رأس المال البشري في عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي    ما يريده المواطن من حكومة مدبولى الثانية    أبرز الملفات التي ستواجه الحكومة الجديدة.. فيديو    انتقاما لأرواح الشهداء| كتائب القسام تستهدف قوات إسرائيلية متموضعة في محور "نتساريم"    حكيمي يوجه رسالة إلى مبابي بعد رحيله عن باريس سان جيرمان    صدمة كبرى.. المنتخب الإيطالي يستبعد نجم الفريق من المشاركة في يورو 2024 بسبب الإصابة    تدريبات بدنية في مران الزمالك    برقم الجلوس هتعرف نتيجتك.. رابط نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة الإسماعيلية - من هنا    دور العرض ترفع أحدث أفلام بيومي فؤاد من شاشاتها قبل موسم عيد الأضحى    تعليق قوي من عزة مصطفى بشأن استقالة الحكومة (فيديو)    كوريا الجنوبية تستضيف قمة إفريقية لتعزيز أطر التعاون مع القارة    جولة لرئيس جامعة القاهرة للاطمئنان على سير الامتحانات وأعمال الكنترولات    أنباء عن استمرار وزراء في تشكيل الحكومة الجديدة    البابا تواضروس يستقبل السفير التركي    سلوت لا يمانع بيع صلاح    المدير الفني لأبوقير للأسمدة: طموحنا الوصول إلى نهائي كأس مصر    إضافة «الطب البشري» لجامعة حلوان الأهلية    إصابة 4 أشخاص في حادث بطريق "نجع حمادي - قنا" الغربي    وظائف متاحة للمعلمين في المدارس المصرية اليابانية.. رابط التقديم    تعديل تركيب بعض القطارات بخط «القاهرة- الإسماعيلية».. السبت    شركة الريف المصرى الجديد تنفذ 66 مشروعًا رئيسيا و 66 فرعيًا فى 6 سنوات    مطالبات برلمانية بزيادة مخصصات التنشيط السياحى    قوات الاحتلال تمنع سيارات الإسعاف من الوصول إلى الإصابات فى نابلس ومخيم بلاطة    بعد عقد قرانهم.. اعمال جمعت بين جميلة عوض والمونتير أحمد حافظ    آخرهن جميلة عوض.. جميلات الفن في قفص الزوجية والخطوبة - صور    وزير الأوقاف يوصي حجاج بيت الله بكثرة الدعاء لمصر    عضو العالمي للفتوى الإلكتروني توضح حكم وقوف المرأة الحائض على عرفات (فيديو)    8 وجبات تساعد الطلاب علي التركيز في امتحانات الثانوية العامة    متى تذهب لإجراء فحوصات تشخيص مرض السكر؟.. «الصحة» تُجيب    مثلها الأعلى مجدي يعقوب.. «نورهان» الأولى على الإعدادية ببني سويف: «نفسي أدخل الطب»    نائل نصار أمل الفروسية المصرية في أولمبياد باريس    «أونروا»: «مليون شخص فروا من رفح في ظروف لا يمكن وصفها»    موسكو تهدد واشنطن بعواقب الأضرار التي لحقت بنظام الإنذار المبكر    الرئاسة الأوكرانية: 107 دول ومنظمات دولية تشارك في قمة السلام المرتقبة بسويسرا    «بلاش نعمل هيصة ونزودها».. شوبير يحذر قبل مباراة مصر وبوركينا فاسو    محافظ الغربية: نتابع باستمرار ملف التصالح وتبسيط الإجراءات على المواطنين    سُنن صلاة عيد الأضحى.. «الإفتاء» توضح    ثقافة الإسكندرية تقدم "قميص السعادة" ضمن عروض مسرح الطفل    "التابعى.. أمير الصحافة".. على شاشة "الوثائقية" قريبًا    رئيس الوزراء يتفقد المعرض الطبي الأفريقي الثالث    التحفظ على مدير حملة أحمد طنطاوي لتنفيذ حكم حبسه في تزوير توكيلات انتخابات الرئاسة    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية في سريلانكا إلى 12 شخصًا    بنك القاهرة: 2.7 مليار جنيه قيمة التعاملات عبر محفظة القاهرة كاش بنهاية مارس 2024    أسامة قابيل يوضح حكم تفويض شخص آخر فى ذبح الأضحية؟    محافظ الشرقية: إزالة 372 إعلانا مخالفا وغير مرخص خلال شهر    مجموعة "إي اف جي" القابضة تعتزم شراء 4.5 مليون سهم خزينة    مهرجان روتردام للفيلم العربي يسدل الستار عن دورته ال 24 بإعلان الجوائز (صور)    صيادلة الإسكندرية: توزيع 4.8 ألف علبة دواء مجانا في 5 قوافل طبية (صور)    الحكومة تتقدم باستقالتها.. والرئيس السيسي يكلف مدبولي بتشكيل جديد    تحرير 94 محضر إنتاج خبز غير مطابق للمواصفات بالمنوفية    رئيس بعثة الحج الرسمية: الحالة الصحية العامة للحجاج المصريين جيدة.. ولا أمراض وبائية    دعاء لأمي المتوفية في عيد الأضحى.. «اللهم انزلها منزلا مباركا»    الكشف وتوفير العلاج ل 1600 حالة في قافلة للصحة بقرية النويرة ببني سويف    بعد انسحاب قوات الاحتلال.. فلسطينيون يرون كيف أصبح حال مخيم جباليا    شكري: مصر تستضيف المؤتمر الاقتصادي المصري الأوروبي نهاية الشهر الجاري    حالات وإجراءات تأجيل امتحانات الثانوية العامة 2024 للدور الثانى بالدرجة الفعلية    تحرك من الزمالك للمطالبة بحق رعاية إمام عاشور من الأهلي    35 جنيها للمادة.. ما رسوم التظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية بالجيزة؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصوت العالي والفكر الشيطاني
نشر في الأهرام اليومي يوم 15 - 04 - 2013

هل يمكن لأمة, أية أمة, أن تنهض من عثرتها بدون أن يكون لديها منظومة قيم راسخة تحدد الواجبات قبل الحقوق, وترسم المسئوليات وتضع العلامات علي الطريق؟ قولا واحدا لا, فالامم الناهضة لديها بروتوكول عمل مجتمعي واضح يعلمه الجميع صغارا وكبارا.
تلك بديهية لا خلاف عليها, رأينا البدء بها من باب العبرة والتذكرة, فالذكري تنفع المؤمنين كما جاء في الذكر الحكيم. والعكس صحيح فإن غابت القيم او اختلت المعايير الناظمة لحركة الحياة يتعرض المجتمع ككل إلي حالة ارتباك وتراجع ثم خلل ثم فقدان القدرة علي الحركة السوية ثم الموات والخراب.
وما نراه اليوم في مصر الآن هو أن جزءا كبيرا من أهلها ومؤسساتها ورموزها يعيشون حالة مكثفة من المراحل الثلاث الأولي من هذه السداسية السلوكية, وإن استمر الوضع علي ما هو عليه ولم يراجع المجتمع نفسه ويتخذ القرار الصائب, فمن الطبيعي أن ينزلق المجتمع إلي المراحل الثلاث التالية, وعندها لن يكون لأحد القدرة حتي لعزاء نفسه.
سياسيا يفتقد القادة السياسيون من كل الأطياف تقريبا إلي آليات التحاور الطبيعي بين المختلفين في الرؤية, والانانية المفرطة هي السمة الغالبة, والحرص علي المصلحة الذاتية الضيقة سواء الحزبية أو الشخصية هي الأولي مقارنة بالمصلحة الوطنية العليا. وبينما تبرز الخبرة الإنسانية انه لابد أن يكون هناك فارق بين طريقة تفكير وسلوك الجماهير وطريقة تفكير وسلوك الرموز السياسية بما يسمح للرموز بالقيادة والتوجيه والتأثير في حركة الجماهير, فإن الحالة المصرية تسير معكوسة, فلا الكثير من الرموز لهم التأثير المطلوب علي الجماهير, ولا الجماهير نفسها استمر لديها الاقتناع الذاتي بأن تلك الرموز تملك القدرة علي الخروج بالوطن من وهدته الراهنة. وحين يتحول القائد إلي مقود, وحين يتحول المقود إلي زعيم عشوائي تصبح النتيجة المنطقية فوضي مركبة وعنف وخلل سلوكي بغيض.
اجتماعيا وهو الأهم أن قطاعا كبيرا من المصريين يتصرفون باعتبار أن هذه الأيام هي نهاية التاريخ بالنسبة لهم, وإن لم يحصلوا علي كل ما يتمنوه في التو واللحظة, سواء كان حقا أو ظلما وبهتانا, فلن يحصلوا علي شئ غدا. والمسألة بالنسبة لهؤلاء هي نوع من التكويش والحصاد المر في لحظة زمنية يتصرف فيها الجميع أفرادا ومؤسسات باعتبار أن الحكومة ومؤسسات إنفاذ القانون هي مؤسسات عاجزة لا حول لها ولا قوة, وأن هناك حالة فراغ عام في المجتمع ككل أو في داخل كل مؤسسة أو هيئة يستقطب كل من يريد ملئه بالحسني أو بالسوء.
يحدث ذلك بصورة جماعية نمطية متكررة كما هو الحال في الإضرابات العمالية والفئوية, التي تستغل لحظة احتياج الجمهور للخدمة التي يجيدون العمل بها, لتنظيم إضرابات أو اعتصامات للمطالبة بامتيازات وحقوق يصعب القول إنها غير شرعية, ولكن المؤكد أن لحظة المطالبة بهذه الحقوق ليست مناسبة بالمرة ونتائجها العكسية اكثر من أي فائدة قد تحققها هذه الاحتجاجات. والسؤال الذي يتبادر للذهن أليس لهؤلاء عقول يفكرون بها وبعض البصيرة للمستقبل؟ والمرجح أن للجميع عقول وبصائر وإن بدرجات مختلفة, لكن المؤكد أن الافتقاد إلي منظومة القيم هو السبب في تجاهل حقوق الناس والاكتفاء بالتكالب علي ما هو متوافر حتي يتم القضاء عليه قضاء مبرما, ولا يهم بعد ذلك حجم البكاء الذي سيتم سكبه لاحقا.
إن افتقاد المجتمع للقدرة علي اتخاذ الخطوة المناسبة وفقا لطبيعة اللحظة الجارية, يقود حتما إلي استنزاف الموارد, وإلي التراجع في المكانة وإلي الاستدانة وإلي رهن إرادة الاجيال الجديدة إلي قوي خارجية لا تريد لهذا البلد خيرا من اي نوع, فهل هذا ما يريده المصريون لأنفسهم في المدي المنظور؟
لقد فقد قطاع كبير جدا من المصريين حسن التصرف بمعناه القيمي والسلوكي, وتحولت تصرفاتهم وسلوكياتهم إلي نوع من الوبال عليهم وعلي الآخرين من حولهم. وفي وقائع الأسبوع الماضي فقط ما يصلح لضرب جرس إنذار كبير جدا. ففي المجتمعات الطبيعية فإن وظيفة الطالب هي تحصيل العلم والمعرفة وإعداد نفسه ليكون مواطنا صالحا يفيد بلده ونفسه علي السواء. ولكن في مصر تحول بعض الطلاب إلي أساتذة وإداريين يصيغون اللوائح ويفرضون تعطيل العملية التعليمية لكي يثبتوا لأنفسهم أن الثورة ما زالت في الميدان أو في ساحة الجامعة بعد أن يتم تعطيلها وتخريبها. وفي هذه الحالة يفترض أن تكون المؤسسة التعليمية ممثلة بالوزير أو ممثله الخاص في صف ضبط العلاقة بين الطالب والاستاذ بما يلزم الاول باحترام الثاني وعلمه ومكانته والالتزام بالضوابط التي تضعها الادارة طالما انها متوافقة مع القانون والاعراف, ويلزم الثاني بحسن معاملة الطالب وحسن إعداده تعليميا وسلوكيا. أما ان تقف المؤسسة التعليمية في صف الفوضي وتطيح بالقانون والقيم عرض الحائط لكي تثبت انها مع الشباب الثائر, فهي بذلك لا تتخلي عن وظيفتها ودورها وحسب, بل تفرض قيما معوجة وتقدم المثل السييء علي الانحياز الأعمي لصالح شعارات جوفاء من شأنها أن تحرق البلاد بأسرع وسيلة ممكنة.
لقد تحول بعض الطلاب إلي عصا غليظة تطيح بالعلم والعلماء تماما كالموظف محدود الموهبة والتافه بين قرنائه حين يطالب بأمور لا يستحقها ويعطي لنفسه الحق في ابتزاز قيادته وإهانة زملائه والتجاوزر في حقهم والإساءة إلي المؤسسة التي يعمل بها, وسرقة وثائقها ومستنداتها والعبث بها واختيار بعضها والتلاعب بها ونشرها علي الملأ لتصوير الامور علي عكس حقيقتها ولتوجيه الاهانة إلي من هم أكثر منه علما وخبرة وشرفا وعطاء, ثم بعد ذلك يتطاول علي اللوائح ويسعي إلي ابتزاز رؤسائه ويستحل لنفسه أموال السحت بطرق غير شريفة ويسعي بين زملائه بالنميمة والاكاذيب والمغالطات. وحين تنقلب القيم رأسا علي عقب, يصبح أمثال هؤلاء الحقراء كأبطال أشاوس في نظر المجتمع المريض والذي يزداد مرضا علي مرضه.
إن تصحيح المعوج والفاسد بالحسم والقانون وعدم الخضوع للمبتزين والحقراء ومحبي السحت والمال الحرام هو المدخل الذي لا بديل عنه إن أردنا أن نحمي مصر من الخراب الذي ينتظرها علي ناصية لم تعد بعيدة, بل تقترب منا حثيثا ما دام قادتنا ورموزنا خائفون ومذعورن من هؤلاء المبتزين ذوي الصوت العالي والفكر الشيطاني.
لمزيد من مقالات د. حسن أبو طالب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.