اتجهت رياح الربيع العربي مرة أخري الي الجزائر والمغرب ولكن بقوة أشد تنذر بعواصف قد تقتلع جذور أنظمة الحكم اذا لم تسارع باحتوائها ليتجنب البلدان المصير المقلق الذي آلت إليه مصر وليبيا وتونس واليمن وسوريا. ولنثبت نحن العرب ولو مرة واحدة أننا يمكن أن نتعلم من دروس التاريخ. في الجزائر سرت مظاهرات العاطلين عن العمل بولايات الجنوب كالنار في الهشيم احتجاجا علي ما وصفوه بالتهميش والفساد والتمييز في الوظائف, بدأت في ولاية ورقله عاصمة انتاج البترول بتنظيم عشرة آلاف وقفة احتجاجية أمام بلديتها وأطلقوا علي المكان ساحة التحرير تيمنا بميدان التحرير الذي انطلقت منه الثورة التي أطاحت بنظام مبارك ورفعوا شعارات تطالب برحيل الرئيس عبد العزيز بوتفليقه ورئيس الوزراء عبدالمالك سلال, وباعتذار الأخير عن وصفهم بأنهم شرذمة. وفي اليوم التالي امتدت الي تندوف ومن بعدهما الي الأغواط وجردايه وتمنراست وبسكره والوادي, وهي المرة الأولي التي يحتج فيها شباب الجنوب علي أوضاعهم بشكل جماعي. كما شهدت مدن شمالية مثل وهران وقسنطينة والجزائر العاصمة مظاهرات مماثلة, وكان القاسم المشترك بينهم في الشمال والجنوب المطالبة بانهاء البطالة والظلم والتهميش وتوفير السكن والاسراع بتنفيذ مشاريع تنموية واستثمارية وبنية أساسية في ولاياتهم, وطالب بعضهم بالحديث الي الرئيس والسلطات العسكرية قائلين انهم هم أصحاب السلطة الفعليون وليس الوزراء الذين يرسلونهم إليهم, لأنهم لا يملكون تنفيذ ما يعدون به. عند انطلاق شرارة الثورات العربية وعد بوتفليقة باصلاحات وقرر رفع الأجور فحدثت تهدئة مؤقتة لكنها بدأت تتلاشي لأن الوعود لم تنفذ وفقا لتصريح بوجمعه عشير رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الانسان ل بي بي سي. وفي محاولة لامتصاص الغضب عاد الرئيس الأسبوع الماضي ليؤكد أن الدولة عازمة علي ملاحقة الفاسدين بعد تكشف فضائح فساد تورط فيها وزراء. ففي الوقت الذي لايجد فيه الشباب فرصة عمل أو مسكنا استولي مسئولون كبار في قطاع البترول علي ملايين الدولارات مقابل حصول الشركات الأجنبية علي عقود بترول وغاز, منها250 مليونا من شركة واحدة. وقبل أن تكبر كرة اللهب وتحرق ما يصادفها يتعين أن تتحرك الحكومة بسرعة لايجاد حل دائم لمشاكل العاطلين والمحرومين من السكن ومحاكمة المتورطين في قضايا فساد والتوقف عن اصدار وعود جوفاء. صحيح أنها وعدت بالغاء الفوائد علي القروض وتقديم حوافز مالية بلا فوائد وتسليم أراض زراعية لبعض من طلبوها وتوفير فرص عمل جديدة ولم تستخدم العنف ضد المتظاهرين هذه المرة, إلا أن ذلك لا يكفي لمنع تحول الرياح الي أعاصير مدمرة. لا يختلف الأمر كثيرا في المغرب عنه بالجزائر.. فقد نظم مئات الشباب العاطلين سلسلة احتجاجات بأشكال غير مألوفة للمطالبة بفرص عمل من بينها مسيرة وهم حفاة وأخري أحرقوا خلالها دمي لوزراء في مقدمتهم رئيس الوزراء عبد الاله بن كيران ووزير الداخلية محند العنصر.وأوضح أحد المحتجين أن الهدف هو كشف ما وصفه بزيف الخطاب الحكومي القائل ان كل شيء علي ما يرام وتكذيب التصريحات الرسمية ببذل جهود لحل مشكلة بطالة حاملي الشهادات. وقال ان احتجاج الحفاة استهدف توصيل رسالة للشعب بأن الحكومة التي تحاول أن تظهر بمظهر جميل أمام البرلمان ما هي الا حافية القدمين لا تملك بيدها القرار السياسي اللازم لحل مشاكلهم. كما قذف بعضهم مبني البرلمان بأحذيتهم احتجاجا علي ما وصفوه بتخلي النواب عنهم. ولم ينته الأمر عند هذا الحد, فقد قررت نقابتان عماليتان تنظيم مسيرة احتجاج ضد الحكومة الأحد المقبل في الرباط احتجاجا علي ما وصفتاه بالتعامل غير المسئول مع التنظيمات النقابية وانتهاك حقوقها وحرياتها والتضييق علي حق الاضراب وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وكما هو في الجزائر يبدو أن الأمر ليس هينا ويتعين عدم الاستهانة بمطالب المحتجين أو تأثيرهم علي غرار عبارة مبارك الشهيرة خليهم يتسلوا فأصبح هو نفسه بطل مسلسل يتسلي به الملايين داخل مصر وخارجها. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى