احتفل العمال في مصر وفي مختلف دول العالم بعيدهم السنوي, الذي يوافق الأول من شهر مايو, والأعياد بصفة عامة تبعث البهجة والفرحة في النفوس, فهل يا تري سادت البهجة والفرحة قلوب العمال في مصر حينما احتفلوا بعيدهم؟. أغلب الظن أن كثيرا منهم يشكو. ولعل السبب في ذلك يرجع إلي عدم حصولهم علي كافة مطالبهم المشروعة بسبب أوضاع الفترة الانتقالية المرتبكة التي مرت بمصر منذ قيام ثورة25 يناير. ومن الإنصاف أن يعترف المجتمع بأن للعمال مطالب مشروعة يأتي علي قمتها التزام الدولة بالحد الأدني للأجور, وتوفير بيئة عمالية آمنة وصحية ومنتجة, هذا بالإضافة إلي مطالب أخري بوصفهم مواطنين مصريين تتمثل في فرص التعليم لأبنائهم والمسكن الملائم و الخدمات الصحية وغيرها. ومن الإنصاف أيضا أن ندرك جميعا والعمال من بيننا أن هذه المطالب الأساسية والمشروعة تحتاج إلي تمويل يأتي من زيادة الإنتاج والحرص علي تحسين المنتج الذي يستطيع أن ينافس في السوق العالمية فيزداد الدخل القومي, ومن خلاله يمكن تحقيق هذه المطالب وغيرها. ولكل من الدولة والعمال دور مهم لتحقيق تلك الغايات, فالدولة عليها أن تضع خطة استراتيجية في مجالات الصناعة والتجارة والزراعة وغيرها مع الاهتمام البالغ بالصناعات الثقيلة مثل الحديد والصلب ومجالات التعدين من بترول وغاز وسائر ما في باطن الأرض من ثروات معدنية, بالإضافة إلي صناعة الغزل والنسيج ومواد البناء, كما يجب أن تهتم الخطة بصناعات المواد الغذائية الرئيسية. ويرتبط الإنجاز في هذه الصناعات بالاستقلال الوطني حتي نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع ونبني مساكننا بمواد مصنعة من خامات أولية متوافرة في بلادنا, ثم نشرع بعد ذلك في التصدير إلي بلاد تحتاج هذه المنتجات في أوروبا وآسيا وإفريقيا وغيرها. وعلي الدولة أن تواجه ظاهرة السخرة التي يعاني منها بعض صغار العاملين( كما يحدث في محطات البنزين) لتضمن لهم ولأمثالهم أجرا مناسبا وتأمينات تنفعهم عند الكبر. أما العمال فمن الواجب أن يدركوا أن الوطن وطنهم, والازدهار حينما يتحقق فسيكونون من أوائل المستفيدين بعائداته, ولقد أثبت العمال عبر سنين طويلة حرصهم علي القلاع الصناعية المصرية ووقفوا في مواجهة مشروعات النهب والسرقة التي كانت تجري تحت مسمي الخصخصة, وحسنا فعل رئيس الجمهورية حينما صرح بأنه لا عودة مرة أخري إلي بيع القطاع العام وهذا من شأنه بث الطمأنينة في نفوس العمال فيقبلون علي الانتاج ويتصدون بأنفسهم لكل من يحاول التعطيل سواء بالإضرابات أو الاعتصامات, لأن الأولوية الآن للانتاج وليس لعرقلته, وللبناء وليس للتخريب, وهذا صوت أمير الشعراء أحمد شوقي ينطلق من قلب التاريخ القريب وينادي علي العمال قائلا: أين أنتم من جدود خلدوا هذا الترابا قلدوه الأثر المعجز والفن العجابا وكسوه أبد الدهر من الفخر ثيابا إن للمتقن عند الله والناس ثوابا أرضيتم أن تري مصر من المجد خرابا ؟ بعدما كانت سماء للصناعات وغابا وللقطاع الخاص مساهمات كبري شهدتها مصر عبر عقود طويلة, وهي تشكل الآن النسبة الكبري من سوق العمل, فالقطاع الخاص يستوعب حوالي25 مليونا من العمال والموظفين بينما يستوعب القطاع الحكومي نحو سبعة ملايين, وعلي ذلك يجب أن توجد رؤية واضحة لدي القطاع الخاص ليساهم في التنمية الحقيقية, ويساعد في ذلك أن تتولي الدولة بالتفاهم مع رجال الأعمال وضع الخطط التنموية التي تصب في صناعات نحتاج إليها, ويعمل القطاع الخاص علي استثمار امواله فيها بدلا من الاستثمارات في سلع لا تسمن ولا تغني من جوع. ومعلوم أن القطاع الخاص ينفق المليارات علي الدعاية والإعلان, ويمكنه توجيه جزء مهم من هذه الأموال إلي إنشاء مشروعات اجتماعية تعليمية وصحية وسكنية تحمل اسم الشركات الممولة, فيكون ذلك أفضل دعاية لمنتجات هذه الشركات ويمكن للدولة أيضا أن تشجع القطاع الخاص لإقامة مشروعات يستفيد منها العمال وأسرهم. وعندما يقوم كل طرف بأداء واجبه فإن العمال سيكونون كما كانوا دائما في طليعة المشاركين في الحضارة والتقدم, فالأجيال لا يمكن أن تنسي جهد العمال المصريين في حفر قناة السويس وبناء السد العالي وتشييد قلاع صناعية في كثير من المدن المصرية, بل امتد جهد العمال إلي آلاف السنين حيث شيدوا الحضارة الفرعونية( وبناة الأهرام كفوني الكلام عند التحدي). ويذكر التاريخ أيضا مشاركة العمال في الثورات المصرية, فقد شاركوا في ثورة1919, والتفوا حول ثورة يوليو1952, وقد مهدوا للثورة ضد النظام السابق حينما قام عمال المحلة الكبري بإضراب واسع النطاق عام2008, ومزقوا علي مرأي ومسمع من المصريين جميعا صور الرئيس السابق إيذانا بانتهاء هذا النظام الفاسد الذي سقط بالفعل في ثورة25 يناير2011. وإذا كان الحرص علي الوطن وتقدمه حافزا عظيما لكل العمال فإن هناك حافزا آخر استلهمته الأجيال جيلا وراء جيل وهو الحافز الديني الذي يضمن استقامة الدنيا وفوز الآخرة, وحسبنا قول ربنا عز وجل وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلي عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون( التوبة 105). ولقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : من أمسي كالا( متعبا) من عمل يده أمسي مغفورا له, ونختم بلفت الأنظار إلي هذا الارتباط بين العمل والعبادة في قوله- عز وجل-: فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون( الجمعة-10), وكلنا أمل أن يكون عمال مصر عند حسن ظن بلدهم بهم فيجمعون بين خيري الدنيا والآخرة بالأعمال المنتجة والأعمال الصالحة. فيا عمال مصر كل عام وأنتم بخير. لمزيد من مقالات د.حلمى الجزار