يحتاج فن الانشاد الديني إلي خامة صوتية خاصة وصدق فني ووجداني في التعبير ومستوي راق من اللغة والشعر حتي تعيش التجربة الفنية وتثبت في وجدان المتلقي مثلما نجح الشيخ سيد النقشبندي من خلال ألحان بليغ حمدي وأشعار مميزة لعدد من صفوة الشعراء في زمنه, والحقيقة أن الأغنية الدينية ذات الطابع التراثي تتنوع أشكالها في مصر فما بالنا بحجم التنوع علي مستوي العالم بأكمله. ومن هنا يكتسب عرض المولوية للفنان انتصار عبدالفتاح أهمية كبيرة فهو يجمع بين مختلف الوان الإنشاد الديني علي مستوي العالم من ماليزيا واندونيسيا إلي أعماق افريقيا, ومن الصين إلي أوروبا إلي مصر والمغرب بل ويجمع في داخل العرض الواحد بين موسيقي الترانيم الكنسية وبين المدائح النبوية وفنون المتصوفة وتجاربهم الروحية عبر الزمان والمكان, هي سياحة في عالم الذكر تربط قصائد الشعر الديني والتواشيح والغناء الصوفي بخيط رفيع كما تربط المسبحة حباتها.. وذكاء انتصار عبدالفتاح, في ذلك العمل يكمن في عدم ظهور أثر الربط الدرامي وكأنما العرض هو حالة وجدانية مرتجلة بين هؤلاء الفنانين من أكثر من دولة ولغة.. وقد حرص انتصار علي أن تكون الحركة علي خشبة المسرح وتشكيل الراقصين معبرا عن المعاني التي تؤدي شعرا أو تغني ولا تطغي عليها بحيث تتوازن المتعة السمعية والبصرية ويخرج المتلقي من العرض بحالة الانتشاء الديني, وليس بحالة الانبهار الفني. وهذا بالطبع يؤكد وعي المخرج بقيمة ما يقدم وإيمانه بالتجربة الروحية التي يعرضها في وكالة الغوري لجمهور متعطش يحترم هذا الفن ولايقاطعه بالانفعال أو التصفيق بل يظل الجمهور في كثير من أيام العرض منتظرا لاكثر من ساعة ونصف الساعة ليشاهد اعادة العرض للمرة الثانية نظرا لأن القاعة المخصصة للمولوية لاتتسع لحجم الجماهير الراغبة في مشاهدة العرض.. هي تجربة جديرة بأن تدعمها وزارة الثقافة, وتحرص علي استمرارها كما هي جديرة بأن تضعها وزارة السياحة ضمن خطتها لتقديم فنون راقية لزوار مصر لها مذاقها الخاص. المحرر