يبدو العالم كما لو كان يدخل حقبة ثورية جديدة, عهد جديد وغير مسبوق من صحوة سياسية واجتماعية, هناك حالة من الغضب المتراكم أدت إلي انفجار الطبقة الوسطي هذا العام تحديدا في وجه معظم الأنظمة الحاكمة, حتي تلك الأكثر ديمقراطية وشفافية واحتراما لحقوق الإنسان والحيوان, تظل الطبقة المتوسطة غير راضية, أكثر رفضا وغضبا تجاه كل ما يحدث, البرجوازية الجديدة, كما يروق للبعض تسميتها, أصبحت التحدي الحقيقي الذي يواجه الأنظمة السياسية حول العالم, تحولت إلي كتلة بشرية هائلة, سريعة النمو, يوحدها عبر الحدود الجغرافية والسياسية, شيء واحد, وربما لأول مرة في تاريخ البشرية, انه الغضب. كان التعريف القديم المقبول للطبقة المتوسطة, هو الأبسط, إنها الطبقة التي تقع بين طبقة الفقراء وطبقة الأثرياء, مؤخرا أصبحت الطبقة الوسطي وفقا لتعريف البنك الدولي, أكثر ارتباطا بقدرتها المالية, إنها الطبقة التي يجني أبناؤها ما بين 10 إلي 20 دولارا يوميا, في حين يري السياسيون أنها الطبقة التي تحترم بشكل اكبر حرية التعبير وعدالة التوزيع وتطمح في انتخابات نزيهة بشكل اكبر من الطبقة الفقيرة, المنشغلة بشكل أساسي بعملية التحرر أولا من الفقر. بلا شك أن الظروف التي أدت إلي تجمع الناشطين المناهضين لتضخم ثروات الرؤساء التنفيذيين للشركات الكبري, في العديد من المدن الأمريكية, تختلف عن تلك التي جمعت الثوار في ميدان التحرير في القاهرة, عن التي دفعت المتظاهرين الغاضبين إلي التجمع خلال شهور الصيف الماضي في شوارع بريطانيا واليونان, عن المشاركين في المسيرة المناهضة للفساد في نيودلهي, لكن المؤكد أن معظم تلك الحركات تشترك في بعض الملامح الأساسية: أنها تضم أبناء الطبقة الوسطي, وأنها بلا قيادة أو أيديولوجية واضحة, ترفض النخب السياسية التقليدية, وتعتقد أن العولمة أفادت الأغنياء أكثر من بقية أبناء الشعب, غاضبة من تشابك مصالح رجال الأعمال والفساد السياسي, ولديها القدرة علي الترابط عبر شبكات التواصل الاجتماعي, وكل هذا قد يكون هو بالتحديد ما يميز الحركة الأمريكية المتزايدة النمواحتلوا وول ستريتس 1500 مدينة في 82 دولة حول العالم, مما حولها إلي واحدة من أكثر حركات الغضب الشعبي إثارة لحنق الدوائر الأمنية في غالبية المدن التي انفجرت بها, إضافة إلي كونها ظاهرة ينظر إليها عدد كبير من المحللين السياسيين والاقتصاديين بكثير من الترقب والحذر. يري المحلل السياسي الأمريكي, ديفيد اغناطيوس, من خلال عموده بصحيفة واشنطن تايمز, أن تلك الحركات الشعوبية الجديدة المتزايدة, تبدو مثيرة للمخاوف أكثر من غيرها الإرهاب الدولي علي سبيل المثالس. كان موسيس نعيم, الباحث في مؤسسة كارنيغي حاليا, والمتخصص في الاقتصاد الدولي, قد حذر مرارا من انفجار موجات غضب الطبقة الوسطي حول العالم في بحث نشرته له دورية فورن افيرز عام 2007, خاصة في البلدان الأكثر فقرا وما يعرف بالأسواق الناشئة, مثل الصين والهند والبرازيل وتشيلي, إنها الطبقة الأكثر نموا بين سكان العالم, سيصل تعدادها إلي 1.8 مليار نسمة خلال العقد المقبل, حيث يقدر هومي خاراس, الباحث بمعهد بروكينغز, انه بحلول عام 2020 سوف تنمو الطبقة المتوسطة الجديدة لتشمل بشكل مذهل52% من سكان العالم, (حاليا تشكل 30% تقريبا)وسوف تمتلك الصين اكبر شريحة سكانية من الطبقة الوسطي, بينما ستتضاعف تلك الطبقة عشرة أضعاف أمثالها في الهند بقدوم عام 2025 لقد رصد المراقبون العديد من الدراسات التي ناقشت بالفعل ما أسموه الحروب الطبقية, المحلل السياسي والتر رودجرز في عموده بجريدة كريستيان ساينس مونتور, يري أن العالم أصبح مكانا آخر, أكثر تعقيدا وترابطا وان الجيل الجديد من قادة العالم هو وفق تصوره من الطبقات المتوسطة, قادة هم الآن في مرحلة الإعداد عبر تغريدات تويتر والرسائل النصية, وليس داخل الأروقة السياسية, في الوقت الذي ما زالت فيه النخب السياسية تؤمن بنفس أنماط التفكير وترفض أن تنظر بتفحص إلي حقيقة الأشياء, فما زالت شديدة الثقة في برامجها, مؤمنة بأنها الأقوي والأفضل, وهو إيمان يتسم بالجهل وفق رؤيته. البعض يري ان الخطر القادم من الطبقات المتوسطة حول العالم, سوف يغير ملامح الصراعات في المستقبل, حيث يري بعض الخبراء أن الصراعات الثقافية والدينية لن تكون هي مصدر القلق الأكبر, القلق كله سيتجه نحو الطبقة التي أصبحت تعاني بشكل كبير من تغيرات حادة في مستويات المعيشة التي ميزتها لعدة قرون, في بحث آخر لموسيس نعيم, الذي كان رئيس تحرير دورية فورن افيرز لمدة أربعة عشر عاما, نشرته مؤسسة كارنيغي, حول صراعات الطبقة الوسطي, أشار إلي أن أوضاعها أصبحت تسير من سيء لأسوأ, حيث يؤدي انخفاض مستويات معيشتها إلي المزيد من الإحباط والغضب, وقد يتحول هذا الغضب ليؤثر بشكل كبير علي مستقبل الصراعات في العالم, يري نعيم أن معدلات نمو وتوسع تلك الطبقة يسير بمعدلات أسرع كثيرا من معدلات نمو وتطور الحكومات في البلدان الفقيرة والناشئة اقتصاديا, إضافة إلي أن مطالبها ربما كانت في العديد من الأحوال أكثر تعقيدا مما تستطيع الحكومات تقديمه, قد يكون بناء المزيد من المدارس مطلبا أساسيا في البلدان النامية, وهو أمر سهل إلي حد كبير, لكن الطبقة المتوسطة لا تطالب فقط ببناء المزيد من المدارس بل وبتحسين العملية التعليمية برمتها, لا تطالب فقط ببناء المستشفيات ولكن بتقديم خدمات صحية راقية, إنها تطلب المزيد من الخدمات النوعية, وإلا فإنها ستنفجر, ولن تجد حكومات الدول النامية وسيلة سريعة لاحتواء انفجارها, في الوقت الذي ما زالت تعمل فيه بالكاد علي انتشال اكبر عدد من سكانها من براثن الفقر, عندما تكون الأولوية للفقراء يتم تجاهل مطالب الطبقة الوسطي كما يري نعيم, وكلما زاد التجاهل كلما أصبحت الحكومات فريسة سهلة أمام دورات غير مسبوقة من الاحتجاجات, والنتيجة التي يتوقعها نعيم في بحثه الهام, أن كلا من حكومات الدول الفقيرة والغنية علي حد سواء ستعجز عن تقديم ما يرضي طبقة أصبح من الصعب جدا إرضاؤها, وستكون نتيجة هذا أن تنفجر المزيد من حالات التمرد, صراعات طبقية داخلية, حروب أهلية, قد لا يحمل المستقبل حروبا بين الدول, بل ربما بين الشعوب وحكوماتها.