أوضاع المصريين العاملين بالخارج تحتاج الي نظرة منصفة ممن بيدهم الأمر, فالكثير منهم وبخاصة في دول الخليج يحيون ظروفا معيشية صعبة, وهم مضطرون للقبول بها تحت وطأة المعاناة الاقتصادية والبطالة الموجودة في مصر. فحالهم حال المستجير من الرمضاء بالنار, ويزيد من معاناتهم أن الحكومات المتعاقبة علي امتداد العقود الأربعة الماضية أهملت ملف العمالة المهاجرة برغم وجود وزارة متخصصة للهجرة, وتعاملت معهم ليس بصفتهم مواطنين يستحقون الرعاية والحماية في غربتهم التي أجبروا عليها, وإنما باعتبارهم مصدرا مهما من مصادر النقد الأجنبي, وصارت علاقاتهم بسفارات مصر وقنصلياتها, علاقة الممول بجابي الضرائب, فالسفارات المصرية في الخارج للأسف الشديد تتعامل معهم تعاملا فوقيا لا يقل في سوء أسلوبه عن تعامل بعض الكفلاء معهم, وقد عايشت خلال إقامتي الطويلة بالخليج حكايات كثيرة لمصريين لجأوا الي سفارة بلدهم مستغيثين, فكان جزاؤهم الطرد والإهانة, بل وفي بعض الحالات استدعاء شرطة تلك البلدان لإخراجهم من السفارة وتحرير محاضر ضدهم. أمامي الآن درس قدمته لنا الهند, فتلك الدولة القارة العامرة بمشكلات عدة, لم تقف مشكلاتها والزيادة في التعداد السكاني, بينها وبين تلمس السبل لرعاية ابنائها المغتربين بحثا عن عمل وحياة أفضل, غير عابئة بما قد يسفر عنه حرصها من تراجع أعداد العاملين بالخارج من أبنائها, وبالتالي تناقص أحد أهم مصادر مواردها من النقد الأجنبي, وفي وقت تكافح لتدبير موارد للتنمية. قدمت لنا الهند درسا في الرقي الحضاري والإنساني, حين أبت حكومتها أن تقبل الضيم الذي يحياه مواطنوها في الخارج, معتبرة كرامة مواطنيها أثمن من أموال العالم, وقررت صياغة عقد عمل جديد للعمالة المنزلية الهندية التي تعمل بالمملكة العربية السعودية. ينص العقد الذي قامت سفارة الهند بالرياض بتفعيل مواده ووضعه موضع التنفيذ, علي ألا يقل الراتب عن1200 ريال شهريا, مع قيام رب العمل بتوفير3 وجبات يوميا للعامل أو العمالة, أو منحهما بدل تغذية لا يقل عن مائتي ريال شهريا, ويعطي العقد تفويضا للسفارة لتفقد أماكن هذه العمالة والتأكد من مناسبتها للحياة, وإلزام الكفيل في حالة كون العامل يعمل سائقا بتحمل قيمة الدية التي قد تنجم عن أية حادثة قد يتسبب فيها العامل دون قصد منه خلال قيادته للسيارة. لقد آن الأوان لنشعر العاملين المصريين بالخارج أن بلدهم لم ينسهم, عبر اتفاقية مع السلطات السعودية تلزم الكفيل بسداد قيمة الدية أو التأمين علي السائق ضد مخاطر القيادة وحوادثها, ووضع هذا الشرط في بنود أي عقد عمل جديد قبل منح تصريح العمل للعامل, مع إضافة بند ينص علي حد أدني للراتب ويجعل من واجبات السفارة وحقها التأكد من المعاملة الآدمية للعامل المصري في غربته.