أوقفت مصر بقرار وزاري كان مطلوبا تصدير الجلود الخام أو خروجها من مصر إلا بعد تصنيعها.. وأنشأت مصر مدينة نموذجية اسمها الربيكي دفعت فيها مليارات الجنيهات وجاهزة الآن لاستقبال مدابغ الجلود ومصانعها بعد نقلها من منطقة مصر القديمة.. وجاء العيد ومعه ملايين من جلود الأضحية. ويرفض أصحاب المدابغ الانتقال إلي الربيكي.. وتتراكم الجلود وتنخفض أسعارها إلي النصف ومع ذلك لم ترخص أسعار الأحذية مليما واحدا ودخل الفرق جيوب مصانع الجلود والأحذية دون رحمة بالمستهلك المصري. ومازال الموقف الغريب معلقا يحتاج إلي معجزة لنقل المدابغ والمصانع إلي الربيكي.. ومعجزة أخري للسيطرة علي أسعار الأحذية.. ومعجزة ثالثة للقضاء علي تراكم الجلود بعد وقف التصدير!! وقد كان من غرائب الكون أن تفقد مصر مليارات الدولارات نتيجة تصدير ثروتها من الجلود في شكلها الخام وكانت كل النداءات القومية تطالب بإلغاء تصديرها إلا بعد تصنيعها وطرحها في شكلها النهائي حتي تشتغل المصانع والأيدي العاملة وتغطية السوق المحلية منها التي تدفع الآن ثمنا لأحذية مستوردة666 مليونا و990 ألف دولار سنويا في وقت يحذر فيه المركز القومي للبحوث من الأحذية المستوردة المصنوعة من مواد بترولية تسبب السرطان. وأمام هذا المطلب القومي خرج قرار جريء من الدولة بوقف تصدير الجلود الخام.. صناعة المدابغ فى مصر قرار بلا استعداد ولكن هل قامت الدولة بالاستعداد لمثل هذا القرار قبل اتخاذه؟ المهندس حمدي حسونة مدير مركز تكنولوجيا الصناعات الجلدية بوزارة الصناعة يشرح للأهرام ماذا قدمت الدولة لهذه الصناعة والتي تتمثل في اقامة مدينة كاملة علي بعد55 كيلومترا من القاهرة اسمها الربيكي دفعت فيها مصر مليارات الجنيهات وجاهزة الآن تماما لاستقبال المدابغ والمصانع حال انتقالها من مصر القديمة. ويشرح الرجل ملامح هذه المدينة المقامة علي533فدانا( حوالي2.2 مليون متر مربع) والتي تضم56وحدة دباغة تقبل التقسيم لتصل إلي152وحدة بمساحة128ألف متر مربع.. بجانب20 وحدة لإنتاج الغراء وثلاث مساحات لإنتاج الباطس وورش ومخازن ومصانع للأحذية تصل إلي129مصنعا في المرحلتين ويمضي الرجل في شرح هذه المدينة الرائعة التي ينفق فيها الآن الغربان بعد أن فشلت كل الجهود في نقل السادة أصحاب المدابغ إليها.. حيث تضم أيضا مركز تكنولوجيا ومنطقة خدمات تشمل مستشفي وبنوكا وسنترالا ونقطة شرطة ومسجدا ومكتب بريد ومحطة أوتوبيسات. وقد تم الانتهاء من جميع أعمال البنية الأساسية وتشمل التغذية بالكهرباء والغاز والمياه والطرق الداخلية. اتهامات ضد أصحاب المدابغ المدينة جاهزة الآن.. ولكن مازالت الاتهامات توجه إلي أصحاب المدابغ في مصر القديمة.. ومازال الضغط جاريا منهم علي الدولة للحصول علي مزايا جديدة في مقابل الانتقال.. ومازال موقف أصحاب المدابغ يحيطه عدم الجدية في النقل.. المهندس عبد الرحمن الجباس عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية وبورصة دباغة الجلود.. وأحد أصحاب مدابغ الجلود بمصر القديمة يشرح لي وجهة نظر أصحاب المدابغ هناك بعض معوقات تعطل عمليات النقل أهمها: أسعار الأرض في الربيكي ففي الوقت الذي تبيع فيه الدولة المتر في العاشر من رمضان ب200جنيه فإنها ترغب في بيعه للمدابغ ب1200جنيه إذ أن الدولة قامت بتحميل تكلفة جميع الأعمال في المدينة علي سعر الأرض.. والمفروض أن تتحمل الدولة هذه التكاليف كنوع من المعاونة لهذه الصناعة التي سوف تدخل للدولة مليارات من الدولارات حيث إنها صناعة تصديرية. مدابغ مصر القديمة المياه مشكلة بجانب سعر الأرض هناك سعر المياه.. وفي مجري العيون تقوم بحفر آبار فالمياه فيها بلا مقابل.. وفي الربيكي أسعار المياه مرتفعة جدا وهذه الصناعة تحتاج إلي مياه شديدة.. وأيضا مطلوب تكلفة الصرف الصحي من أصحاب المدابغ.. مع العلم أن المياه التي سوف تخرج من مصانع الدباغة محملة بمنتجات معدنية ويمكن استخراج الكروم منها وبيعه مرة أخري مع اعادة معالجة المياه واستخدامها في زراعة غابات خشبية حول المدينة.. وهذه اقتراحات قد تقلل من أسعار المياه والصرف التي تشكل عبئا هائلا بجانب أسعار الأراضي. وهناك أيضا مشكلة عدم وجود مساكن للعاملين وأصحاب المدابغ في المدينة بالاضافة إلي عدم التخطيط لوجود مدارس وخدمات. أين دور الدولة إن أصحاب المدابغ يرون كما يضيف المهندس الجباس اننا كنا نصدر بمليار جنيه جلودا قبل قرار وقف التصدير.. ولكننا نهدف الآن في ظل الانتقال إلي الربيكي إلي زيادة التصدير إلي2 مليار دولار سنويا وذلك بعد الارتفاع بمستوي جودة الجلود بصورة تسمح بالتصدير وتحقيق دخل هائل للدولة.. وهذا قد يدفع الدولة إلي المساهمة في تحمل بعض أعباء الانتقال إلي الربيكي بخفض أسعار الماء والصرف الصحي وأسعار الأراضي. منطقة المدابغ الجديدة مفاجأة ثم نأتي إلي ثمن أراضي المدابغ في منطقة مصر القديمة إذ يفجر المهندس الجباس مفاجأة بأن هذه الأراضي جميعها حكر وليست ملكا لأصحاب المدابغ الذين يدفعون ايجارا سنويا للمحافظة باعتبارها حكرا.. وقد تفهمت الدولة البعد الاجتماعي لأصحاب المدابغ ووافقت بأن يئول نصف ثمن بيع هذه الأراضي إلي أصحاب المدابغ كتعويض عن نقلهم إلي الربيكي والنصف الآخر للدولة.. وهذا ما تم الاتفاق عليه في الاجتماع الأخير مع وزير الصناعة تمهيدا للنقل. وتم الاتفاق أيضا علي تعيين شخصية من قبل الوزارة لتفعيل الاتفاقيات التي تمت بين الصناعة وأصحاب المدابغ والتي تتضمن التعويضات واقامة مساكن وخدمات.. وجار تعيين هذا الشخص للبدء في اجراءات الانتقال إلي الربيكي. علي أن التساؤل القومي مازال مطروحا: لماذا لم تنخفض أسعار الأحذية الجلدية في حين هبطت أسعار الجلود بعد قرار وقف التصدير بنسبة 50% وتراكم أعداد مهولة منها بعد الأضحي. من الواضح أن فروق الأسعار قد دخلت جيوب أصحاب مصانع الأحذية والمنتجات الجلدية بالكامل.. ومن الواضح أيضا أن المستهلك المصري لن يقترب من المنتجات الجلدية المصرية وسوف يفضل الأحذية المستوردة رخيصة السعر والتي تتميز أيضا بالجودة.