلنا نيته في عدم الترشح لفترة رئاسية جديدة متخذا العديد من الإجراءات التي طالب بها الثوار مرددا كلمته الشهيرة الان فهمتكم إلا ان فهم زين العابدين لمطالب شعبه جاء بطيئاو متاخرا متحركا فوق جثامين الشهداء التي تساقطت يوما بعد يوم بعد استخدام الشرطة للرصاص الحي في التعامل مع الثائرين فلم تكن إجراءاته أو حتي خطاباته الثلاثة التي القاها طوال أيام الثورة كافية لتلاحق سرعة تصاعد وتيرة مطالب شباب ثورة الياسمين التي بلغت مداها بهتافات الشعب يريد إسقاط النظام, التي لم يتحمل بن علي صداها خاصة بعد ان انحاز الجيش التونسي لمطالب الشعب ورفض قائده رشيد عمار أوامر بن علي بمشاركة الجيش في قمع التظاهرات, لتستيقظ تونس في صباح الجمعة14 يناير علي هتافات بن علي هرب بعد أن فر الرئيس الحديدي من ويل الثورة الشعبية إلي المملكة العربية السعودية التي رحبت باستضافته حقنا للدماء التونسية, لتبدأ تونس في استنشاق نسيم الربيع العربي ويتولي رئيس الوزراء محمد الغنوشي رئاسة الجمهورية لمدة ليلة واحدة بعدها سلم صلاحياته إلي رئيس مجلس النواب محمد فؤاد المبزع استنادا الي نصوص الدستور التونسي, ويتفرغ الغنوشي لتشكيل حكومة جديدة ويتم الافراج عن المعتقلين وسط عودة رموز المعارضة المقصاة إلي الخارج منذ سنوات إلي أحضان وطنهم فعاد رئيس الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان كمال جندوبي المطرود منذ عام1994 والمناضل الشهير منصف المرزوقي, وزعيم حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي وكل ذلك وسط عمليات القبض علي أعداد كبيرة من أعوان الرئيس الهارب وأقاربه وأقارب زوجته ليلي الطرابلسي لتنكشف العديد من الحقائق عن عمليات فساد وسرقات واسعة طالت ثروات الشعب التونسي إلا ان حكومة الغنوشي لم تصمد طويلا أمام المطالب الشعبية باسقاطها ليعلن الغنوشي استقالته علي الهواء, ويتم تكليف المتقاعد الباجي قائد السبسي في عهد الرئيس السابق الحبيب بورقيبة برئاسة الحكومة, ليصل بركاب الثورة إلي بر الأمان بإجراء أول انتخابات برلمانية تونسية ديمقراطية حقيقية لانتخاب المجلس الوطني التأسيسي في الاحد23 اكتوبر مسجلة نسبة مشاركة تاريخية تجاوزت90%, ليحقق حزب النهضة الاسلامي الفوز ب89 مقعدا من أصل217, يليه حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ب29 مقعدا, ثم تيار العريضة الشعبية ب26 مقعدا. ويجتمع البرلمان المنتخب في جلسة تاريخية بمشاركة أسر الشهداء ووالدة البطل بوعزيزي ويتم تكليف حمادي الجبالي برئاسة الحكومة الجديدة, وتولي المنصف المرزوقي رئاسة الجمهورية, لتبدأ تونس الخضراء من جديد عهد الحرية التي لم تكتف بها لنفسها فقط بل سرعان ما أمتد عبق الربيع العربي ليلتف سوار الياسمين حول أعناق دول الجوار العربي ليصل إلي مصر مشعلا ثورة النيل ومنها إلي ليبيا منهيا حكم القذافي وحياته وبعدها إلي اليمن ليتنازل بن علي عن حكمه, لتصبح تونس رمزا تاريخيا لثورات الربيع العربي ليصبح الشكر واجبا لتونس طوق الياسمين