14 قتيلا حصيلة ضحايا انهيار مبنى سكني في روسيا    وزير التعليم: طلاب المدارس الفنية محجوزين للعمل قبل التخرج    من بينهم مصطفى عسل، رجال مصر يتألقون ببطولة العالم للإسكواش    بعد بيلوسوف.. أبرز تغييرات بوتين في القيادة العسكرية الروسية    طقس اليوم الإثنين.. الأرصاد: رياح وأمطار على هذه المناطق    اليوم، محاكمة 57 متهما بقضية اللجان النوعية للإخوان    بالصور.. نائب القاهرة للمنطقة الجنوبية تكشف تفاصيل تطوير مسجد السيدة زينب    استعداد المستثمرين لدعم رؤية الحكومة في زيادة أعداد السياح وتحفيز القطاع السياحي    10 معلومات عن السيارات الكهربائية.. مقرر طرحها للاستخدام خلال ساعات    بعد تعيينها بقرار جمهوري.. تفاصيل توجيهات رئيس جامعة القاهرة لعميدة التمريض    أزهري يرد على تصريحات إسلام بحيري: أي دين يتحدثون عنه؟    وكيل «خارجية الشيوخ»: مصر داعية للسلام وعنصر متوازن في النزاعات الإقليمية    وزير التعليم: هناك آلية لدى الوزارة لتعيين المعلمين الجدد    قرار عاجل من اتحاد الكرة بسبب أزمة الشحات والشيبي    «اللاعبين كانوا مخضوضين».. أول تعليق من حسين لبيب على خسارة الزمالك أمام نهضة بركان    تدريبات خاصة للاعبي الزمالك البدلاء والمستبعدين أمام نهضة بركان    خطأين للحكم.. أول تعليق من «كاف» على ركلة جزاء نهضة بركان أمام الزمالك    مفاجأة.. نجم الزمالك يكشف مكسب الفريق في مباراة نهضة بركان    رسميا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 13 مايو بعد انخفاضه في 7 بنوك    زيادة جديدة.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 13 مايو 2024 في المصانع والأسواق    البيضاء تواصل انخفاضها.. أسعار الدواجن والبيض اليوم الإثنين 13 مايو في البورصة والأسواق    حدث ليلا| زيادة كبيرة في أراضي الاستصلاح الزراعي.. وتشغيل مترو جامعة القاهرة قبل افتتاحه    مرتديا النقاب.. سيدة تستعين بشاب للشروع لضرب صاحب سوبر ماركت في الوراق    مدحت العدل: أنا مش محتكر نيللي كريم أو يسرا    افتتاح مسجد السيدة زينب.. لحظة تاريخية تجسد التراث الديني والثقافي في مصر    لا أستطيع الوفاء بالنذر.. ماذا أفعل؟.. الإفتاء توضح الكفارة    دعاء في جوف الليل: اللهم إنا نسألك أن تستجيب دعواتنا وتحقق رغباتنا وتقضي حوائجنا    «من حقك تعرف».. هل المطلقة لها الحق في نفقة العدة قبل الدخول بها؟    منها تخفيف الغازات والانتفاخ.. فوائد مذهلة لمضغ القرنفل (تعرف عليها)    سر قرمشة ولون السمك الذهبي.. «هتعمليه زي المحلات»    «الإفتاء» تستعد لإعلان موعد عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات قريبًا    العدو يحرق جباليا بالتزامن مع اجتياج رفح .. وتصد بعمليات نوعية للمقاومة    أمير عزمي: نهضة بركان سيلجأ للدفاع بقوة أمام الزمالك في الإياب    سيرين خاص: مسلسل "مليحة" أظهر معاناة الشعب الفلسطيني والدعم المصري الكبير للقضية    مسلسل لعبة حب الحلقة 24، فريدة تعلن انتهاء اتفاقها مع سما    قصواء الخلالي تدق ناقوس الخطر: ملف اللاجئين أصبح قضية وطن    استثمار الذكاء الاصطناعي.. تحول العالم نحو المستقبل    كاميرون: نشر القوات البريطانية في غزة من أجل توزيع المساعدات ليس خطوة جيدة    المصريين الأحرار يُشيد بموقف مصر الداعم للشعب الفلسطيني أمام محكمة العدل الدولية    روسيا: إسقاط 14 صاروخا من طراز "أولخا" و"فامبير" فوق بيلجورود    رئيس الوزراء الإسباني يشيد بفوز الإشتراكيين في إنتخابات كتالونيا    وكيل صحة الإسماعيلية تتفقد مستشفى الحميات وتوجِّة باستكمال العيادات (صور)    مستقبل وطن بأشمون يكرم العمال في عيدهم | صور    طلاب آداب القاهرة يناقشون كتاب «سيمفونية الحجارة» ضمن مشروعات التخرج    أربع سيدات يطلقن أعيرة نارية على أفراد أسرة بقنا    رئيس مجلس الأعمال المصري الماليزي: مصر بها فرص واعدة للاستثمار    الكشف على 1328 شخصاً في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    وقوع حادث تصادم بين سيارتين ملاكي وأخرى ربع نقل بميدان الحصري في 6 أكتوبر    نقابة الصحفيين: قرار منع تصوير الجنازات مخالف للدستور.. والشخصية العامة ملك للمجتمع    ليس الوداع الأفضل.. مبابي يسجل ويخسر مع باريس في آخر ليلة بحديقة الأمراء    وفاة أول رجل خضع لعملية زراعة كلية من خنزير    وزيرة الهجرة تبحث استعدادات المؤتمرالخامس للمصريين بالخارج    حظك اليوم برج العذراء الاثنين 13-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. لا تعاند رئيسك    عمرو أديب يعلن مناظرة بين إسلام البحيري وعبدالله رشدي (فيديو)    رئيس جامعة المنوفية يعقد لقاءً مفتوحاً مع أعضاء هيئة التدريس    الأعلى للصوفية: اهتمام الرئيس بمساجد آل البيت رسالة بأن مصر دولة وسطية    أمين الفتوى: سيطرة الأم على بنتها يؤثر على الثقة والمحبة بينهما    منها إطلاق مبادرة المدرب الوطني.. أجندة مزدحمة على طاولة «رياضة الشيوخ» اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السيدة زينب..
سايقة عليك النبي
نشر في الأهرام اليومي يوم 20 - 04 - 2013

اللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آل سيدنا محمد وعلي أصحاب سيدنا محمد وعلي أنصار سيدنا محمد وعلي أزواج سيدنا محمد وعلي ذرية سيدنا محمد وسلم تسليما كثيرا..
نصلي ونسلم علي آل البيت ونحب رسول الله لحب الله له ونحب أهل بيته لحبه لهم: أحبوا الله ما يغذوكم به من نعمة وأحبوني بحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي.. وتحملنا صلاتنا علي آل البيت لركب النجاة مصداقا لقول المصطفي: مثل أهل البيت مثل سفينة نوح من ركبها نجا, ومن تخلف عليها غرق.. وننشد مع الإمام الشافعي:
يا آل رسول الله حبكمو
فرض من الله في القرآن أنزله
يكفيكمو من عظيم الفخر أنكموا
من لم يصل عليكم لا صلاة له
وينزل قوله تعالي: إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما فيسأله صحابته: علمنا يا رسول كيف نسلم عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل علي محمد وعلي آل محمدب.. ومع سورة الشوري التي تدعو إلي إكرام النبي في أهل بيته: ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي.. ويسألون: يا رسول الله من أقاربك الذين أمرنا بمودتهم؟ فقال: هم علي وفاطمة وأبناؤهما.. الحسن والحسين, وثالث لم يقدر له أن يعيش محسن الذي اسماه رسول الله وهو لم يزل جنينا في بطن أمه, وأم كلثوم.. وزينب.. السيدة التي ما أن يقال لقبها الست حتي ينصرف الذهن لها وحدها: السيدة زينب.. مدد يا أم هاشم.. نظرة يا أم العواجز.. شقيقة القمر بنت الإمام شمس الضحي وكريمة الدارين رئيسة الديوان راية النصر علم الإسلام أخت الشريفين بنت الكريمين الأم الرءوم العقيلة صاحبة الشوري.. زينب بنت علي بن أبي طالب وأخت الحسن والحسين..
منذ مولدها سنة6 ه حتي بلوغها الخامسة كانت تنعم بما لم تظفر به ابنة أخري, فمولدها ومنبتها في بيت النبوة وأمها الزهراء فاطمة أحب أبناء الرسول إليه التي كتب لها أن تكون وحدها أما لدوحة الأشراف من آل البيت, وأبوها علي بن أبي طالب الفارس أمير البيان ابن عم النبي ووصيه وأول من آمن به صبيا, وفتي قريش شجاعة وعلما وتقي.. فاطمة وعلي الزوجان اللذان مسح المصطفي بماء وضوئه علي رأسيهما ودعا لهما قائلا: بارك الله فيكما وعليكما وأخرج منكما الكثير الطيب وجعل ذريتكما مصابيح الرحمة ومعادن الحكمة وأمن الأمة.. و..قبل هذا وذاك فجدها لأمها هو نبي الله صاحب الرسالة المحمدية من اختار لها اسم زينب تخليدا لذكري ابنته الراحلة زينب أولي ذريته متأثرة بحادث وقع لها حين هاجرت من مكة إلي المدينة بعد غزوة بدر, حيث لاقاها أحد المشركين فنخسها في بطنها وكانت حاملا فأسقط حملها.. زينب التي افتدت زوجها أبي العاص بن ربيع أسير بدر بقلادة أمها خديجة التي أهدتها لها يوم عرسها, فما أن رآها الرسول صلي الله عليه وسلم حتي خفق قلبه للذكري العطرة واستشار المسلمين حوله: إن أردتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها ما لها فافعلوا, فأجابوا جميعا: نعم يا رسول الله فأدني المصطفي إليه صهره فأسر إليه كلمات فحني أبو العاص رأسه إيجابا للموقف الصعب.. لابد وأن يرد للرسول ابنته, فالإسلام قد فرق بينه وبينها.. ويسلم أبي العاص في السنة السابعة من الهجرة وترحل السيدة زينب في مستهل السنة الثامنة متأثرة بعلتها منذ طرحت جنينها علي أديم الصحراء, وتترك من بعدها ابنيها الصغيرين علي وإمامة حيث احتضن المصطفي حفيده عليا وأردفه راحلته يوم فتح مكة, وكان يأنس لإمامة الحفيدة ويهش لها, وفي الصحيحين أنه كان يحملها علي عاتقه ويصلي بها فإذا ما سجد وضعها حتي يقضي صلاته ثم يعود لحملها..
ماتت زينب الابنة البكرية لتبقي لوعة الحزن في قلب سيد البشر حتي إذا ما أنجبت أختها فاطمة الزهراء ابنتها الأولي سماها زينب من جديد.. جدتها لأمها خديجة بنت خويلد أولي أمهات المؤمنين وأقرب زوجات النبي إليه حية وميتة التي انفردت بحبه خمسا وعشرين عاما لا تشاركها فيه أخري وكانت وحدها الملاذ الذي أشاع الثقة في المراحل الأولي للعقيدة التي يدين بها اليوم واحد من كل ستة من سكان العالم.. و.. جد زينب لأبيها هو أبو طالب عم الرسول الذي أصغي إليه يقول: اوالله يا عمي لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري علي أن أترك هذا الأمر ما تركته حتي يظهره الله أو أهلك دونه, فيأخذ الشيخ بيد صاحب الرسالة حانيا متأثرا قائلا: اذهب وقل ما أحببت.. ويسلم ابنه جعفر شبيه الرسول الذي قال له: يا جعفر أشبه خلقك خلقي وخلقك خلقي من بعد أخيه علي فلا يغضب أبو طالب بل إنه عندما رأي النبي يصلي وعلي يمينه علي قال لابنه جعفر: يا بني صل جناح ابن عمك وصل عن يساره.. و.. جدتها لأبيها فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف التي أسلمت وأوصت الرسول بالصلاة عليها حين تحضرها الوفاة فنفذ وصيتها وألبسها قميصه ونزل يضطجع في قبرها ليسأله أصحابه ما رأيناك صنعت بأحد ما صنعت ببنت أسد فقال: لم يكن أحد بعد أبي طالب أبر بي منها وقد ألبستها قميصي لتكسي من حلل الجنة.. و.. جد زينب الأكبر لأبويها علي وفاطمة هو عبدالمطلب بن هاشم من انتقل إليه شرف ميراث حراسة الكعبة وسقاية الحجيج.. هذه زينب وذاك نسبها وآلها ومجدها وشرفها.
انحني النبي الكريم علي حفيدته الوليدة يضمها إلي صدره الشريف يقبلها بقلب حزين وعينين دامعتين عالما بما ينتظرها من آلام وهموم قادمة من وراء الحجب السوداء مثقلة بالأحداث الجسام.. وتسأله أمها فاطمة عن دموعه فيجيبها رسول الرحمة: هذه البنت ستبلي بمصائب شتي.. ويروي الإمام أحمد بن حنبل في مسنده أن جبريل عليه السلام أخبر الرسول بمصرع الحسين وآل بيته في كربلاء عند ولادة السيدة زينب, ويروي أن سلمان الفارسي عندما أقبل يهنئ عليا بوليدته رأه حزينا يتحدث عما سوف تلقاه ابنته من بعده, وفي الكامل لابن الأثير أن الرسول أعطي لزوجته أم سلمة ترابا حمله له جبريل من التربة التي سيراق فوقها دم الحسين قائلا لها: إذا صار هذا التراب دما فقد قتل الحسين.. وبقي التراب ترابا سنينا في قارورته لتنظر إليه أم سلمة يوما فإذا به قد صار دما فتعلم بأن الحسين قد قتل فتهرع لتذيع النبأ.
تبدأ مسيرة الأحزان بموت خاتم الأنبياء لتعيش زينب الصغيرة مواقع وأصداء الحدث الجلل عندما يغسل الجسد الطاهر ويطيب بالمسك ويكفن بأثواب ثلاثة ويؤذن للناس فيدخلون جماعات لتوديع أعز الراحلين ليثوي بعدها في غرفة عائشة, وتصغي زينب لعويل الباكيات فتبكي كالأخريات في خضم الأحزان, وتصغي لصياح عمر بن الخطاب فتنصت ذاهلة: إن محمدا لم يمت ووالله ليرجعن كما يرجع عيسي وتتوقف مشدوهة أمام حسم الجانب الآخر عندما يصيح أبوبكر إزاء الإصرار اللامجدي: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.. وتمضي الأيام مثقلة بأتراحها وزينب إلي جوار أم لا يجف لها دمع حتي ضربوا بها المثل في الحزن لتكون أحد الخمسة البكائين في التاريخ: بكي آدم ندما, وبكي نوح قومه, وبكي يعقوب ابنه يوسف وبكي يحيي خوف النار.. وبكت فاطمة آباها.. ويستأذن أنس بن مالك في الدخول إليها يرجوها رفقا بنفسها وصبرا جميلا فتجيبه بسؤالها: كيف مكنك قلبك أن تسلم للأرض جثة رسول الله؟!!.. وتستشعر زينب علي حداثة سنها بتأثير الخطب الفادح علي أمها فيشتد قلقها عليها لا تتركها لحظة تتابع تهجدها وتركع بركوعها وتسجد بسجودها وتدعو بدعائها و.. تدرك رحمة الله فاطمة فتلحق بأبيها وهي لم تزل في التاسعة والعشرين بعد ثلاثة أشهر فقط كما تنبأ لها الرسول بأنها ستكون أول من يلحق به بعد مماته.. تفقد ابنة العاشرة أمها لتسمع أباها عليا يرثيها مودعا أمام قبرها في ثري البقيع: إنا لله وإنا إليه راجعون فلقد استرجعت الوديعة وأخذت الرهينة, أما حزني فسرمدي, وأما ليلي فمسهد, وإني لأنصرف لا عن ملالة, وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين.. و.. تفد علي الدار من بعد فاطمة عدة زوجات لأبيها علي بن أبي طالب.. أم البنين بنت حزام العامري التي أنجبت العباس, وجعفر, وعبدالله, وعثمان.. وليلي بنت مسعود بن خالد النهشلي التميمي التي أنجبت عبيدالله وأبا بكر.. وأسماء بنت عميس, وقد ولدت محمدا الأصغر, ويحيي.. والصهباء بنت ربيعة التغلبية وولدت عمر, ورقية.. وأمامة بنت أبي العاص بن الربيع التي أنجبت محمد الأوسط.. وأم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفية وقد ولدت أم الحسن ورملة الكبري.. والمحياة بنت امرئ القيس بن عدي الكلبية التي لم تلد سوي ابنة ماتت في مهدها. وكان علي في مستهل حياته الزوجية عندما كانت فاطمة لم تألف بعد صرامته, ولم يكن هو قد درب نفسه علي احتمال أحزانها لفقد أمها خديجة وفراقها لبيت الصبا في كنف النبي الأب قد أبدي رغبته في خطبة بنت عمرو بن هشام بن مغيرة المخزومي علي فاطمة التي أعلنت غضبها وغضب لها أبوها رسول الله صلي الله عليه وسلم منكرا أن يجمع بيت علي بين بنت رسول الله وبنت عدو الله, فعمرو بن هشام هو( أبوجهل) الذي لم ينس النبي والذين آمنوا معه ما لا قوه من شدة وطأته وخبث عداوته للإسلام, وهو الذي وقف بباب أبي بكر بعد هجرة الرسول يسأل عنه ابنته أسماء فما أن أجابته بلا أعلم حتي رفع يده ليلطم خدها لطمة طرحتها.. وتنقشع السحابة ويتراجع علي عن الزواج بغير فاطمة ويتبدد الشجن ويرحل الانقباض ويأتي الحسن ومن بعده الحسين ثم زينب الكوكب الدري في سماء قادمة بالغيوم.
زينب لا تنسي وصية أمها.. رعاية أشقائها وشقيقاتها الحسن والحسين وأم كلثوم ومحسن الذي مات في حياة أمه.. وتشغل الصغيرة مكانة الأم الراحلة وهي لم تبلغ العاشرة بعد.. و..من بيت الأب إلي بيت الجد خطوات تلتقي فيها الصغيرة بأمهات المؤمنين تسعي بينهن وتسمع ما يدور من حديث عن ذكر الوحي وتتابعه ونزول جبريل بقوله تعالي: واذكرن ما يتلي في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا.. وتنهل زينب من بحار علم أبيها من قال عنه الرسول صلي الله عليه وسلم: أنا مدينة العلم وعلي بابها.
وتعلمت رضي الله عنها حسن المناجاة لربها من أبيها وأمها اللذين دخل عليهما الرسول فوجدهما نائمين فاشتد عليهما قائلا: ألا تقومان تصليان؟ فقال علي: يا رسول الله إن أنفسنا بيد الله.. ولم يتقبل النبي هذا الجواب فانصرف يضرب بيديه علي فخذيه قائلا: وكان الإنسان أكثر شيء جدلا و.. بعدها كانا ممن يقول عنهم ربهم كانوا قليلا من الليل ما يهجعون, وبالأسحار هم يستغفرون.. وبالمثل كانت سيدتنا من خيرة القائمين لله, ومن صيغ مناجاتها لربها: يا سميع الرجاء أنت الذي سجد له سواد الليل وضوء النهار وشعاع الشمس وحفيف الشجر ودوي الماء يا الله الذي لم يكن قبله قبل, ولا بعده بعد, ولا نهاية له ولا حد ولا كفء ولا ند.. وعلي لسان زينب ينساب الشعر ومن قولها:
إذا ضاقت بك الأحوال يوما
فثق بالواحد الفرد العلي
توسل بالنبي فكل خطب
يهون إذا توسل بالنبي
وتبلغ زينب سن الزواج فيقع اختيار والدها من بين خطابها علي عبدالله بن جعفر أول مولود للمهاجرين في الحبشة الذي أردفه الرسول خلفه ودعا له بخير قائلا: اللهم بارك له في صفقة يمينه, وكان رمزا للكرم حتي سمي قطب السخاء, وقد أثمر زواج عبدالله بزينب أربعة من الأبناء: علي ومحمد وعون وعباس, ومن البنات أم عبدالله وأم كلثوم الذين لم يكن لأحد منهم نسل إلا من علي وأم كلثوم اللذين أنجبا الكثير ليعتبروا جميعا من الأشراف, والمعروف أن أم كلثوم وكنيتها زينب هي التي لقيت ربها في دمشق ليغدو قبرها هناك مزارا, حيث يظنون بأنها السيدة زينب صاحبة المقام بالقاهرة..
وإذا ما كانت الأيام قد صبرت علي زينب حتي حملت وأنجبت, فقد عادت من جديد تقلب لها ظهر المجن وتأتي بأحداثها الجسام, فمن بعد رحيل أمها الزهراء تستقبل أباها الحبيب محمولا علي الأعناق مصابا بطعنة قاتلة مسمومة من سيف عبدالرحمن بن ملجم أحد الخوارج الذي كان مقتل الإمام صداقا لحسناء الكوفة قطام بنت أبي الأخضر.. قتل علي وهو ابن الثالثة والستين, وترك من ورائه الحسن والحسين وزينب التي ثكلت من بعده في شقيقها الحسن.. وتلوح مأساة كربلاء والسيدة زينب تشهد المعركة وتري كيف يحصد الموت شباب بني هاشم ومن بينهم ولداها عون ومحمد, وبعدها يأتي استشهاد أخيها الحسين أحب الناس إلي قلبها الذي قال لها في ليلة استشهاده: يا أختاه اعلمي أن أهل الأرض يموتون وأهل السماء لا يبقون وأن كل شيء هالك إلا وجهه..
ويروي الطبري بإسناده عن قرة بن قيس التميمي قال: إن نسيت من الأشياء لا أنسي لوعة زينب ابنة فاطمة في صرختها حين مرت بأخيها الحسين صريعا: يا محمدا صلت عليك ملائكة السماء.. هذا الحسين بالعراء مزمل بالدماء مقطع الأعضاء.. قال قرة: فأبكت كل عدو وصديق.. ويساق موكب الأسري والسبايا وفيهم علي زين العابدين الذي أنقذته عمته زينب بشق الأنفس فكان كل من بقي من سلالة الحسين الشهيد الذي طافوا برأسه محمولا علي خشبة ومن خلفه رؤوس السبعين من آله وصحبه, والأسري من الصبية في الأغلال والسبايا يجررن ذيولهن الملطخة بالتراب.. ومع العقيلة سيقت أختها فاطمة بنت علي وسكينة بنت الحسين, ويصل الركب الحزين في حراسة مشددة إلي الكوفة لتخرج نساؤها نادبات يلطمن الخدود فتنتفض زينب صارخة في وجوههن: يا أهل الكوفة أتبكون فلا سكنت العبرة ولا هدأت الرنة.. أتعجبون لو أمطرت دما؟!.. أتدرون أي كبد فريتم وأي دم سفكتم؟!.. لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا.. ويبلغ المقصد المنتهي في دمشق إلي عرش يزيد بن معاوية ليعبث بقضيب في يده بثنايا رأس الإمام الحسين وثغره الذي قبله النبي طفلا, وتبكي نساء هاشم إلا زينب التي تتصدي له قائلة: قتلتم من أمرتم بالصلاة عليه؟!!.. ولما استرسلت بلهيب عباراتها ضاق بها وروعه ما سمعه منها فأمر بسفر الركب إلي المدينة التي انتشر فيها خبر مذبحة الشهيد حتي بلغ سفح أحد ثم ارتد إلي البقيع فقباء ليواجه بصراخ الباكين وعويل النادبات.. وأرادت زينب أن تعود للساحة المشئومة في كربلاء قبل الوصول إلي المدينة فكانت الأرض بعد أربعين يوما لم تزل ملطخة ببقع من دماء الشهداء وبقية من أشلاء عف عنها وحش الفلاة... وفي المدينة يري عبدالله ابن جعفر جالسا يتقبل العزاء في ولديه شهيدي كربلاء عون ومحمد وفي ابن عمه الحسين وبقية الشهداء من آل جعفر وبني عبدالمطلب.. ومثلما كان بينه وبين زينب الزواج فقد كان أيضا الطلاق الذي افترقا فيه بهدوء بلا صخب أو انفعال كدأب الأتقياء, وكان من حظ عبدالله وزينب أن تحاشي المؤرخون بلا سبب واضح الخوض في أسباب الانفصال الصامت الوقور..
ويخشي يزيد من وجود زينب في المدينة أن تلهب بها الأجواء ضد بني أمية فأمر بتشتيت آل البيت في الأقطار والأمصار.. وتختار السيدة زينب مصر الوسطية لإقامتها لما علمته من صلاح أهلها وحبهم لرسول الله ومحافظتهم علي كرامة آل البيت الأطهار.. وفي المدينة بعد مغادرة زينب في رحلتها لمصر لم تهدأ العاصفة التي استطاعت عقيلة بني هاشم تأجيجها للثأر لأخيها الشهيد فكانت سببا لتسليط معاول الهدم علي دولة بني أمية ليتغير مجري التاريخ.. اشتعل السخط علي الظالمين في المدينة حتي كانت موقعة الحرة التي بطش فيها جنود يزيد, وتعطلت شعائر الإسلام في المسجد النبوي ثلاثة أيام, فلا أذان ولا إقامة ولا صلاة, ويذكر صاحب السيرة الحلبية أن سعيد بن المسيب رضي الله عنه كان يلازم الحجرة الشريفة في تلك الأيام, وحدث أنه كان يسمع الأذان والإقامة من داخل القبر الشريف.
علي أرض مصر استقبلت الضيفة الطاهرة الشريفة بحشد غفير قرب بلبيس عند بزوغ هلال شعبان عام61 ه علي رأسه أمير مصر مسلمة بن مخلد الأنصاري الذي تنازل لها عن منزله الفسيح بالحمراء القصوي عند قنطرة السباع إكراما لها, ووفاء بحقها, وصلة لرحم جدها صلي الله عليه وسلم..وتدوم مدة إقامة السيدة زينب في مصر بعد مجيئها عاما أو بعض عام لتنتقل سليلة النور والطهر إلي جوار ربها.. وآن للجسد المضني أن يستريح حيث اختارت أن تكون ضجعتها الأخيرة بمصر ويغدو مرقدها مزارا يؤمه الناس لمنزلة صاحبته الرفيعة, ولكونه أول ضريح لآل البيت في مصر.. يجيئونها مشتاقين يتوسلون بها إلي رب العالمين.. الكل يهرع لزينب في مسجدها الذي يتسع لأكثر من35 ألف مصل من بينهم مئات من الصم والبكم يتجهون بالسبابة للسماء وإبهام يصنع معها زاوية قائمة بمعني الله أكبر بلغة الإشارة التي يترجم فيها القرآن إلي إشارات بأصابع اليدين, ليغدو مسجد السيدة زينب الوحيد علي مستوي مصر والعالم الذي يتم فيه تنظيم مثل تلك الصلاة السامية لعدد يقترب من الأربعة ملايين أصم وأبكم..
ويا باتعة.. يا رئيسة الديوان.. الدم من غير ثمن والصوت انحبس..
يا أم العواجز.. الحيل انقطع والزهم موال, والقهر زرعوه فدادين شوك علي مدي الشوف, والعتمة جبال لعنان السما..
يا سيدة.. يا زينب.. القلب زلزال.. والحلم ركع..
يا بنت الشهيد وأم الشهيد وأخت الشهيد.. حكمة الأمس واروها التراب بلا كفن.. وزفرة الآه يا أم هاشم طارت تطوف كل بيت وغيط وجرس كنيسة وصحن جامع وحنجرة الجدع الذي كفر..
يا طاهرة.. يا شقيقة القمر.. السلك مضروب والنور انقطع..
يا ست.. اللقمة واقفة في الزور ومدفع الإمساك ضرب..
يا عقيلة.. في الحضرة الشريفة ادعي علي اللي في بالي, ولا علي اللي في بال كل الناس الوسواس الخناس..
يا صاحبة الشوري.. أكنس مقامك الزينبي علي اللي دبح الحسين في كربلاء, ولا علي اللي تسبب في كرب وبلاء حالنا؟!!
يا كريمة الدارين.. النازلة نزلت بنا مع قدوم أصحاب الفيل وطيرهم الأبابيل ووعودهم الأباطيل.. فغدونا كعصف مأكول..
يا أم العواجز.. الخروج من الكهف لم يراع فروق التوقيت..
يا حفيدة خديجة بنت خويلد القرشية الأسدية, من وجد المصطفي لديها الدفء والأمان فهتف بها: زمليني.. زمليني..
مصر يا ضيفة مصر يا طاهرة.. مصر تفتقد الآن الدفء والأمان
زمليها.. زمليها..
يا صاحبة الكرامات سايقة عليك النبي..
مدد والنبي, يا بنت بنت النبي..
لمزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.