بالرغم من أن التعاون العربي الإفريقي تعاون شامل بمعني أنه يضم الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية كما جاء في القمة الأولي له التي عقدت في القاهرة عام1977, إلا أن ظروف النشأة السياسية له جعلت العوامل السياسية هي المتحكمة فيه ففكرة التعاون جاءت وليدة ظرف سياسي معين, أو إن شئنا الدقة جاءت كنوع من رد الجميل للدول الإفريقية التي قطعت جميعها-باستثناء ثلاث منها هي مالاوي وليسوتو وسوازيلاند-علاقاتها الديبلوماسية مع إسرائيل بعد حرب أكتوبر1973, لذا قررت القمة العربية السادسة في الجزائر والتي عقدت بعد الحرب بشهر واحد تفويض الأمين العام للجامعة الاتصال بنظيره الإفريقي لمناقشة تعزيز التعاون العربي الإفريقي. ولقد تلا ذلك نشأة مؤسسات مالية عربية بالأساس هدفها تقديم الدعم العربي لإفريقيا. وبالطبع لاقت هذه المبادرات ترحيبا من الجانب الإفريقي الذي كان يرغب في الخروج من عثرته الاقتصادية التي خلفها الاستعمار. وبالفعل أسفرت الاتصالات والمشاورات عن عقد القمة العربية الإفريقية الأولي بالقاهرة عام1977, كأي مؤتمر قمة صدر عنه برنامج عمل شامل يحدد الأهداف والمبادئ التي يقوم عليها التعاون الجديد, فضلا عن الآليات التي سيتم من خلالها تنفيذ هذه الأهداف, والهيكل التنظيمي المنوط به عملية التنفيذ. وبالرغم من أن هذا الهيكل يمكن أن يعد نواة لتفعيل التعاون بين الجانبين, إلا أن الاعتبارات السياسية كان لها دور كبير في إصابته بالشلل التام, أو بمعني أخر جعلته حبرا علي ورق. ويتضح ذلك من تأمل ما حدث علي أرض الواقع. فمع بروز أول أزمة سياسية عقب قمة القاهرة بسبب قيام مصر بتوقيع معاهدة السلام مع إسرائيل, وما تمخض عن ذلك من قيام الدول العربية بمقاطعة القاهرة, وفي المقابل قيام الدول الإفريقية تدريجيا بإعادة علاقاتها مع إسرائيل, شهدت الهياكل التنظيمية حالة من الجمود, ولم تعقد القمة الثانية في موعدها عام1980, أو الأعوام الذي تليه. وإذا حاولنا البحث في أسباب ضآلة التعاون العربي الإفريقي, فسنجد أن ذلك يعود إلي أسباب كثيرة منها: 1 أن فكرة التعاون كما سبق القول ارتبطت بظرف سياسي معين وهو الخاص بالدعم الإفريقي للجانب العربي عقب حرب أكتوبر,ثم انهار هذا الظرف مع إعادة تطبيع الدول الإفريقية لعلاقاتها الديبلوماسية مع إسرائيل, وفي المقابل فإن الدول العربية كانت تدعم حركات التحرر الوطني في جنوب إفريقيا, وناميييا, أما وإن حصلت هذه الحركات علي التحرر, فلم يعد هناك مبرر لدعم الأفارقة. 2 يرتبط بالنقطة السابقة ضآلة حجم المعونات العربية للجانب الإفريقي,إذ أن الدول العربية خاصة النفطية-شعرت أنها تدفع بدون مقابل, أو بدون استفادة حقيقية من الدول الإفريقية التي تنتج بدورها منتجات خاما لا تستفد منها الدول النفطية نظرا لتخلف الصناعة بها,بل تذهب هذه المواد الأولية إلي الدول الاستعمارية السابقة,ومن ثم تراجع الحماس العربي في هذا الشأن, بل إن الدول العربية كما برز في قمة عمان العربية-ارتأت أن يتم تقديم المعونات إلي الدول العربية الإفريقية التي هي أساسا عضو في الجامعة العربية,كما ارتأت أيضا-كما ظهر في البيان الختامي لقمة بيروت-أهمية التركيز علي تحقيق التكامل العربي من أجل الوصول إلي إقامة المنطقة العربية الكبري للتجارة الحرة. وفي المقابل ارتأت الدول الإفريقية بدورها أن حجم المساعدات العربية لم يساهم في تحقيق دفعة حقيقية لاقتصادياتها, ومن ثم اضطرت للارتماء في أحضان الدول المستعمرة, كما فكرت هذه الدول في الاعتماد علي الذات من خلال إقامة التجمعات الاقتصادية الإقليمبة كالكوميسا الساداك الايكواس الساحل والصحراء وغيرها 3-ولا ينبغي أن نغفل في هذا الإطار دور العامل الدولي, والظروف والمتغيرات التي طرأت علي البيئة الدولية خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة, ومن ثم تراجع المنظمات التي كانت تشكل بوتقة واحدة للجانبين العربي والإفريقي كحركة عدم الانحياز, وفي المقابل فإن نهاية الحرب الباردة جعل الفرصة سانحة للدول الغربية لكي تفرض سيطرتها علي الدول الإفريقية. 4- الربيع العربي الذي شهدته العديد من الدول العربية الأفريقية' مصر,ليبيا,تونس' والتي كان يفترض أن تلعب دورا فاعلا في اطار توطيد هذه العلاقات, لاسيما ليبيا القذافي الذي استضافت بلاده القمة الثانية للتعاون العربي الأفريقي في العاشر من أكتوبر2010, اي قبل أربعة اشهر تقريبا من كل من الثورتين المصرية والليبية.. وهو ما قد يجعل هذه الدول تهتم بالشأن الداخلي أولا, ومن ثم التراجع المؤقت عن دعم هذا التعاون, وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في قمة سرت لاسيما ما يتعلق بالاستراتيجية العربية الأفريقية المشتركة2011-.2016 علي اية حال نأمل أن تستقر الأوضاع في دول الربيع العربي الأفريقي سريعا قبل القمة الثالثة التي يفترض أن تستضفها الكويت في نوفمبر المقبل, لأنه بدون ذلك قد لا تعقد هذه القمة, أو تكون حبرا علي ورق.