تحتل قضية الخطاب الديني أهمية كبري في العصر الحاضر نظرا لما يرتبط بهذا الخطاب من التباس وبما اكتنفه من غموض أخرجه أحيانا عن جادة الصواب من قبل فريق استغل قضية التجديد كوسيلة للعبث بأصول الإسلام وتغيير ثوابته. وممن جعلوا من أصول الإسلام مجالا لتجربة المناهج الفلسفية واللغوية الحديثة, بزعم تقديم تفسير عصري أو تأويل حديث أو قراءة عصرية وغيرها من العناوين التي وفدت للبيئة الإسلامية عبر العقود الأخيرة بفعل التأثيرات الوافدة, وفي مقابل هذا الفريق وجد فريق آخر كان يري أن أي محاولة لتجديد الخطاب الديني تعد نوعا من المروق من الدين, يجب مقاومتها والتصدي لها, وأن من يدعو للتجديد هم غالبا من أهل الرقة في الدين والمتساهلين في الأصول. صدر بمكتبة مدبولي والهيئة العامة للكتاب كتاب تجديد الخطاب الديني من تأليف الدكتور أحمد عرفات القاضي أستاذ ورئيس قسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة الفيوم, حيث تناول قضية الخطاب الديني من خلال معالجة المشكلات التي طرحت في هذا السياق; فعالج مجموعة عناصر تشكل مجمل الإشكاليات المطروحة أو الأطر النظرية للقضية والتي تشتمل علي طبيعة الإشكالية ومعني التجديد والمصطلحات المستخدمة في هذا المجال, وتناول مجموعة قضايا تعد تطبيقات عملية لقضية التجديد من خلال دراسة قضية الحرية في الفكر الإسلامي الحديث وغيرها من القضايا. وطرح المؤلف قضية تجديد الخطاب الديني باعتباره جزءا من أزمة التخلف الحضاري الذي يعيشه العرب والمسلمون الآن; إذ إنه لا يمكن إنتاج خطاب إسلامي حديث يوافق روح العصر بمعزل عن الإصلاح الشامل في جميع الميادين السياسية والثقافية والاجتماعية; لأنها جميعا مرتبطة ببعضها; ومن ثم يري الكاتب أن الأزمة هي أزمة خطاب عام وشامل في جميع المجالات. وجاء الكتاب في مدخل وثلاثة أقسام, وبلغة سهلة ودقيقة تناسب ثقافة الجماهير, عرض المؤلف في القسم الأول قضية تجديد الخطاب الديني من خلال مجموعة عناصر تشكل الأطر النظرية للقضية, حيث اشتملت علي طبيعة الإشكالية ومعني التجديد, والمصطلحات المستخدمة في هذا المجال بالإضافة إلي منهج التجديد, وعلاقته بالاجتهاد, وأهم التحديات أو المشكلات التي تواجه عملية التجديد سواء أكانت هذه المشكلات داخلية أم خارجية, فعرض لأبرز التحديات الداخلية التي تشكل إشكالية حقيقية أمام الخطاب الديني المعاصر, مثل: الاستقطاب الطائفي والمذهبي بين السنة والشيعة, ومشكلة التخلف الحضاري عند المسلمين, ومشكلة الغلو والتطرف والفهم المنقوص للإسلام. ثم عالج المؤلف في القسم الثاني من مؤلفه مجموعة من القضايا التطبيقية, جاءت في مقدمتها قضية الحرية في الفكر الإسلامي الحديث وكيف تعامل معها, وما حدود الحرية ومجالاتها. وعرض المؤلف في الفصل الثاني من القسم الثاني قضية النهضة الحديثة عند علم من أعلام فكرنا الحديث; وهو العلامة الشيخ محمود محمد شاكر الذي تصدي لمحاولات التغريب وطمس أصول الثقافة الإسلامية, وتذويب هويتها, فهو يمثل مدرسة متميزة وأصيلة في هذا المجال, تصدي بحزم للذين حاولوا طمس تراث هذه الأمة من أنصار التغريب, كما تصدي أيضا بحزم أشد للمتنطعين الذين أساءوا فهم هذا التراث, ثم عرض لموقفه من بدايات النهضة, وأنها نابعة من مصدر داخلي; وهو محاولة مجموعة من الأعلام إصلاح الخلل في كل جوانب الحياة: السياسية, واللغوية, والعقدية, والاجتماعية. وجاء الفصل الثالث متحدثا عن مكانة الإنسان في فكر الإمام محمد عبده من خلال معالجته لمكانة العقل في الفكر الإسلامي, وحرية الإنسان, ومكانة المرأة وغيرها من القضايا التي ما زالت تحتل أهمية خاصة في الخطاب الإسلامي المعاصر. ثم عرض المؤلف في الفصل الرابع قضية الدعوة الإسلامية في الغرب وبخاصة في الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا, وما الشروط التي يجب أن يتمتع بها الداعية الإسلامي الذي يتصدي لمهمة الدعوة الإسلامية في الغرب مثل: فهم العقلية الغربية, وكيف يمكن أن يخاطبها ويتعامل معها, وضرورة الإلمام الجيد بالأصول والعلوم الإسلامية, والاطلاع علي علوم العصر وثقافاته, وإجادة بعض اللغات الأجنبية, ثم ناقش بعض الموضوعات الأخري كشروط الدعوة نفسها, وشروط المدعو مثل: معرفة طبيعة البلد محل الدعوة, والإحاطة بثقافة أهله, ومعرفة أيضا التراكمات التاريخية والصورة المشوهة المترسبة في ذهن المواطن الغربي عن الإسلام والمسلمين, ثم ناقش أهم الصعوبات في طريق الدعوة كالخلافات بين أبناء الجالية الإسلامية, افتقاد القدوة المثلي لتمثيل الإسلام بصورة صحيحة, والانقسامات في صفوف المسلمين, والخلافات المتكررة بين الشعوب العربية والإسلامية وغيرها الكثير. أما القسم الثالث من هذا الكتاب فيهدف إلي ضرورة تجديد أدوات الخطاب الديني المعاصر, وتخليصه من أسلوب الرتابة وتثقيف العاملين في مجال الدعوة, وتحديث خطاب معاصر يتناسب مع الطبيعة التحديات المعاصرة داخليا وخارجيا. كما أن الخطاب الديني المعاصر يواجه مأزقا حقيقيا في التعامل مع الغرب عموما, من حيث طبيعة هذا الخطاب, وكيفية إيجاد خطاب إسلامي واضح ومميز يجيد التعامل مع العقلية الغربية, بعيدا عن أسلوب الوعظ المباشر والنمطية السائدة في عالمنا العربي والإسلامي.ثم عرض القاضي لقضية الخطاب الديني والتنوير, باعتبار أن التنوير الإسلامي منهج حياة وشريعة إلهية منبثقة من تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية.