تسعة عشر عاما مرت علي رحيل أستاذنا يحيي حقي(7 يناير1905 9 ديسمبر1992) الذي أعطانا عصارة فكره وذوب قلبه وإحساسه مدي سبع وأربعين سنة منذ بدأ نشر أعماله في مجلة الفجر وجريدة السياسة. ومن منا يمكن أن ينسي له قنديل أم هاشم ودماء وطين وأم العواجز وصح النوم وخليها علي الله أو أن يضرب صفحا عن خطوات في النقد وفجر القصة المصرية وحقيبة في يد مسافر وتعال معي إلي الكوفير أو أنشودة للبساطة وناس في الظل, هذا غير ما ترجم من المسرحيات والروايات؟! هو إذن الأديب الشامل الذي كتب القصة والرواية واللوحة الأدبية كما كتب في المسرح والسينما والفن التشكيلي وترجم من الآداب العالمية أبدعها وأروعها لما كان يجيده من اللغات العالمية كالفرنسية والإيطالية والانجليزية وهو الدبلوماسي من جدة إلي اسطنبول إلي روما إلي باريس ثم أنقرة وطرابلس وهو مدير مصلحة الفنون نواة وزارة الثقافة بشكلها الحديث وهو مستشار دار الكتب ورئيس تحرير مجلة المجلة التي أخرجت للحياة الثقافية المصرية أروع أجيالها الأدبية جيل الستينيات الذي ما يزال يعطي للأدب والثقافة حتي اليوم ومايزال ينال من التكريم ويحصد الجوائز. هذا الرجل يحيي حقي صاحب هذه المدرسة الكبري في الأدب ماذا قدمنا له نحن الذين أحسن إلينا فلم نقابل إحسانه إلا بالجحود.. وهل أدل علي جحودنا أننا حتي اللحظة لم نقدم له في ذكراه سوي الكلمات تسع عشرة مرة في تسعة عشر ذكري وليس أكثر من ذلك! ثم ماذا بعد؟ ألم يئن الأوان لأن ننشيء تخليدا لهذه العبقرية جائزة كبري في الفنون والآداب يرعاها المجلس الأعلي للثقافة في عهده الجديد أو أن تتولاها وزارة الثقافة ويرعاها وزيرها بنفسه فيصحح خطأ استمر تسعة عشر عاما وما يزال! اننا جميعا نعترف لأستاذنا يحيي حقي بأستاذيته وريادته فهو الذي أهداه أستاذنا نجيب محفوظ جائزة نوبل يوم فوزه بها عندما أعلن أن يحيي حقي كان الأحق بها وهو الذي قال عنه إنني لأعتبره من شوامخ نهضتنا الأدبية وأثني علي الظروف التي عرفتني به شخصيا منذ عملت تحت رئاسته في مصلحة الفنون وسيظل يحيي حقي في نفسي هو يحيي حقي بكل ما يرمز إليه من عطاء. ثم يكمل فؤاد دواره زميل يحيي حقي في المجلة والذي أفني سنوات من عمره في جمع أعماله فيقول أنا أفخر بهذا الجهد وأوجه رسالة إلي الأجيال الجديدة من الباحثين الشباب لأن يجتهدوا ويكملوا ما بدأناه من جهد في البحث والتنقيب وتجميع وإضاءة أعمال أعلام ثقافتنا المصرية والعربية. وأزيد عليه اعترافا بأننا مازلنا حتي اليوم علي شواطئ قارة يحيي حقي لم ندخلها بعد مدركا أن أمامنا عملا كبيرا يحتاج إلي جهدنا مجتمعين! يعترف له أيضا أديب شامخ وكاتب كبير مثل ادوار الخراط فيقول عنه في شهادته إنه بلا شك رجل الفكرة المتقدة دائما, اليقظة وشديدة اللصوق بما تقع عليه. هناك دائما في كل كتاباته سواء كانت قصصا أم غير ذلك فكرة ثاقبة النظرة تلهمها وتقيمها ولعلها تستأثر بها مازال ذلك مفتقدا في معظم كتاباتنا القصصية التي لا يسندها ويقيم ظهرها ذلك العمود الفقري من الفكر. وتعالوا نسمع شهادة فتخي غانم القامة العالية في الرواية عن يحيي حقي عندما يقول تعلمنا من يحيي حقي فن القصة وكيف نكتب مقالا, وأنا أعتبره قيمة أدبية كبيرة لا تقدر بثمن وقيمة إنسانية وحضارية توجهت أعماله ولازال في اتجاه الإنسان الأصيل الكريم الذي يستطيع أن يعيش في العصر الحالي محتفظا بالقيم التي تواجه عوامل كثير تسعي إلي إفسادها.. ومازال الكلام عن يحيي حقي موصولا..