لم يحاكم مبارك ومسئولو عهده الذين كونوا في السجون بعد الثورة ما أسميه جمهورية طرة, عن جرائم سياسية ارتكبوها أو بموجب قوانين خاصة اقتضتها الثورة, ولكنهم حوكموا عن جرائم جنائية وحسب القوانين العادية التي تسري علي أي مواطن. وفي ضوء ذلك كان طبيعيا بل حتما إخلاء سبيل مبارك في قضية قتل المتظاهرين. وقد غضب البعض لهذا الحكم لدرجة قول بعضهم إن مبارك أحيل بحكم من الشعب لايجوز نقضه ولا يجوز التعامل معه بالقوانين السارية. وهذا كلام لا يقره مشتغل بالقانون لأنه يعني أن القاضي يشرع ولا يطبق القانون. لم يقرأ الذين تحججوا بالغضب من حكم إخلاء سبيل مبارك, حيثيات المحكمة والتي قبل أن تصدره سألت النيابة العامة الممثلة للمستشار طلعت عبد الله النائب العام الذي عينه الرئيس مرسي عن رأيها, فأجاب ممثل النيابة بأنها تفوض الأمر للمحكمة لكن رئيس المحكمة عاد وسأل: هل تمانع النيابة في قرار إخلاء سبيل المتهم؟ وجاءه الرد واضحا بعدم الممانعة. ولهذا قالت المحكمة في حيثياتها إن الأمر بالإفراج عن المتهم وإنهاء حبسه احتياطيا بات حقا مكتسبا للمتهم بقوة القانون ولا يعد قرار المحكمة في هذا الصدد إلا كاشفا عن حق تولد بقوة القانون بما يغل يد المحكمة عن استخدام سلطاتها التقديرية أو مراعاة اعتبارات الملاءمة وحسن التقدير بشأن النظر في موجبات الحبس الاحتياطي ومدي توافرها كما حددها القانون. ولم تكتف المحكمة بذلك بل إنها أنهت حيثياتها بمطالبة المشرع بالتدخل لتنقية النصوص الجنائية الإجرائية التي وضعت في الظروف العادية وباتت لا تتناسب مع الحالة التي تمر بها البلاد بما يوفر للقضاء آلية تمكنه من تحقيق رغبات الشعب في العدالة المنصفة, فهل بعد هذا يمكن اتهام القضاء بالفساد وشطب ثلاثة آلاف من كبار أعضائه مرة احدة بحجة تطهير القضاء ؟ في مذبحة عبد الناصر كان كل عدد الذين استبعدوا لا يتجاز130 قاضيا ارتج التاريخ لاستبعادهم ولم يسامح عبد الناصر, واليوم بمنتهي البرود وبسكين السن يريدون ذبح ثلاثة آلاف قاض يمثلون ربع عدد جميع القضاة ؟! [email protected] لمزيد من مقالات صلاح منتصر