نشر الخبر التالي في إحدي الصحف(2/24): أكدت محكمة استئناف الأزبكية أن تعيين النائب العام الجديد جاء مستوفيا للشروط الشكلية والموضوعية لتولي المنصب, والتي حددها القانون والدستور. وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن الإعلان الدستوري هو الأداة القانونية التي تخول للسلطة القائمة إدارة شئون البلاد خلال المرحلة الانتقالية, ريثما يتم إقرار دستور دائم, ومن ثم فإن الإعلان الصادر في21 نوفمبر الماضي صدر عن الرئيس باعتباره رأس السلطة التنفيذية وقمتها, وبوصفها سلطة حكم وليست سلطة إدارة, وجاء في نطاق وظيفته السياسية التي تمكنه من إصدار إعلانات دستورية كرئيس منتخب, وفي إطار ما أوجبته عليه مسئوليته السياسية وواجبه الوطني. هذا جزء من خبر يتيم, اتفقت جميع وسائط الإعلام علي حجب أي صدي له, حيث جري التعتيم عليه وتجهيل الناس به وعدم نشر كل ما من شأنه تكرار الإشارة إليه.. فلم نر أحدا يناقشه في مقال رأي أو برنامج حواري, وذلك في الوقت الذي استمر فيه نشر المقالات, وبث الحوارات التي تحاول غسل عقول الناس بأكذوبة أن الرئيس انتهك القانون والدستور بإصدار الإعلان الدستوري المذكور. أيضا عندما صدر حكم المحكمة الدستورية في يونيو الماضي بالإجهاز علي أول برلمان للثورة, تجنبت جميع وسائط الإعلام التعرض بكلمة ل, أو بتساؤل عن, الظروف والملابسات المحيطة بصدور هذا الحكم. فالمعروف أن نائبة رئيس المحكمة الدستورية, والتي شاركت في إصدار الحكم, كانت تتنقل بين الفضائيات منذ بداية الثورة موجهة هجوما شرسا إلي( الإخوان) وقياداتهم, وهي التي أجرت حوارا شهيرا مع( النيويورك تايمز) الصيف الماضي, شرحت فيه جهودها في التمهيد لإصدار هذا الحكم. هناك تساؤلات كثيرة لم تطرحها أي صحيفة أو فضائية, مثل: هل ما فعلته السيدة القاضية في الفضائيات كان تسييسا للقضاء وإهدارا لهيبته أم لا؟ وإن كان كذلك, فلماذا لم يحاسبها أحد من قضاة الدستورية أو من المجلس الأعلي للقضاء؟ وكيف شاركت القاضية في إصدار حكم ضد برلمان يشكل خصومها أغلبيته؟ وكيف يتفق ذلك مع القاعدة التي بمقتضاها يتنحي القاضي عن الحكم في قضية له خصومة شخصية مع أحد أطرافها؟ وماذا عن تقرير( النيويورك تايمز).. كيف تجاهلت الدستورية والمجلس الأعلي الكلام الخطير الذي جاء فيه؟ وماذا عن حديث رئيس حزب( الوفد) في إحدي الفضائيات يوم6/13 الماضي قبيل إصدار حكم الحل, والذي قال فيه بالحرف إن شخصيتين قضائيتين اتصلتا به من أجل إقناعه بالتراجع عن اتفاق تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور لأن المحكمة الدستورية, ستصدر حكما بحل البرلمان. أيضا عندما أصدرت المحكمة نفسها حكمين سابقين بحل اثنين من برلمانات النظام السابق المزورة, استغرق الأمر منها ثلاث سنوات لإصدار الحكم. ولكن عندما تعرضت إلي أول برلمان حر في تاريخ مصر الحديث, أصدرت حكمها بعد شهر واحد, وقبل أيام من تسليم المجلس العسكري سلطة الحكم إلي الرئيس المنتخب.. لماذا؟ لماذا صدر الحكم في التوقيت الذي يضمن للمجلس العسكري بقاءه في المشهد السياسي بتحويل السلطة التشريعية إليه؟ هل كانت مجرد مصادفة؟ وهل كانت مصادفة أن يصدر إعلان دستوري مكمل بعد ذلك بأيام قليلة؟ وإذا كان من بديهيات القضاء أن القاضي يصدر الحكم ولا يتعقبه, أي أنه ليس من مهامه متابعة تنفيذه, فلماذا أصرت المحكمة علي إلغاء قرار الرئيس بعودة البرلمان؟ ولماذا يتحمل ملايين الناخبين وزر المجلس العسكري الذي أصدر القانون المعيب؟ لقد كان أمام المحكمة ثلاث خيارات للتعامل مع هذا القانون.. الحكم بعواره مع تأجيل التنفيذ إلي البرلمان القادم احتراما للناخبين, وكما فعلت المحكمة الدستورية الألمانية مع حالة مشابهة.. أو الحكم ببطلان عضوية المائة نائب الذين استفادوا من العوار القانوني.. أو حل البرلمان بأكمله.. واختارت المحكمة أكثر الخيارات تشددا, فلماذا؟ هل كان ذلك يستحق الكوارث التي أدي إليها حكم الحل؟ ثم كيف بهذه البساطة تتغول سلطة علي سلطة أخري, وتمحو بجرة قلم أصوات32 مليون ناخب مصري؟. هذه التساؤلات الكاشفة والمنطقية والمشروعة تؤثر سلبا علي أجندة تحالف الثورة المضادة. ولذلك كان لابد من حجبها عن الرأي العام حتي يسهل استغلال إعلان نوفمبر الدستوري الذي أنقذ الجمعية التأسيسية ومجلس الشوري من مصير البرلمان كسلاح ضد الرئيس و(الإخوان).. من ناحية, تكثيف القصف الفضائي والصحفي عليهما دون مقاومة تذكر, وشيطنتهما إلي الحد الأقصي.. ومن ناحية أخري, حتي يتمكن الطرف الثالث من تصعيد الحرب, من الساحة الإعلامية إلي الساحة الميدانية. إن المحكمة الدستورية ليست مقدسة كما يحاول البعض في وسائط الإعلام تصويرها. وكما يقول الدكتور خالد أبوالفضل أستاذ القانون العام بجامعة لوس أنجلوس, فإن الخلاف بين رئيس الدولة والمحكمة الدستورية في النظم الديمقراطية أمر عادي ومفهوم, يدور حول أي السلطتين لها الحق في تقرير ماهو الأصلح للمجتمع. وبالتالي من حقنا أن نشكك في حيادية ومصداقية الصحف والفضائيات التي اتفقت علي إخفاء زوايا الرؤية الأخري لقضية حل البرلمان. ولكن علي الجانب الآخر, وعلي الرغم من قانونية إعلان نوفمبر الدستوري وسلامته شكلا وموضوعا, فقد ارتكب الرئيس مرسي خطأين فادحين.. أولا في عدم إعداد الشعب لهذه القرارات الخطيرة من خلال التمهيد لها إعلاميا, وثانيا في عدم إعداد نفسه ومؤسسته لردود الأفعال المتوقعة علي هذه القرارات, من خلال استشارة مستشاريه ونائبه, حتي يخرج الإعلان في صورة أفضل من تلك التي خرج بها علينا. علي الرغم من أن جماعة( الإخوان) ترفع شعار( وأعدوا...), إلا أن الرئيس فشل في إعداد نفسه لحرب مؤكدة من خصومه, وفي إعداد الناس لتفهم أسباب ودوافع الإعلان, فكانت النتيجة أن افترست وسائط الإعلام عقولهم, وأصابهم الطرف الثالث بالاكتئاب والإحباط, وسهلت أخطاء الرئيس المهمة كثيرا أمام تحالف الثورة المضادة. لمزيد من مقالات صلاح عز