غدا اليوم المتمم لمئوية الراحل الكبير نجيب محفوظ!. لكنه ليس آخر رحلتنا مع تجلياته, إن كانت لنا في العمر بقية! وفي هذه المناسبة الاستثنائية, أحبت مؤسسة الأهرام أن تقدم هذا العدد التذكاري من ملحق الجمعة الذي كان يحب نشر أعماله فيه تحية لروحه السمحة, وهدية من الأهرام لقرائها, ولمحبي أديب نوبل العظيم. وحري بنا أن نشير هنا إلي شيئين مهمين, أولهما أن ختام هذا الملحق هو آخر جزء من الحكاية العاشرة في ملحمة الحرافيش التي تصفثورة شعبية تنبأ بها محفوظ حين رأي ببصيرته أن حرافيش الحارة المظلومين, سيخرجون علي الفتوة الظالم بعدما كبدهم مشقات فوق طاقتهم, وأحال حياتهم إلي مباءة بالعسف والجوع, وأذلهم بالمهانة والخنوع, تماما كما فعل مبارك وعصابته. فعلي غير توقع, كما جري يوم25 يناير المجيد وتداعياته المتواصلة قرر الحرافيش نصرة عاشور الناجي, الفتوة العادل, في لحظة غامضة وموعودة, مثلما فعلها شعب مصر, ويناضل الآن من أجل حكم مدني شرعي يجسد أحلام أمة أرهقها الجور, والنهب, ولما طال شوقها إلي الحرية, قررت انتزاعها بالنبابيت. الشئ الثاني أن هذا العدد التذكاري الحاشد, هدية خاصة لقراء لم يدركوا نجيب محفوظجيدا, لعلهم يجدون فيه دليلا إلي أكمل مشروع إبداعي في الأدب العربي, وأكثرها التصاقا بقيم الإنسان الكبري, وفي مقدمتها العدل والحرية. مما استوجب إلقاء الضوء علي شئ من طفولته الأولي, علي يد أديب أريب مثل جمال الغيطاني, استنطق محفوظ, المتحفظ قليل الكلام, ليحكي باستفاضة عن حياته, كما قدم لنا الراحل رجاء النقاش الناقد الحصيف رؤيته لأجمل خصال محفوظ, وأهم ملامح شخصيته. ومثلهما فعل بعض الكتاب من الراحلين الذين أدركوا قيمته مبكرا, في التعريف بأعماله من روايات وقصص قصيرة وسينما, مثلما اجتهد آخرون من الحاليين العارفين بعوالمه الفسيحة. ولا يفوتنا في هذا الظرف العام العصيب, الذي يشهد انتشار من يجهلونه, أن ننشر كلمة الدكتور أحمد كمال أبو المجدعن أولاد حارتنا كشهادة أمينة, وتذكرة بالموقف المتزن لأديب نوبل من الدين الإسلامي الجليل, وتفسيره الصحيح لروايته التي ظلمها المتشددون, حين أولوها بتشنج وهابي, معاد للإبداع الحقيقي. رحم الله سيد الرواية العربية, وطيب مرقده, كما طيب حياتنا بإبداعاته الضافية, المتجددة, وأدبه الأخلاقي الجم, وسماحته الانسانية الرحبة, وحفظ آثاره من البدد, وحاش عنه الجهلة المتنطعين. تحية إلي روح نجيب محفوظ في مئويته الأولي, والتي نثق أن الاحتفال بها سيتجدد علي رأس كل قرن, لأن أعماله ضمنت لسيرته الخلود, وجعلته من عظماء الإنسانية!