جاءت دعوة الإسلام إلي بر الوالدين والتوصية بالأم علي وجه الخصوص وتقديمها علي الأب ثلاثا في الصحبة, لترد بالدليل العملي القاطع علي خصوم الإسلام الذين يتهمونه بالعنصرية وظلم المرأة, وإذا كنا قد تطرقنا لذلك في الأيام الماضية في ظل الاحتفال بعيد الأم, فنحن في ظل احتفالاتنا بيوم اليتيم يتأكد لنا هذا المعني من خلال الأجر العظيم الذي أعده الإسلام للأم التي تترمل علي صغار لها مخافة تضييعهم, وفي الوقت نفسه نلمس رحمة الإسلام بالضعفاء وتحذيره من الإساءة إليهم.. اليتيم أولا! الدكتورة مهجة غالب عميدة كلية الدراسات العربية والإسلامية تقول إن الأم بفطرتها, خلقها الله عز وجل ذات تكوين وطبيعة خاصة تختلف عن الرجل, لذا فإن الأم تعد أحن إنسان للطفل من أبيه وجميع من حوله, فما بالنا إذا حرم الطفل من الأب, في سن ما قبل البلوغ, وصار يتيما, فإن دور ومهمة الأم هنا تتضاعف, وهنا لا نقول للأم ألا تتزوج بسبب يتم أطفالها, ولكن عليها أن توازن بين مصلحتها ومصلحة صغارها, فإذا تعارضت المصلحتان, فيجب عليها تقديم مصلحة أولادها اليتامي علي مصلحتها, وتصبر وتجاهد حتي تصل بصغارها إلي بر الأمان, ولها من الثواب ما لا يعلمه إلا الله, جزاء صبرها علي ذلك, فالصبر جزاؤه الجنة, والله عز وجل يقول إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب..ويجب علي الأم في هذه الحالة أن تصبر مع الرضا حتي تنال هذه الدرجة, وكفاها شرفا أنها ستكون برفقة النبي صلي الله عليه وسلم ملازمة له يوم القيامة لقوله أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة.. وأشار بأصبعيه السبابة والوسطي. من جانبه يقول الدكتور زكي محمد عثمان أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر, حينما تكون المرأة راعية لليتامي, فإنها تتحمل مسئولية التربية والرعاية والعناية والكفالة, حيث تتحمل العبء الكبير والمسئولية العظيمة.., هذه الأرملة التي ترفعت وتخلت عن رغبتها في أن تكون بكنف رجل يأنس وحشتها وآثرت أن يكون أبناؤها اليتامي هم أنساؤها بعدما يكبرون, سيكون لها الثواب الجزيل, وكفاها شرفا أنها ستكون مع النبي صلي الله عليه وسلم, فما أجمله من قرب وما أحسنه من توجيه للمرأة التي تواجه الصعاب.. فتربية اليتامي تحتاج إلي قلوب رحيمة لينة بالرغم من صعوبات الحياة, وكفي أن الله يكون معها, ويجعل بيتها خير البيوت, فخير البيوت بيت فيه يتيم يكرم, وشر البيوت بيت فيه يتيم يساء إليه, أجر مضاعف ويضيف د.زكي عثمان مشيرا إلي أن جزاء العمل الرائع لتلك الأم من خلال الاهتمام والعناية كفي انها كلما مسحت علي رأس يتيم أخذت بكل شعرة حسنة, فما بالك بأن هذا اليتيم فلذة كبدها, فإن الأجر من الله مضاعف, وعلي المرأة التي تأيمت علي أولادها أن تصبر وتحتسب أجرها علي الله بلا ضجر أو تأفف, حتي تنال الأجر كاملا من الله عز وجل في الدنيا والآخرة..فأم اليتامي التي تكفكف دمع اليتيم وتأخذه في حضنها وتعطف عليه بقلبها ولسانها حتي يكبر ويأخذ دوره في الحياة متمثلة قول الله تعالي ألم يجدك يتيما فآوي... إلي أن قال فأما اليتيم فلا تقهر.هنيئا لك يا من تربين اليتيم..هنيئا لك يا أم اليتامي, تغلبت علي كل الصعاب ففتحت لك كل الأبواب. وحق لك ما ذكره النبي صلي الله عليه وسلم في قوله: أنا أول من يفتح باب الجنة فأري امرأة تبادرني( أي تسابقني) تريد أن تدخل معي الباب فأقول لها: من أنت؟ فتقول: أنا امرأة قعدت علي أيتام لي.. فهذه امرأة مات زوجها فأبت الزواج مع حاجتها إليه, تركت كل لذة واستعلت علي كل شهوة, ورفضت الخطاب, وتفرغت لتربية أولادها اليتامي, وابتعدت عن مواطن الشبهات والريبة, وعكفت علي تربية الأبناء. هذه المرأة مكانتها- في الإسلام- أنها تدخل الجنة مع النبي صلي الله عليه وسلم. اتقوا الله في الضعيفين وإذا كان الله عز وجل قد أعد لأم اليتامي هذه المنزلة العظيمة, فيجب علي المجتمع أن يحفظ للمرأة هذه المكانة أيضا ويعينها علي أداء رسالتها, وألا يستغل أحد ضعفها وضعف صغيرها وحاجتها وقلة حيلتها في أن ينال منها أو يجرها إلي المعصية أو يسيء إليها بأي شكل من الأشكال, فذلك من أخطر الذنوب واعظمها عند الله عز وجل. من أجل ذلك أوصي النبي صلي الله عليه وسلم بالمرأة واليتيم علي وجه الخصوص وحذر من الإساءة إليهما, ووصفهما بالضعيفين فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: اتقوا الله في الضعيفين: المرأة واليتيم, فإنكم مسئولون عنهما وان الله عز وجل سائلكم عنهما يوم القيامة فمن احسن اليهما نال من الله الرحمة والرضوان ومن اساء اليهما استوجب سخط الله تعالي. ويختتم د.زكي عثمان بالإشارة إلي أن الاحتفالات الحالية بيوم اليتيم ومن قبلها الاحتفالات بعيد الأم تؤكد عناية الإسلام بالمرأة أما, وكيف قدمها علي الرجل في الصحبة ثلاثا في الحديث المعروف: من أحق الناس بحسن صحابتي.. قال: أمك( ثلاثا), ثم قال: أبوك. فإذا أضفنا إلي ذلك ثواب الأم المترملة علي صغارها اليتامي كما أسلفنا لتبين لنا مكانة المرأة في الشريعة الإسلامية وإنصافها كل الإنصاف, مهما افتري المفترون وادعي المدعون زورا وبهتانا.