حذرنا من خلط القانون بالسياسة, ومن تحول القضاة إلي قادة سياسيين ونجوم في الفضائيات تتلقفهم الكاميرات وتبهرهم الأضواء. ومن خطورة ذلك علي الأحكام القضائية ذات الصلة بالأمور السياسية خاصة في تلك الأجواء السياسية المحتقنة. وفي ظل حالة الانقسام الشديد التي تشهدها مصر حاليا, والتي أوجدت فريقين متصارعين, فكان أولي بالقضاء أن يربأ بنفسه عن هذا العبث القائم في البلاد ويرتفع عن برك السجالات السياسية والمزايدات الحزبية, وألا ينزلق إلي وحل السياسة, لكن يبدو أن بعض رجال القضاء أغوتهم لعبة السياسة وغلبتهم أهواؤهم السياسة عن صحيح القانون وأصبح القانون وجهة نظر وحمال أوجه يفسر تبعا للانتماء السياسي وهذه كارثة في أي بلد يرسي دعائم دولة القانون. لقد أمتزج نهر القانون ببحر السياسة منذ حل الجمعية التأسيسية الأولي, وفي حينها دق جرس التنبيه شيخ من شيوخ القضاة الأجلاء رئيس القضاء الإداري الأسبق, وأبدي تخوفه من انزلاق القضاء في بحر السياسة, وقال إن مثل هذه القضايا الخاصة بعمل البرلمان لا تنظر أمامه إعمالا بالفصل بين السلطات, وإن القاضي يقف أمامها معصوب العين- حسب التعبير الفرنسي- في مثل هذه القضايا, لكن يبدو أنه أصبح مفتوح العينين بل وجاحظ العينين, مبحلقا علي الكاميرات في هذا الزمن الردئ الذي انقلبت فيه الأمور وتبدلت فيه المعايير وتغيرت فيه الثوابت للأسف الشديد!! لم يهتز أحد إلي دقاته ولم يعط لتحذيره اهتماما, وتوالت الأحكام تباعا من حل مجلس الشعب المنتخب من ثلاثين مليون مواطن مصري إلي وقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية بدعوة الشعب لانتخابات البرلمان الجديد وصولا إلي الحكم الأخير المثير للجدل والذي قضي بإلغاء قرار رئيس الجمهورية بتعيين النائب العام المستشار طلعت عبد الله وإعتباره كأن لم يكن! مخالفا للدستور الذي حصن موقعه وعلي الرغم من صدور حكم سابق من محكمة إستئناف منذ أقل من شهر بصحة تعيين النائب العام وقانونية وضعه الوظيفي إذ أن قرار تعيينه قرار سيادي لايجوز الطعن عليه أمام القضاء. هذا التناقض بين الحكمين وهذا الارتباك الواضح يضع القضاء في مأزق مما يعرض البلاد لخطر حقيقي, في الحقيقة لم نكن في حاجة لمثل هذا الحكم لنكتشف أن القضاء دخل حلبة السياسة, وأنه أصابه ما أصاب المجتمع المصري من حالة استقطاب مقيتة ومخيفة, فكلنا شهدنا ما يحدث في نادي القضاة وكيف تحول من ناد اجتماعي خدمي يتبع وزارة التضامن الاجتماعي إلي ناد قريب من جبهة النظام القديم, ويدعي إليه رموزه من ساسة ومحامين وإعلاميين وفنانين هذا الصراع هو نفسه الدائر علي أرض المحروسة, والذي كنا نأمل فيها أن يظل القضاء بعيدا عنه تماما وألا تلوث قامته الرفيعة ببراثينه القذرة! لاشك أن هذا الحكم أربك المشهد السياسي في البلاد, وزاده تعقيدا, وهلل له أنصار النظام القديم والمعادون للإخوان المسلمين واستثمروه سياسيا بينما صدم به المؤيدون الحقيقون لثورة25 يناير, وأخص هنا الحقيقيين لأن الكثير ممن شاركوا في الثورة وتنكروا لأهدافها وتنصلوا من مبادئها ووضعوا أيديهم في أيدي رموز النظام الذي أسقطوه بمجرد اعتلاء الدكتور محمد مرسي سدة الحكم في البلاد لمجرد كراهيتهم للإخوان المسلمين, وهكذا دخلت المكايدة السياسية في مصير الوطن. أعود فأقول إن تلك الفئة تري أن بعض القضاة يستخدمون لضرب الثورة في مقتل, وهذا من أركان الدولة العميقة التي تعوق مسيرة التقدم في البلاد, أما الفئة الأخري المتصارعة فتري فيهم طوق النجاة والأمل للعودة لحكم البلاد من جديد. ماعلينا, أود أن أقول إنه حينما تدخل السياسة في أمور كالشرطة أو الجيش أو القضاء, فإنها تفسدها وتقضي عليها, ولنا في الشرطة خير مثال وأبلغ دليل علي ذلك, ولأننا ننأي بالقضاء الوقوع في المستنقع نفسه وألا يساء فهم حق التقاضي ويستخدم سلاح لضرب واغتيال قرارات رئيس الجمهورية, حفاظا علي أهم أعمدة الوطن, وحتي وتظل مصر بخير, فإننا نناشد القضاه أن يتوقفوا عن ذلك, ويمنعوا مزج نهر القانون ببحر السياسة, ويجعلوا بينهما برزخا لا يلتقيان رحمة بالبلاد والعباد! لمزيد من مقالات أميرة أبوالفتوح