طرحت ثورات الربيع العربي وفي مقدمتها ثورة25 يناير قضية الانتقال من النظم السلطوية إلي نظم ديمقراطية. ولكن عملية التحول الديمقراطي لاتزال تواجه عقبات تحول دون استكمالها علي النحو الذي تنشده الشعوب العربية وهي مسألة موروثة من العهود السابقة التي كانت تحرص علي محاصرة اي مظاهر تساعد علي التحول الديمقراطي مما كان له آثار سلبية علي قدرة الشعوب العربية علي مواجهة تحديات عديدة في المجالات الاقتصاديه والاجتماعيه والثقافيه وفي القضيه الوطنيه وهو ما يمكن توضيحه من العرض التالي, فقد واجهت الأمة العربية العديد من التحديات والمخاطر الداخلية والخارجية, و اتسعت ساحة المواجهة لتشمل الوطن العربي بأكمله وتتجاوزه إلي آفاق إقليمية وعالمية, فهناك تحديات التنمية والتحديث والتحول الديمقراطي واشاعة العقلانية, بالاضافة إلي مخاطر الوجود الصهيوني التوسعي, والهيمنة الأمريكية, والتهميش المتزايد للأقطار العربية في ظل العلاقات الدولية الاقتصادية والسياسية المعاصرة. ورغم أن طبيعة هذه التحديات والمخاطر تتطلب أوسع تعبئة ممكنة للشعوب العربية كطرف أساسي في المواجهة, وقيامها بدور فعال في صياغة سياسات المواجهة وتحديد أولوياتها, ألا أن الحكومات العربية انفردت بإدارة هذه المواجهة ولم تتمكن الشعوب من القيام بدور أساسي فيها رغم ما تتحمله هذه الشعوب من أعباء وما تقدمه من تضحيات في مواجهة هذه التحديات والمخاطر, وقد دفعت الشعوب العربية ثمنا باهظا وتحملت نتائج المواجهة من خلال المعاناة الاقتصادية والتقشف الذي وصل درجة كبيرة من الحرمان, وقدمت عشرات الألوف من الشهداء. إلي ولم يكن هناك مبرر معقول لأن تتحمل الشعوب هذه المعاناة وتقدم هذه التضحيات بينما هي محرومة من المشاركة في تحديد أهداف المواجهة وأبعادها وأولوياتها, خاصة بعد أن أثبتت التجربة علي مدار سنوات طويلة تزيد علي نصف قرن فشل الحكومات في خوض معارك التنمية والتحديث والعقلانية والديمقراطية والصراع العربي الصهيوني بكفاءة لأنها أدارت المواجهة في حدود مصالحها الخاصة, واستبعدت من المواجهة القوي الشعبية حتي لا تتجاوزها هذه القوي في اللحظات الحرجة من الصراع, ويعتبر غياب المشاركة الشعبية الفعالة هو الجذر الأساسي لفشل الوطن العربي في مواجهة هذه التحديات بكفاءة. ولهذا فإننا نلاحظ أن المناقشات الدائرة منذ سنوات بين المفكرين والقوي السياسية العربية حول المأزق العربي الراهن تجمع كلها علي أن الديمقراطية هي المخرج الأساسي للشعوب العربية مما تعانيه حاليا من مشكلات وأزمات, فلا يمكن بدون الديمقراطية الحديث عن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية, أو التطلع إلي تحديث حقيقي للمجتمع, أو توفير العدالة الاجتماعية, أو تعميق المشاركة الشعبية, أو الحد من مخاطر الوجود الصهيوني والهيمنة الأمريكية, ورغم الجهود المضنية والتضحيات الكبيرة والمعاناة الشديدة فإن آمال العرب تحطمت أكثر من مرة علي صخرة الاستبداد والحكم الفردي. وقد اختلفت النظرة إلي الديمقراطية باختلاف المواقع الأيديولوجية, وتعددت المسميات بين ديمقراطية بورجوزاية وديمقراطية اشتراكية وديمقراطية شعبية وديمقراطية اجتماعية إلا أننا نفضل أن نتناول الديمقراطية وفق مفهوم اجرائي يراها كما تحققت في حدها الأدني باعتبارها صيغة لإدارة الخلاف والصراع في المجتمع الطبقي بوسائل سلمية, من خلال قواعد وأسس متفق عليها سلفا بين جميع الأطراف تضمن تداول السلطة بين الجميع من خلال انتخابات حرة ونزيهة. ويشترط لتحقيق هذه الصيغة الديمقراطية توافر المقومات الأساسية التالية: إقرار الحقوق والحريات السياسية والمدنية. والاعتراف بالتعددية السياسية في المجتمع بكل ما يترتب عليه من نتائج, وإقرار مبدأ سيادة القانون, ودولة المؤسسات, واستقلال السلطة القضائية.وتداول السلطة من خلال انتخابات دورية حرة تجسد نتائجها إرادة الناخبين. وقد أثبتت التجربة أن تطوير مفهوم سليم للديمقراطية يتطلب بالاضافة إلي هذه المقومات التأكيد علي الحقائق التالية: - لا تتحقق الديمقراطية السياسية ما لم تتحقق الديمقراطية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي ايضا. ومن الأهمية تجاوز البرلمانية التمثيلية إلي صور من الديمقراطية المباشرة لتوسيع نطاق المشاركة الشعبية لكل فئات الشعب, وهو ما يمكن أن يتحقق من خلال تشكيل مجالس لإدارة وحدات الخدمات يشارك فيها المستفيدون من هذه الخدمات, ومجالس لإدارة وحدات الإنتاج يشارك فيها ممثلون للعاملين فيها. كما أن غياب أي تعبير مستقل من جانب القوي الاجتماعية إزاء سلطة الدولة يجعل أي حديث عن الديمقراطية بدون معني, لأن الديمقراطية تصبح مستحيلة في هذه الظروف. ولا يمكن السير بنجاح علي طريق التطور الديمقراطي بدون النجاح في تحقيق تطور ثقافي يدعو إلي قيم تخدم هذا التطور الديمقراطي, وبصفة خاصة قيم التسامح والحوار واحترام الآخر والتنافس السلمي والتعاون. أضف إلي ذلك أهمية قيام حكم محلي ديمقراطي حقيقي يقوم علي انتخاب المجالس المحلية ورؤسائها علي كل المستويات. - حرية وتعددية وسائل الاعلام, فمن حق المواطن أن يعرف حقائق الأمور وأن يتابع اختلاف الآراء حول القضايا المختلفة باعتبار حرية تدفق المعلومات من مصادر متعددة شرطا أساسيا لكي يشارك المواطنون فعلا في صنع القرارات والاختيار من بين البدائل المطروحة عليهم. علاوة علي تبني مفهوم جديد للتنمية يقوم علي التنمية للشعب بالشعب وتوفير ضرورات الحياة للمواطنين. وإذا كانت هذه هي المقومات الأساسية للديمقراطية كما يراها الكثيرون في الوقت الحالي فإن الحاجة إلي تطوير مفهوم الديمقراطية ستظل قائمة, ولكن يبقي جوهرها واحدا هو أن يشارك الشعب في اختيار حكامه, وأن يكون له الدور الأساسي في القرار السياسي, وستبقي الديمقراطية دائما المدخل الحقيقي لأي تطوير سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي حقيقي ينتقل بالمجتمعات العربية إلي آفاق أرحب تمكنها من المحافظة علي وجودها وحماية مصالحها. لمزيد من مقالات عبدالغفار شكر