يرقد اقليم البرلس منهكا مريضا ظمآن كآخر نقطة في أرض مصر شمالا علي ساحل المتوسط. لمعاناته من ندرة ما يصل إليه من مياه النيل مما يضطر الحكومة إلي خلط المياه العذبة في بحر تيرة بمياه الصرف بأنواعه الثلاثة صحي وصناعي وزراعي من مصرف كتشنر بنسبة3:1 هذا المصرف الذي يحمل الموت في تدفقه من جنوب محافظة الغربية إلي شمال كفر الشيخ بطول58 كم في كميات لا تقل عن002 ألف متر مكعب يوميا تستخدم لري ما يقرب من052 ألف فدانا أغلبها في البرلس وأكثر من57 ألفا في غرب الدقهلية المجاورة لحدود كفر الشيخ خصوصا في مناطق حفير شهاب الدين رغم رضاء البشر قسرا علي الري بهذه المياه الملوثة وبعضهم يلجأ للري من مصرف كتشنر مباشرة إلا أن الكميات لا تكفي أيضا لقيام أصحاب مزارع الأسماك بسحبها إلي مزارعهم لكونهم أصحاب نفوذ ومساحات كبيرة من الأرض.. تحقيقات الأهرام انتقلت إلي البرلس شاهدة علي الافقار العمدي ببوار الأرض. والاهلاك البدني بأمراض الفشل الكلوي والكبدي وأورام الكبد الخبيثة التي كفر الشيخ تحتل المرتبة الأولي في نسبة المصابين به عالميا وهو ما يؤكده الدكتور محمد جلال مدير مركز أبحاث الكبد في كفر الشيخ مضيفا: نكتشف ما يقرب من02 حالة أورام خبيثة في الكبد يوميا بالمصادفة أثناء توافد المرضي للعلاج أو المتابعة العلاجية لمرضي فيروسي سي و بي. ولذلك فقد اختير المركز ضمن ثلاثة مراكز فقط في مصر للاستقصاء عن الأورام الخبيثة بالكبد منهم ما لا يقل عن03% من أبناء إقليم البرلس مع الأخذ في الاعتبار أن مرضي هذا الاقليم يتفرقون علي الاسكندرية والمنصورة وبذلك فإن ارتفاع نسبة الاصابة بالأورام الخبيثة في الكبد مؤكدة فضلا عن انتشار التهاب الكبد الوبائي س. وبي وزيادة حالات الفشل الكلوي والكبدي. ما السبب؟! إنها الأرض والماء.. والزراعات. والأسماك الملوثة حسب البيانات الرسمية من مركز معلومات مدينة بلطيم فإن المساحات المنزرعة بالبرلس تزيد علي041 ألف فدان تمثل زراعة الخضر والفاكهة فيها ما يقرب من51% أهمها الخيار والجوافة والمانجو. فضلا عن الحاصلات التقليدية. والمقنن المائي الذي تعتبره وزارة الري وموظفوها سرا حربيا. لا يكفي لري ربع هذه الكمية حسب استقصاء الأهرام من عدد الترع وكميات الخلط مع ماء الصرف. تجولت الأهرام بصحبة المهندس رضا عميرة في منطقة شرق البرلس في قري جمعية الزهراء للخريجين حيث مياه الترع يميزها لونان الأسود والأخضر نتيجة غلبة كميات الصرف.. ذات رائحة عفنة. تسبب للمزارع حكة شديدة في قدميه ويديه عندما تضطره ظروف عمله للنزول فيها. يقول الفلاحون: ليست هذه هي المشكلة إنما المصيبة هي عدم كفاية هذه المياه للري. المهندس صبحي كمال مدير جمعية قرية الدعاء للخريجين يقول: تعاني أراضينا خصوصا في الصيف من نقص المياه بشكل حاد مما أدي إلي بوار أكثر من06% من أراضي منطقة الزهرة والتي يبلغ زمامها51 ألف فدان بسبب نقص المياه في ترع أبو دخان والحماد والشيخة والمعدية و75 بسبب قيام أصحاب المزارع السمكية في زمام محافظة الدقهلية عند حاجز52 خصوصا أصحاب الأراضي في جمعيتي السلام والعدالة الذين قاموا بوضع مواسير قطر021 سم لسحب المياه فتروي مزارعهم وتعطش أراضينا. وكذلك أحدثوا4 فتحات كبيرة في ترعة الشيخة المغذية لأرض قرية الدعاء التي تأثرت بنهب07% من المياه المفروضة لها رغم اننا يقول عبد المنعم عبد العزيز شقرا قبلنا الري بها رغم كونها مياه صرف. ولذلك فلا تنبت في أغلب أراضينا الزراعة إلا في الشتاء. وإذا جازف أحدنا بالزراعة صيفا يضطر لحرثها بعد شهر لعدم وصول المياه إليها, المهندس عيد السيد محمد عيسي يقول: الصيف الماضي توجهنا إلي وزارة الري بالشكوي بعد التجمهر ووعدونا خيرا. ولكن المياه في نقصان دائم رغم اننا رضينا ب الصرف والصرف مارضيش بينا فتسرقه مزارع لواءات الشرطة ومستشاري القضاء السمكية علي ترعة الشيخة وحدد لنا خريجو ومنتفعو قرية الدعاء أسماء عدد من أصحاب هذه المزارع ذات المساحات التي تبدأ في المزرعة الواحدة من56 فدانا وتصل مساحة بعضها إلي052 فدانا. ولذلك يطالب صبري محمد إبراهيم. وصالح الشبراوي والديب عبد الله نيابة عن خريجي ومنتفعي منطقة الزهراء. بغلق جميع الفتحات المخالفة المأخوذة من ترعة الشيخة إلي بر الدقهلية وعددها4 فتحات الواحدة منها تصريفها أكثر مما يصل إلي قرية الدعاء. إبراهيم رجب ومصطفي علام يؤكدان أن جمعيات الأمل والعدالة والبساتين والوفاء والسلام( من زمام الدقهلية) تروي أراضيها ومزارعها السمكية من مياه كفر الشيخ مستغلة مرور الترع منها ومن جوارها. ويقول رمضان سعد محمد وحاتم صابر إنهم جميعا تقدموا بعدة شكاوي إلي جميع الجهات المعنية وحرروا محاضر في أقسام الشرطة التي عاين رجالها مواطن الشكوي. وصدرت من النيابة العامة قرارات بإزالة هذه الفتحات وغلق المواسير. إلا أن قرارا لم ينفذ. فضلا عن تهديدنا من قبل بلطجية أصحاب المزارع بالضرب والقتل وكثيرا ما أطلقت علينا رصاصات التهديد. والسؤال الذي يطرحه علي شاكر المحامي هل تنتظر الحكومة أن تقوم حرب بين مزارعي كفر الشيخ المعدمين وأصحاب المزارع السمكية في الدقهلية؟!.. فالمقنن المائي يحسب ويحدد بناء علي برنامج التوافق بين الطلب علي المياه والامداد بها بناء علي نوعيات المحاصيل.. هكذا يقول خبراء الري ولكن واقع الحال يختلف.. يرد فلاحو البرلس: اللي خد الميه وداها سينا مش هايعرف يجيبها لنا في البرلس؟! يقول حمادة أبو علي: في منطقة العياش الغربي نشفت المية والزرع اتحرق ونروي الخيار والطماطم من كتشنر ويؤكد أشرف الطبجي أن الانتاج في الصيف يتراجع في بلطيم في محصولي المانجو والجوافة بنسبة57% لعدم وصول المياه التي تسرقها المزارع السمكية مما يؤدي إلي معاناة الفلاحين المتكررة منذ عدة سنوات. لذلك لا تكفي نوبات الري التي تحددها وزارة الري من خلال مهندسيها المسئولين, والمشكلة تطول ثروة الفلاحين من الماشية التي ينفق بعضها بسبب ملوحة وتلوث المياه التي تشرب منها. المصيبة التي تنتج عن الزراعة بانتقال ما تحمله مياه كتشنر من عناصر ثقيلة كما يقول الدكتور محب عطية مثل الرصاص والنحاس والكادميوم والكوبالت والنيكل والماغنسيوم والزرنيخ وغيرها من المواد السامة لا يمكن التخلص منها لا بالفلترة والمعالجة في محطات الشرب, ولا بالغلي بالنسبة للأسماك والمأكولات لزيادة نسبة التلوث من مياه كتشنر التي تصب فيه مصانع المحلة ومصنع بنجر السكر بالحامول, فضلا عن الصرف الصحي للغربية وكفر الشيخ وتخلط مياهه مع ماء النيل في بحر تيرة مما أدي إلي زيادة أمراض الفشل الكلوي وسرطان الكبد. المصيبة أنه لا يمكن الاستغناء عنه لاستخدامه في تعويض نقص مياه الري نتيجة عدم وجود حلول جذرية لمد الزراعات بما تحتاجه لزراعتها رغم قرب فرعي دمياط ورشيد ومن أحدهما يمكن مد ترعة حلوه إلي خط الساحل الشمالي في كفر الشيخ.. ونتيجة تراكم العناصر الثقيلة والسامة في كبد الإنسان بتناول الأسماك التي تتغذي في هذه المزارع علي الأعشاب التي تنمو علي المواد السامة تؤدي إلي حد السمية فتؤثر في الكبد والكلي وهي أمراض استوطنت بصورة كبيرة في إقليم البرلس. وهو ما يؤكده الدكتور محمد جلال مدير معهد الكبد بكفر الشيخ مضيفا أن زيادة معدلات الأسمدة والمبيدات الزراعية ساهم في انتشار سرطان الكبد واجمالا فإن كفر الشيخ وصلت فيها نسبة الاصابة بالفيروسات الكبدية إلي02% وهي أعلي نسبة في مصر التي تمثل الأولي في العالم بهذه الأمراض.. وينتشر في البرلس الفشل الكلوي ولا تكمن المسببات في المياه الملوثة بالصرف فقط ولا بإستخدام الأسمدة والمبيدات فحسب, ولكن لاستخدام المبيدات والكيماويات بنسب كبيرة جدا تفوق حاجة النباتات. لاضطرار الفلاح إلي الاكثار منها لرش محاصيله كما يقول المهندس رضا عميرة بزيادة وبصورة متكررة نظرا للتأثير السلبي للمياه الملوثة وزيادة الأملاح الذائبة بنسبة تزيد عن0052 جزء في المليون وارتفاع قلوية المياه إلي01,5B.H مما يحيل المبيد إلي وسط قلوي فتفسد التركيبة فيهلك الزرع بعد أن يستنزف مال الفلاح في شراء المبيدات. يضيف المهندس رضا عمير أن ملوحة المياه التي تنزل بالخلط مع المياه العذبة إلي0091 جزء في المليون تكون أيضا مؤثرة سلبيا علي الزراعة التي لا تحتمل أكثر من005 جزء وهو ما يسبب الجفاف الفسيولوجي لجذور النباتات فيختنق ولا يمتص الماء والغذاء وهي مشكلة تحتاج إلي مواجهة حقيقية بتوفير مياه عذبة. وتجريم المزارع السمكية التي يستهلك الفدان منها يوميا3 آلاف متر يمكن بها ري001 فدان محاصيل زراعية, وبذلك فإن مساحتها التي تزيد علي ثلاثة آلاف فدان تستهلك9 ملايين متر مكعب يوميا. وهكذا فإن نهايات الأرض في مصر علي ساحل المتوسط مليئة بالمصائب والأمراض وتحتاج إلي حلولا جذرية أهمها منع الري سواء في المحاصيل أو مزارع الأسماك بمياه مصرف كتشنر, فكيف توافق حكومة في العالم علي إشاعة الأمراض في أكباد وكلي مواطنيها. فإن كان ذلك صاحبه الصمت لسنوات طويلة في العهد السابق فهل ستنقذ ثورة52 يناير أجساد أبناء مصر من السرطان والفشل الكلوي والكبدي؟!.